الراي: لبنان يضج بـ “خلايا أزمة”

تضع الاندية السياسية في بيروت «الرسم التشبيهي» للحكومة «المحتملة» جانباً وتعرض لخريطة التوقعات السياسية والامنية التي تدهم البلاد من بوابة الزلزال، الذي بدأ يضرب سورية وتصيب ارتداداته المبكرة لبنان المأزوم واوضاعه المفخخة.
لم تعد الانظار على «القلم والورقة» في تشكيل الحكومة، التي قال رئيس البرلمان نبيه بري انها تستحق «صلاة الميت» قبل ان يتحدث عن ان ولادتها قد تكون عيدية ما بعد العيد (الفصح)، وهو الذي كان ضرب مواعيد لولادة لم تولد.
ورغم ان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي يوحي بـ «تفاؤل مشوب بالحذر» حيال امكان رؤية حكومته النور في وقت قريب، فإن اوساطاً «عليمة» تجزم بأن محاذير فعلية مالية وامنية وسياسية قد تحول دون تشكيل ميقاتي لحكومته.

تلك المحاذير تتجاوز ميقاتي وحساباته «المالية والسياسية» وترسم علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الوضعين السياسي والامني «المشرعة الابواب» على تحديات داخلية خطرة واقليمية اخطر تجعل لبنان في «بوز المدفع».
اوساط على معرفة بما يدور في «الغرف المقفلة» قالت لـ «الراي» ان ارتدادات الزلزال السوري ستصيب لبنان بلا ريب، لكن السؤال هو كم ستبلغ درجات الهزات الارتدادية على مقياس «الواقع الملغوم» في البلاد المحكومة بـ «الفراغ».

اتهام سورية لـ «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري بالتورط في «المؤامرة» ضدها شكل اول الغيث في الهزات الارتدادية التي من المتوقع تطورها على نحو اكثر اثارة في ظل ظواهر بدت وكأنها اشبه بـ «تحضير المسرح» اللبناني لفوضى محتملة، من بين ابرزها:
* خطف السياح الاستونيين السبعة عبر عصابة تعمل بـ «الاجرة» لمصلحة جهة «غامضة» من غير المستبعد ان تتضح هويتها مع المعلومات التي تتحدث عن نقل «الرهائن» الى سورية، ووجود قنوات اتصال سورية ـ استونية في شأن مصيرهم.
* «الانتفاضة المنظمة» التي كان شهدها سجن رومية المركزي.
* الطفرة المفاجئة في الاعتداء على الاملاك العامة في مناطق واسعة من الجنوب وانفلات عمليات وضع اليد على مشاعات الدولة والاملاك البحرية، في ظاهرة مريبة لم تنجح القوى الامنية في محاصرتها او الحد من تماديها.
هذه «الظواهر» من تحت ترافقها مظاهرة من فوق تؤشر الى ربط مسار الاوضاع في لبنان بأزمتين من النوع البالغ التأثير على الوقائع الداخلية في بعدها الاقليمي، اي الازمة في سورية والوضع المأزوم في البحرين، وهو الامر الذي يحظى بعناية اكثر من «خلية ازمة» في بيروت.
وقالت دوائر على صلة بـ «المطابخ السياسية» في بيروت لـ «الراي» ان المصير الغامض للواقع اللبناني الراهن سيستمر في «الضياع» مع التداعيات المحتملة للوضع في سورية البحرين، خصوصاً في ظل سيناريوات قائمة بدأ التداول بها على نطاق واسع.
فكل طرف في بيروت شكل «خلية ازمة» تتولى مقاربة التحولات العاصفة لا سيما في سورية وتقويم حجم ارتداداتها التي تراوح بين توقع حدوث هزات عابرة وبين عدم استبعاد الانزلاق الى حرب في ضوء مستوى الخطر الذي قد يحوط النظام في دمشق.
واسوأ ما يتربص بـ «حال» بيروت، ان الفراغ الحكومي الذي بدأ مع انعقاد آخر جلسة لمجلس الوزراء قبل اربعة اشهر وبضعة ايام، مرشح للاستمرار الى امد بعيد، ما يترك البلاد بلا «قرار سياسي» في عراء العواصف التي تهب من اكثر من اتجاه.
فعلى خط تشكيل الحكومة، برز امس حِراك في القصر الجمهوري الذي زاره تباعاً بري وميقاتي، حيث بحثا كل على حدة مع الرئيس ميشال سليمان في الملف الحكومي.
واعلن بري، «كنا نأمل في أن تكون العيدية هي الحكومة الجديدة، وعلى كلٍ هي على الطريق ولكن الى ما بعد العيد»، لافتاً الى «ان الحكومة تسير في طريقها وأعتقد أنها اصبحت في المرحلة النهائية وتوضع عليها اللمسات الاخيرة التي ستؤدي الى تأخيرها الى ما بعد العيد. وهناك بعض الامور التي لا تزال عالقة، ولكن أمور كثيرة تم حلها».
وفي تبنٍّ غير مباشر للاتهامات السورية «الإعلامية» لـ «المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) ونائبه جمال الجراح بالمساهمة في احداث سورية، قال رئيس البرلمان رداً على سؤال: «لم يكن لبنان يوما إلا الخاسر الاكبر وكذلك سورية عندما يحصل توتر في العلاقات بين البلدين. فهذه العلاقات يجب أن تكون دائما مميزة وممتازة. ويجب ألا يلعب أحد بالنار في ظل الظروف الراهنة، فمصلحة لبنان العليا تكمن في وجود استقرار في سورية».

