عندما يقع قتل في أيدينا

لا يحتاج مشروع الاستيطان الاسرائيلي الى قتل عائلات يهودية من اجل سلب الفلسطينيين ارضهم وتعريض مستقبل الشعبين للخطر في هذه الارض الواحدة، لكن عندما يقع قتل كهذا في يديه فانه يعرف كيف يستخلص منه القدر الأكبر. أحياء جديدة وبؤرا استيطانية، واتهام التربية والدم الفلسطينيين وسلسلة مصطلحات مثل "أشرار" و"عمليق".
إن تاريخ استيطان البيض في بلدان ليست لهم مليء بأعمال قتل مقززة نفذها أفراد من بين شعوب المولّدين أو العبيد الأفارقة. ولم تمنع شعوب أبناء البلاد بذلك سلبها المنهجي والقضاء عليها تقريبا. ليست اعمال القتل هي التي أفضت الى نهاية العبودية أو نهاية الفصل العنصري، وإن قبح اعمال القتل في الجزائر لم يمنح الاستعمار الفرنسي – أو كل استعمار آخر – الحق في الوجود.
ربط البيض في الوقت المناسب اعمال القتل بطبيعة المتوحشين، وقسوتهم الفطرية، وعنصرهم الدون. وفي الوقت المناسب بدت السيطرة والاستعباد الفتاك على أنهما رسالة إلهية وبطولة وحفاظ على القانون والنظام، واليوم بعد عشرات السنين ومئات السنين يعترف كثيرون بالقسوة التي ميزت استيطان آباء آبائهم.
سنترك للعالمين محاولة تخمين ماذا سيحدث بعد 150 سنة. أما نحن فيهمنا الغد، أي اليوم. واليوم ينبغي أن نتناول في جدية ما يقول الحاخام العسكري السابق، العميد (احتياط) أفيحاي رونتسكي، من مؤسسي ايتمار الذي قال في مقابلة لموقع "والله"، حتى قبل نشر أسماء المشتبه بهم: "ان قرية كهذه مثل عورتا التي خرج منها قتلة عائلة بوغل وعائلة شابو يجب أن تعاني كقرية. يجب إحداث وضع يمنع فيه السكان أنفسهم كل واحد من هذه القرية الخروج والمس باليهود. اجل، هذا عقاب جماعي. يجب ألا ندعهم ينامون في الليل وألا ندعهم يخرجون للعمل وألا ندعهم يخرجون في سيارات، توجد طرق شتى".
لا توجد كلمة واحدة عن القاتلين اللذين خرجا من ايتمار أو عن امتياز سلطات القانون والنظام بعدم العثور على قاتلي فلاحين فلسطينيين ماتا باطلاق النار عليهما قرب ايتمار. حتى قبل العثور على المشتبه فيهم عاقب الجنود عورتا عقابا جماعيا. ففي لغة القانون الاسرائيلي يُجرّم الفلسطيني حتى قبل أن يكون مشتبها فيه. لم يُمكّن أمر حظر نشر التحقيق في عملية القتل من أن نكتب ما فعل الجيش في القرية في الشهر الاخير. لكن من الواضح انه من اجل الحصول على بصمات أصابع أو مورثات جينية لا يُحتاج الى تكسير آلات غسل وثلاجات واجهزة تلفاز ودُمى أو نثر أكياس أرز وسكر وإفراغ زجاجات الزيت على الارض.
إن الحاخام العسكري السابق لا يكفيه ذلك، بل يطلب أكثر. ألن يُطيع زملاؤه السابقون من لابسي البزات العسكرية؟ ألن يترجم طلابه الروحيون كلامه الى فعل؟ ومن يحتج على ذلك فسيقولون انه يسوغ ذبح الاولاد.
إن القرى الفلسطينية وكذلك المدن والبلدات تعاني حتى من غير القتل على أيدي المستوطنين والسلطات الاسرائيلية. تنكيل أفراد وتنكيلا بنيويا سلطويا. ينتقمون من الفلسطينيين لأن هذه ارضهم. يسيطرون على غراس الزيتون والينابيع ويطردون من البيوت، ويحظرون الغرس والبناء، ويصادرون اراضي بقوة أوامرهم ويهدمون ويطردون من البيوت، أما موارد المياه فاستولوا عليها منذ زمن، وكل ذلك مغموس في حوض قرارات المحكمة.
إن سلطات القانون والنظام عندنا لا تحمي القرى الفلسطينية من المشاغبين الذين يجبون ثمنا عن هدم كوخ غير مرخص. فكيف نتوقع منها أن تحميها من منتقمين لمقتل عائلة بوغل. إن المستوطنين هم مبعوثو الدولة، فكيف نتوقع من الدولة أن تمنعهم من الاستمرار في فعل ما أُرسلوا من اجله؟ وهو السلب والتنكيل وإفساد مستقبلنا جميعاً.

السابق
حل ممكن للوضع في الجنوب
التالي
أيام صعبة قادمة في الطريق الى جنوب افريقيا