حل ممكن للوضع في الجنوب

لا يستطيع صاروخ الغراد الذي أُطلق على أسدود في يوم السبت أن يغطي ايضا على حقيقة ان جولة اخرى من المحادثات غير المباشرة مع حماس انتهت الى اتفاق شفهي في شأن سلسلة من الخطوط الحمراء، فلا قذائف صاروخية ولا هجمات جوية ولا عمليات اغتيال. إن قذائف الرجم التي لا تسبب قتلا سيُرد عليها باصابات غير قاسية لأهداف في غزة، حتى اشتعال الوضع القادم.
هناك تنفس صعداء من جهة. ومن جهة ثانية الجميع ينتقدون. فليبرمان يريد القضاء على حماس وآخرون يريدون عملية رادعة والذي في يديه القدرة على الحسم كما يحدث على نحو عام أشد حذرا وإن كان يعلم ان الحل الحالي هو خرقة مؤقتة في أحسن الحالات.
ماذا يمكن أن نفعل عدا تحقيق أحلام وزير الخارجية؟ غير قليل. تمت في السنين الأخيرة اخطاء غير قليلة ولم يعد من الممكن تصحيح بعضها لكن ليس من غير الممكن مضاءلة الاضرار والافضاء الى اتجاه مختلف.
كان خطأ من قبل ادارة بوش أن تضغط على رئيس الحكومة آنذاك، اريئيل شارون، للموافقة على مشاركة حماس في الانتخابات في 2006. فبحسب الاتفاق البيني مع م.ت.ف في 1995 لم تكن منظمة حماس التي تحرض على استعمال الارهاب تستطيع المشاركة في الانتخابات الديمقراطية. كان بوش في حملة من اجل تشجيع الديمقراطية في العالم وكان على ثقة من أن مشاركة حماس هي أمر ديمقراطي. إن شارون الذي لم يؤمن بوجود فرق حقيقي بين فتح وحماس لم يناضل الاملاء الامريكي. وهكذا حصلنا على حماس باعتبارها لاعبة شرعية في النظام الفلسطيني، وهكذا عرّضنا أنفسنا لدعاوى علينا عندما لم تكن حكومة اسرائيل مستعدة للاعتراف بحكومة مشتركة بين حماس وفتح.
كان الوضع الذي نشأ غير متوقع بقدر كبير فقد انحلت الحكومة المشتركة. وبلغت المجابهة بين حماس وفتح الذروة في حزيران 2007 عندما سيطرت حماس على غزة واستعملت العنف الشديد الموجه على كبار مسؤولي فتح وطردت كثيرين منهم. وهي تتصرف منذ ذلك الحين وكأنها مستعدة للسكن في غزة وحدها سنين كثيرة اخرى، وتعارض اجراء انتخابات اخرى ولا تعترف بقيادة السلطة وتتغلب على القيود التي فرضتها اسرائيل على غزة بواسطة مئات الأنفاق. أصبحت حماس حقيقة سلطوية في غزة حتى وإن كانت منقسمة بين قيادة سياسية واخرى عسكرية، وإن لم تكن سيطرتها على العصابات الاسلامية المسلحة المتطرفة كاملة ايضا.
السبيل المعقولة اليوم لعلاج الوضع الذي حدث، سوى احراز هُدن مؤقتة، هي محاولة التوصل الى تفاهمات أوسع مع حماس. ليس الحديث عن تفاوض سياسي بل عن جهد للتوصل الى حياة معقولة، غزة الى جانب اسرائيل الى أن تتغير الظروف. من المؤكد ان اسرائيل تستطيع أن تزيل الحصار عن غزة أو ما بقي منه، وأن تعترف بحكومة مشتركة بين حماس وفتح بشرط ان تلتزم الامتناع عن العنف الموجه على اسرائيل وأن تبدأ من جديد تفاوضا في اطلاق سراح جلعاد عن نيّة التوصل الى اتفاق على أكثر القضايا المختلف فيها صعوبة وهي المكان الذي سيُطلق اليه فريق من الأسرى.
ليس يجب على اسرائيل ان تتنازل عن ارض، وليس يجب عليها التخلي عن مباديء ولا اجراء تفاوض سياسي مع حماس. كل ما يجب عليها فعله ان تعترف بالواقع الذي نشأ وأن تلائم سياستها للواقع إلا اذا تبين ان حماس غير مستعدة للوفاء بنصيبها من هذه التفاهمات. وهذا اجراء تُعنى به السلطة ايضا، وقد يجعل الهدنة الجديدة أطول ويُمكّن من المستقبل من انشاء عنوان فلسطيني واحد بالنسبة الينا.

السابق
الجميل: لقاء الامس كسر الجليد وطوى الماضي ولن نتراجع
التالي
عندما يقع قتل في أيدينا