في سياق غير بعيد، لفت موقف للرئيس المكلف تشكيل الحكومة اكد فيه «ان حجم المشكلات اللبنانية لا يحتمل اضافات من خلال انزلاقات تعكس او تتفاعل مع ما يجري في الدول العربية لان الارتدادات ستكون سيئة جدا على لبنان وعلى اللبنانيين، وخصوصاً المقيمين في هذه الدول». وكانت «ارتدادات» الاتهامات المتلفزة السورية للنائب الجراح، أصابت العلاقة «المهتزة» بين «المستقبل» وبري، ولا سيما بعد مطالبة «كتلة المستقبل» وزير الخارجية علي الشامي (من فريق بري) «بدعوة السفير السوري علي عبد الكريم لاستيضاحه في شأن التصريحات التي أدلى بها في هذا الخصوص» (دعوته القضاء الى التحرك تلقائياً بعد الاعترافات المتلفزة)، ودعوتها بري إلى عقد جلسة لهيئة مكتب المجلس لبحث هذا الأمر من جميع جوانبه.

وكرر رئيس البرلمان «رمي كرة» هذا الملف في ملعب الحريري. وقد اعلن رئيس البرلمان بعد لقائه سليمان رداً على سؤال عن دعوة «المستقبل» الى استدعاء السفير السوري «ان في البلد قانونا ودستورا، ويجب تطبيقهما. وبدل أن «يقولوا للدجاجة كش، فليكسروها ويلعنوا بيّ اصحابها» وليدعوا مجلس الوزراء».

وكان الشامي سارع بدوره الى الرد على «المستقبل»، فأكد «أن موضوع استدعاء السفير السوري يستلزم عقد جلسة لمجلس الوزراء».
ولم يتأخّر ردّ «المستقبل» على الشامي اذ اعلن النائب عمار الحوري انه «بعد استقالة وزير الخارجية والمغتربين وعشرة من زملائه أصبحت الحكومة دستوريا في وضع تصريف أعمال»، مذكراً الشامي بانه استدعى بتاريخ 17 يناير الماضي (اي بعد استقالة الحكومة)، ومن دون اجتماع مجلس الوزراء، السفيرة الاميركية مورا كونيللي «لاستيضاحها حول الزيارة التي قامت بها إلى زحلة».

ووجّه النائب الجراح دعوة إلى السفير السوري لـ «الطلب من سورية تكوين ملف عن التدخل المزعوم في سورية من تيار المستقبل»، مشيراً إلى أنه «إذا لم يفعلوا ذلك، فليس بيدهم دليل، وكل ما يحصل هو مجرد ادعاءات».

السابق
من صنع بن لادن المختفي؟
التالي
السياسة:بري محذراً من اللعب بالنار: سندفع ثمن عدم استقرار سورية