عزيزاً عاش… كريماً رحل

في آخر لقاء لنا خرجت معه لأودعه عند الباب. قلت له «لنفسك عليك حق»، فرد مبتسما بأن الاقدار لها من يحددها وأن على الانسان أن يعيش العزة أو يموت موت الكرام. بعد ذلك اللقاء بأيام أرسل لي مقاله الأخير لانشره في «الراي» لافاجأ أنه بعنوان «عيش العزة أو موت الكرام»… وكأنه أراد توجيه رسالة أكبر من مضمون المقال.

ناصر الخرافي… ما أصعب الكتابة عنك بحبر الدمع والغصة. أنت القريب العزيز الكريم. اذكر من طفولتي محبة خالك، والدي المرحوم، الخاصة لك، وكيف انتقلت هذه «الخصوصية» الى خالك الآخر العم مصطفى أطال الله في عمره. واذكر انك كنت «أنت» في كل المراحل. تدافع عن آرائك ومبادئك بحسم وثبات وتطلق المواقف الخالية من التسويات. لم تغيرك المصالح وأنت أحد أكثر أصحابها ولم تدفعك الى المساومة يوما واحدا على المبادئ.

كنت «أنت» في كل المراحل فارسا لا يخشى لومة لائم في كلمة الحق، نبيلا في أصالتك، راقيا في الاختلاف. ولذلك ما عرف خصومك كيف يلوون موقفا لك أو يدفعونك الى التراجع عن قرار. انت الذي اخترت الدرب الوعر الشائك رغم طرق الحرير المفتوحة امامك على امتداد البصر. لم تستوحش طريق الحق لقلة ساكنيه بل عبّدت المسالك الأخرى التي تؤدي إليه رغم الثمن الكبير الذي كان عليك أن تدفعه.
اختلف معك كثيرون لكن فروسيتك كانت تنتصر دائما. تفتح ابتسامتك باب التصالح والتواصل وتذوب مصافحتك الخلافات. كبير مع الجميع وخصوصا مع الكبار الكرام… أما خصومة بعض الفجّار فكانت تربكهم ولا تربكك لانك ما اعطيتهم حتى شرف الخصومة. هؤلاء الذين ما تركوا سلاحا محرما الا وحاولوا استخدامه ضدك، باحثين منقبين هنا وهناك لتجميع ما ينسجم مع احقادهم، فما وجدوا سوى الخيبة والخسران ومذمات النواقص وعبارة «ان السيف ينقص قدره اذا قيل ان السيف أمضى من العصا».

كنت «أنت» في كل المراحل. تعيش عروبتك في الكويت وتعيش «كويتك» في العروبة. تجتهد فتصيب وتخطئ، لكن رصيدك يبقى ثابتا عند المقهورين المظلومين المحرومين، اما نصيبك من الاجتهاد فتعكسه دعوات الذين يرفعون الأكف سائلين الله العلي القدير ان يتغمدك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جناته.
رحمة الله عليك يا أبا مرزوق. عزيزا وكريما عشت. عزيزا وكريما رحلت. مقالك الأخير لم يكن مقالا… كان وصية.

السابق
“النهار” عن أوساط ميقاتي: استغراب لزج دار الفتوى في المقايضات والسجالات السياسية
التالي
السياسة: “المستقبل” يحذر من تمهيد الاتهامات السورية المفبركة لمغامرة أمنية في لبنان