القاهرة وطهران: بداية جديدة لنهاية عهد النفور المتبادل

يبدو جلياً أن ثمة مؤشرات كثيرة على تسارع عملية صنع سياسة خارجية مصرية جديدة في مرحلة ما بعد مبارك، عربياً وإقليمياً ودولياً، تمثلت في إرسال الموفدين إلى عدد من الدول وزيارة رئيس الوزراء المصري شرف إلى السودان واستقبال القاهرة للرئيس التركي عبد الله غول ولرؤساء حكومات ووزراء خارجية بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرهم·

وكان أمراً لافتاً سماح القاهرة لبارجتين إيرانيتين عبور قناة السويس نحو سوريا، ومؤخراً الحديث عن اتصالات بين القاهرة وطهران للإسراع في عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين· وتسلم وزير الخارجية المصري نبيل العربي رسالة من نظيره الإيراني على أكبر صالحي، تعبّر عن ترحيب المسؤولين الإيرانيين بتصريحات وزير الخارجية المصري نبيل العربي بشأن توجه مصر لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران·

ومما لا بد من ذكره أن التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بدأ سنة 1856حيث افتتح مكتب لتمثيل المصالح الإيرانية في القاهرة سنة 1921 وأنشئت أول سفارة إيرانية في القاهرة سنة 1928 تم التوقيع على معاهدة صداقة بين البلدين سنة 1948، ومن ثم بدأ الفتور في العلاقة بين البلدين، وزاد التراجع بين البلدين في خمسينيات القرن الماضي ومع إنشاء حلف بغداد·

وقد قطعت العلاقات لأول مرة سنة 1963، وكان السبب هو علاقات الشاه مع إسرائيل، وفي حزيران/ يونيو سنة 1963 اتهم الشاه محمد رضا بهلوي مصر بالوقوف وراء ثورة خرداد التي قام بها رئيس الوزراء محمد مصدق، وفي عهد السادات بدأت تعود العلاقات مرة أخرى بينهما، لكن مع قيام الثورة الخمينية عام 1979 قطعت إيران علاقتها مع مصر·

إجمالا، تمثلت أسباب قطع العلاقات بالنسبة لإيران في: العلاقات المصرية الإسرائيلية واتفاقية كامب ديفيد، وإيواء مصر للشاه سنة 1979 حتى وفاته ودفنه فيها سنة 1980، ودعم مصر للعراق أثناء حرب الخليج الأولى 1980- 1988، ودعم مصر للإمارات في نزاعها حول جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى التي تحتلها إيران، ورفض إيران أن يكون لمصر أي دور في الخليج·

أما بالنسبة لمصر فتمثلت أسباب قطع العلاقات في: مخاوف مصر من مبدأ تصدير الثورة، وتسمية أحد شوارع طهران باسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات، وقد تم تغييره لاحقاً إلى شارع الدرة، ومخاوف مصر من العلاقات بين إيران وبعض الحركات الإسلامية المصرية مثل تنظيم الجهاد والإخوان المسلمين· ومن أسباب التحفظ في العلاقات ملف المصريين المعتقلين في إيران والتي تقول مصر إنهم موالون لتنظيم القاعدة، وترفض إيران الإفراج عنهم أو تسليمهم لأحد لاستغلالهم كورقة ضغط، وكذلك الأسرى المصريين الذين كانوا يقاتلون مع العراق أبان حربه مع إيران·

بالمقابل، ترجع محاولات التقارب الإيراني- المصري إلى المرحلة التي أعقبت وفاة الخميني عام 1989 وتسلم القيادة هاشمي رفسنجاني الذي حاول إخراج إيران من عزلتها، وإقامة علاقات مع دول الجوار، وذلك من طريق ترتيب أوراق العلاقات الخارجية للسياسة الإيرانية، وتأجيل مبدأ تصدير الثورة، وبدأت بالمغازلة مع مصر بإطلاق سراح الأسرى المصريين في الحرب العراقية الإيرانية·

