لماذا محكمة لبنان مربكـة إعلاميـاً؟

تعاني المحكمة الخاصة بلبنان إرباكاً في استخدام بعض المصطلحات اللغوية، يضيع معها المعنى المقصود، أو تثير التباساً، أو يراد منها عدم التوضيح لتظلّ مبهمة وغير شفّافة، مع العلم أنّ القواعد والشؤون القانونية تقتضي التبسيط والسهولة لتقريبها من ذهن الرأي العام الذي لا يلمّ بمجمله، بالأمور القانونية، وذلك لوجود جفاء بينهما ناتج في الدرجة الأولى، عن صعوبة في المسائل القانونية والدستورية تجعلها غير محبّبة لدى شريحة كبيرة من الناس.
فأوّل ما يفتح المتتبع لأعمال هذه المحكمة، موقعها الإلكتروني الرسمي، تطالعه عبارة في أعلى الصفحة إلى جانب شعار المحكمة واسمها المكتوب، باللغات الثلاث المعتمدة فيها وهي: العربية والإنكليزية والفرنسية، تقول إنّ المحكمة مخصّصة «لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الهجوم الذي وقع في 14 فبراير 2005 الذي أدّى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وفي وفاة، أو إصابة أشخاص آخرين».

واللافت للنظر للوهلة الأولى، في هذه العبارة، بعد الصياغة العربية الركيكة لها، وهي صياغة لا تقتصر على هذه العبارة وإنّما تطاول عبارات وبيانات كثيرة تصدر عن هذه المحكمة، هو الكلمات المستعملة والتمييز المستخدم بين الرئيس الحريري والمواطنين الذين قضوا معه وبسببه، إذ ترد عبارة مقتل رئيس الوزراء، بينما يوصف ما حصل مع الآخرين من النائب باسل فليحان إلى المواطن السوري فرحان أحمد العيسى الذي لم يعثر على جثّته، بأنّه وفاة، مع أنّ هؤلاء الشهداء قضوا نحبهم في اللحظة نفسها وبالمواد التفجيرية نفسها.

وهذا الاستخدام غير الجوهري يستدعي جملة أسئلة منها:
لماذا هذا التمييز؟ ألا يكفي أنّ المحكمة والقائمين عليها لا يعترفون بالاستشهاد، ولم ترد عبارة الشهادة ومشتقّاتها من استشهاد وشهيد في أيّ بيان، أو منشور صادر عن المحكمة بشكل رئيسي، منذ ولادتها في الأوّل من آذار 2009، كما أنّ هذه العبارات لم تذكر في أيّ بيان، أو منشور صادر عن المحكمة، ولا في بيانات وتقارير لجنة التحقيق الدولية الموسومة بالمستقلّة، وكيف تكون مستقلّة، وهي تابعة للأمم المتحدة حيث الميدان الرحب لسياسة لعبة الأمم؟
وكثيراً ما تورد المحكمة في بياناتها وتعميماتها الإعلامية عبارة «جريمة 14 شباط/فبراير 2005» وكأنّها تسقط منها أهمّية المستهدف الأوّل فيها الرئيس رفيق الحريري، فهل الغاية من هذا الإغفال، هي إزالة الشائع عن أنّ المحكمة أنشئت من أجل شخص واحد، وهو أمر لم يحصل في التاريخ كلّه؟ وأليس هذا الاستثناء بحدّ ذاته، هو تمهيد لتحقيق مكاسب سياسية من وراء تأسيس المحكمة؟

وإنْ كانت مهمّة تصحيح هذه المغالطات تدخل ضمن نطاق عمل المكتب الإعلامي، إلاّ أنّ المحكمة عيّنت قبل فترة وجيزة، الكندي من أصل مصري مارتن يوسف ناطقاً باسمها ليكون الثالث بعد سوزان خان واللبنانية فاطمة العيساوي.
وفي تقديمها له أمام الجمهور اللبناني والعربي والدولي، ضخّمت المحكمة صفة يوسف وخبرته، على غرار ما فعلت مع آخرين، فقالت عنه إنّه «في السنوات الثلاث التي قضاها في أبو ظبي، عمل مراسلاً كبيراً يكتب في شؤون المحاكم والعدالة».

وللوهلة الأولى يعتقد المتابع أنّ يوسف تابع أعمال محاكم دولية دخلت التاريخ سواء من حيث الجرائم والقضايا التي وضعت يدها عليها، أو من حيث القرارات التي أصدرتها، ولكنّ يوسف، وبحسب بيان المحكمة، راسل ثلاث وسائل إعلام هي: «ذا ناشيونال» الإماراتية، و«The Globe and Mail» الكندية، ووكالة الأنباء الكندية (The Canadian Press) وكان يتابع المحاكم في أبو ظبي حيث بات معروفاً أنّ هذه المحاكم تلجأ إلى الاستعانة بقضاة لبنانيين لتسيير أوضاعها وأعمالها لقاء بدل مادي مرتفع، مع الإشارة إلى أنّ التحكيم يتفوّق على القضاء في هذه الإمارة، كما في معظم دول الخليج العربي، لأنّ رؤوس الأموال تتطلّب إنهاء استثماراتها العالقة قانونياً بصورة عاجلة وسريعة، وهو أمر لا يتحكّم به إلاّ التحكيم وليس القضاء العادي حيث المماطلة السمة الرئيسية لقراراته، والتحكيم يكون في أغلب الأحيان، في دول أوروبية.

فهل من اختار مارتن يوسف يعرف بأصول التحكيم أكثر من إدراكه بالشؤون القضائية على غرار مناداة بعض الناس بتعيين أشخاص من غير القضاة مكان القضاة اللبنانيين في حال تمّ سحبهم، وهو مفهوم خاطئ، لأنّه لا يمكن للمحكّمين العمل في القضايا الجزائية كما هو حال جريمة 14 شباط أمام المحكمة الخاصة بلبنان، ويقتصر دورهم على الدعاوى المدنية والتجارية؟

السابق
بلدية العباسية تدعو للحفاظ على املاكها
التالي
الإنماء والإعمار يرد للمرة الثانية.. والسفير ترد على الرد