من صنع بن لادن المختفي؟

اختفى ذكر أسامة بن لادن منذ فترة، ورغم الثورات التي شهدتها الدول العربية والتي كان ولا بد أن تجتذب بن لادن ونسمع صوته عنها، فإنه لم يظهر صورة أو صوتاً، مما يؤكد أنه لقي نهايته. وإذا كان التاريخ يصنعه الأخيار وأيضاً الأشرار، فالذي لا شك فيه أن بن لادن سيأخذ مكانه في قائمة الأشرار الذين نجحوا في تغيير التاريخ الى درجة يمكن وضعه على رأس شخصيات الحقبة الأولى من القرن الواحد والعشرين.

ولم يأت بن لادن من فراغ أو من تلقاء ذاته أو من صنع نفسه، وإنما ولد هو وغيره من مئات «المجاهدين» في رحم صراع القوتين الأعظم في حرب المواجهة بعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في 25 ديسمبر بهدف إقامة حكم شيوعي يؤمن بالاتحاد السوفيتي. ولما كانت الولايات المتحدة قد عانت من قبل في تجربة إقحام قواتها المسلحة لمحاصرة الامتداد السوفيتي كما حدث في فيتنام، فقد راحت تبحث عن أسلوب جديد تحارب به التدخل السوفيتي في أفغانستان. ولطبيعة الشعب الأفغاني شديد التعلق بالدين الاسلامي، فقد صكت المخابرات الأميركية شعار «الإسلام ضد الإلحاد»، داعية المسلمين الراغبين في حصولهم على مكان في الجنة إلى أن يذهبوا الى أفغانستان لمحاربة الشيوعيين الكفار. ولم تمانع الدول العربية في المشاركة في هذه الدعوة التي أقبل عليها المسلمون، سواء بالمشاركة بالنفس أو بالمال. وفي المساجد بصورة عامة وفي المملكة العربية السعودية بصورة خاصة خلال أيام العمرة والحج.

ولم تكن التبرعات ـ على أي حال ـ كافية لشراء عشر دبابات أو ألف صاروخ أو مائة ألف بندقية، في الوقت الذي لم تكن فيه الادارة الأميركية مستعدة لتقديم المساعدات المادية، فكان أن قررت توفير هذه الاعتمادات من فلوس ملايين الشباب الذين أغرقتهم المخدرات البيضاء التي تُزرع في باكستان وأفغانستان.

وتحقيقاً لذلك وفرت أميركا لباكستان معدات المعامل التي تحول الأفيون الى هيرويين (كل عشرة كيلوغرامات أفيون يتم معملياً تحويلها الى كيلو هيرويين) مما كانت نتيجته إغراق العالم في سنوات الثمانينات بموجات من الهيرويين التي انتشرت، وكانت مصر والدول العربية من بين الدول المطموع في أموالها، وعلى حساب الشباب الذين تم تدميرهم تم تمويل حرب الإسلام ضد الإلحاد في أفغانستان!

استمرت الحرب في أفغانستان عشر سنوات استقبلت خلالها مئات المجاهدين الذين أصبحوا مقاتلين، وتولى أسامة بن لادن وضع «قاعدة معلومات» عنهم، وبعد انسحاب القوات السوفيتية بصورة رسمية في 15 فبراير 1989 بدأت الولايات المتحدة تتزعم حملة مواجهة انتشار المخدرات، لكن على الجانب الآخر كان هناك مئات الرجال الذين جمعهم حمل السلاح والتدريب على عمليات القتال، وأصبحوا مسجلين في قاعدة بيانات بن لادن التي اشتهرت بعد ذلك باسم «القاعدة» نسبة الى «قاعدة المعلومات التي جمعها عنهم». وكان طبيعياً أن يعيد بعض هؤلاء الرجال حساباتهم وأن يسألوا ماذا يمكن أن يفعلوه وقد أصبحوا محترفي قتال؟ وتأتي الأحداث أسرع مما يتصورون.. ففي أغسطس 1990 بعد سنة من نهاية حرب أفغانستان يغزو صدام حسين الكويت، ويأتي الغزو بالقوات الأميركية الى المنطقة ويقارن الذين ذهبوا الى أفغانستان بين الطريقة السريعة التي تعاملت بها أميركا مع صدام المعتدي والتي تتعامل بها مع اسرائيل المغتصبة منذ عشرات السنين لحقوق الفلسطينيين.. وهكذا تتوالى الأحداث التي جعلت أسامة بن لادن حتى وإن كان قد توفاه الله، شخصية الحقبة الأولى من هذا القرن.

السابق
جيفري فيلتمان…القفـز على خيار الشعـوب
التالي
الراي: لبنان يضج بـ “خلايا أزمة”