وتواصلت المحاولات الإيرانية مع وصول الإصلاحيين إلى الحكم عام 1997 بقيادة محمد خاتمي· وقامت إيران بتسليم رفاعي طه أمير الجماعة الإسلامية سابقا -إلى مصر عن طريق سوريا حيث أنه لا توجد بين البلدين اتفاقية تسليم المحتجزين·

وبالرغم من أن قضية أمن الخليج مثلت إحدى معوقات تطوير العلاقات المصرية – الإيرانية فإن الملاحظ أن البلدين راحا يعملان على تحسين العلاقات فيما بينهما، فاستمرت زيارات الوفود، وعادت العلاقات الدبلوماسية على مستوى مكاتب رعاية المصالح عام 1991، وأيدت مصر عام 1999 انضمام إيران إلى عضوية مجموعة الـ 15 وسعت لإقناع بعض دول أميركا اللاتينية التي كانت رافضة لهذا الانضمام·

ولم يؤثر تباين وجهات نظر الدولتين بشأن القضية الفلسطينية وسبل حلها على مستوى العلاقات السياسية آنذاك، فعلى الرغم من أن إيران تدعم المقاومة الفلسطينية، ومصر تدعو إلى السلام كوسيلة للوصول إلى اتفاقات تؤسس لدولتين فلسطينية وإسرائيلية فإن هذا التباين لم يكن عائقا كبيرا أمام تطوير حذر للعلاقات المصرية الإيرانية·

ووصلت العلاقة بين البلدين عام 2003 إلى مرحلة متقدمة عبّر عنها اللقاء الذي جمع الرئيسين السابقين محمد خاتمي وحسني مبارك في سويسرا على هامش مؤتمر قمة المعلوماتية·

وعادت في عام 2004 أجواء التوتر لتخيم من جديد على علاقة البلدين ولم يغير فيها قرار إيران برفع اسم خالد الإسلامبولي عن أحد شوارع طهران·إذ أعلن النائب العام المصري في السابع من ديسمبر/كانون الأول عن إحباط أجهزة الأمن المصرية محاولة إيرانية لزرع جاسوس مصري يدعى محمد عيد استطاع دبلوماسي إيراني يعمل في القاهرة تجنيده·

كما تدهورت العلاقة بين البلدين نحو الأسوأ على خلفية النفوذ الإيراني المتزايد في العراق، واشترطت مصر قبل التفكير في تطبيع العلاقة بينها وبين إيران أن تثبت الأخيرة حسن نواياها وجديتها بالعمل لإعادة الأمن والاستقرار إلى العراق، واعتبرت ذلك شرطا لا بد من تحقيقه قبل التفكير في إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين·

وشهدت الأعوام القليلة الماضية حركة دبلوماسية إيرانية نشيطة باتجاه مصر، وثار جدل حول إمكانية قيام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بزيارة مصر لكن القاهرة فضلت التريث والتأني في التعامل مع ملف العلاقات الراهنة والتطبيع الرسمي للعلاقات مع إيران· وفضلت تجاوز مسألة أن كل زيارة يجب أن يقابلها زيارة مماثلة على نفس المستوى·

واقتصادياً، لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين حد مئة مليون دولار، وهو رقم متواضع لا يتناسب مع إمكانات وحجم البلدين في المنطقة·

وراهناً، لا يعكس تأكيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر على أن مصر لن تكون إيران أو غزة ولن يحكمها خميني آخر، خلافاً مع توجهات وزارة الخارجية المصرية، بل ربما يعبر عن الأمل في أن تكون مصر دولة ديموقراطية وعصرية سليمة مؤهلة لدخول عصر النهضة· وهذا هو الخلاف الجوهري بين أهداف المشروعين: الإيراني والمصري، الذي سيدشن عهداً من التنافس لا العداء بين القاهرة وطهران على غرار التنافس بين أنقرة وطهران· وهذا التنافس ضروري لعزل تل أبيب ومحاولاتها استخدام التسوية مع طرف عربي أو فلسطيني لإحداث اختراق وهيمنة على الجوار الإقليمي·

السابق
7 ايار جديد؟
التالي
معضلة إسرائيل في دمشق