انجاز استخباري وعدة اضواء تحذير

حل لغز المذبحة بحق ابناء عائلة بوغل في ايتمار هو انجاز ذو مغزى لاذرع الامن وعلى رأسها المخابرات. هناك أهمية في أنه بعد نحو شهر من القتل الباعث على الصدمة يوجد مشبوهان قيد الاعتقال وسيكون ممكنا استنفاد القانون معهما. وينبغي الامل في أن القبض عليهما سيعيد الردع الاسرائيلي ضد منفذي العمليات في الضفة الغربية (بالعلم بانه في النهاية سيلقى القبض على القتلة) ويقلص ايضا الخطر باعمال الانتقام من الطرف الاسرائيلي.

أجرت المخابرات أمس استعراضا لوسائل الاعلام وبعد وقت قصير من ذلك ازيل أمر حظر النشر. هذا حصل متأخرا اكثر مما ينبغي. منذ اعتقال المشبوه الاول بالقتل في 5 نيسان ولا سيما منذ اعادة تمثيل المشبوهين للفعل في 14 منه، غطي اعلاميا الكثير من التطورات المركزية في القضية في مواقع الانترنت، في وسائل الاعلام الاجنبية وفي الصحافة الفلسطينية. المخابرات والمحاكم تواصل لعبة "يخيل لي"، اما مواطنو اسرائيل فهم آخر من يبشر بتقدم التحقيق.

حل لغز القتل يكشف مرة اخرى المصاعب البنيوية للاستخبارات حيال منفذين أفراد لا يعملون كجزء من مراتبية خلية ارهابية معروفة. في هذه الحالة، يدور الحديث عن شابين دون ماض امني او خلفية عضوية في منظمة ارهابية. ورغم التغطية الاستخبارية الواسعة في الضفة، المعززة اليوم بالتنسيق مع اجهزة السلطة الفلسطينية، توجد هنا نقطة ضعف. في سلسلة العمليات التي انكشفت في شرقي القدس قبل أكثر من سنة أيضا، تبين بان مجموعة شبان عديمة الانتماء التنظيمي يمكنها أن تعمل تحت الرادار الاسرائيلي على مدى فترة طويلة.

من التحقيق يتبين أن المشبوهين حاولا الحصول من شخص آخر على سلاح ناري قبل ثلاثة ايام من انطلاقهما الى العملية. المحاولة فشلت ولكن اللقاء مع الفلسطيني الثالث، هو ايضا من سكان عورتا، لم تلاحظه اسرائيل في الزمن المناسب. بعد القتل ليس أقل من خمسة فلسطينيين آخرين (اربعة منهم اقرباء للاثنين) كانوا مشاركين في عملية الطمس والاخفاء: احراق الملابس، نقل السلاح الى مكان اخباء في رام الله وغيرها. المشبوهان لم يمسك بهما بفضل "المعلومة الذهبية" الاستخبارية بل كنتيجة لحصار طويل تضمن عشرات الاعتقالات. وقد القي القبض على الاثنين في النهاية استنادا الى قرائن ظرفية، في نظرة الى الوراء تعززت باعترافاتهما في التحقيق. الـ "نيويورك تايمز" افادت بانه في اثناء المطاردة اخذت عينات دي.ان.ايه من مئات من سكان القرية.

رجال المخابرات، في حديث مع الصحفيين امس شددوا على الجانب المخطط في الفعلة. صحيح أنها ليست خلية مرتبة، ولكن بالتأكيد توجد نية لقتل اليهود. هذا تحليل يستند اساسا الى اعتراف الاكبر عمرا بين الاثنين، امجد عواد، الذي قال في التحقيق معه انه جاء لتنفيذ "عملية استشهادية" هدفها قتل الاسرائيليين وأمل بان يموت ميتة الشهداء. القاصر، حكيم عواد، يبدو أنه اطلق رواية اخرى. من افادته يفهم ظاهرا بانه اعتبر الفعلة محاولة سرقة سلاح تشوشت: وما ان خشي الاثنان من أن يمسك بهما، تحول الاقتحام لبيت عائلة بوغل الى حملة قتل.

الفارق بين الروايتين ليس بالضرورة ذا بال. للتسلل الى المستوطنة سبق فقط تخطيط عمومي، وليس جمع معلومات دقيق. يحتمل أن يكون الاثنين تقدما من مرحلة الى مرحلة، متفاجئين من نجاحهما في التملص من الحراسة على البلدة، فاستغلاها. الكثير من العمليات الارهابية غير المنظمة توجد على خط التماس بين الجنائي والوطني. في كل الاحوال كان هنا في النهاية قتل مقصود. الاثنان لا يطلقان ذرة ندم. وهما يعملان انطلاقا من مبرر ذاتي جارف لقتل اليهود، بمن فيهم الرضيعة التي ذبحت في السكين بدم بارد.

اجواء تحريضية، حتى تحت حكم السلطة، تجاه الاسرائيليين بشكل عام والمستوطنين بشكل خاص لعبت هنا دورا. مشوق أن نعرف أيضا بان منظومة دعم واسعة نسبيا – وفيها اقرباء من العائلة، قدامى الجبهة الشعبية، تساعد بعد الفعلة، دون تردد، في التغطية على قتلة أطفال. احد في محيط الاثنين القريب لا يتنكر للفعلة.

من القضية تبرز نقطة ذات مغزى اخرى: الخفة التي لا تطاق للتسلسل الى مستوطنة. فقد تسلق الاثنان فوق السياج، في ظل التملص من وسائل الرقابة، وحراس الدورية لم يلاحظوهما، رغم الاخطار الذي اصدره السياج. فترة الهدوء الطويلة ولدت عدم اكتراث ما في منظومة الحراسة الوطنية (وان كان باشراف عسكري)، كانت تحمي ايتمار. كما أن حقيقة أن في بيت مجاور تركت بندقية ام 16، سرقها الاثنان قبل أن يقتحما بيت بوغل، تدل على ذلك. قيادة المنطقة الوسطى ستكون مطالبة بان تجري تعديلات عميقة على طريقة ونهج الحراسة، منعا لتسللات اخرى.

نحن نسمع الكثير في السنوات الاخيرة عن التحسن الامني الكبير في الضفة ولا يزال، القتل يدل على وجود دافعية عالية لاعمال الارهاب، بما في ذلك لدى الفلسطينيين الذين تحسنت ظروفهم المعيشية جدا في السنوات الاخيرة مع تقلص عدد الحواجز وحملات الاعتقال. هذا خطر كبير يتأكد قبيل التفاقم المحتمل في التوتر بين الطرفين على خلفية اعلان الاستقلال الفلسطيني الذي قد يأتي في ايلول.
بعد القتل، حاول ناطقون فلسطينيون الادعاء بان المسلم غير قادر على تنفيذ مثل هذه الفعلة. بل كانت هناك محاولة، لاقت حماسة غير قليلة في وسائل الاعلام الاجنبية وفي الاسرة الدبلوماسية، لدحرجة القتل نحو عمال تايلنديين في المستوطنة. ذبح الاطفال وابويهما يشير الى كراهية مجنونة، الى اعتبار اليهود حيوانات كل الوسائل ضدهم مشروعة – وهذا الشيطان، كما تبين، ترعرع كله في الساحة الخلفية للسلطة الفلسطينية.

السابق
مدنيون: لزرع فكرة وطن غير طائفي
التالي
المذبحة في ايتمار: حل اللغز..