الأمهات والشباب يجولون ضد الـحرب

خرج الناشطون المدنيون في ذكرى 13 نيسان لإشهار رفضهم للحرب الأهلية. وتنوعت النشاطات هذه المرة، إذ جالت بوسطة شبيهة ببوسطة عين الرمانة في المناطق اللبنانية، قبل أن تحطّ أمام تلفزيون لبنان، ويوجه الناشطون رسالة إلى العاملين فيه. وفي الإطار ذاته، تنقّلت «أمهات لاعنفيّات» بين خطوط التماس السابقة، وتحدثن مع المواطنين عن بشاعة الحرب
كنّ ستاً فقط. «أمهات لاعنفيّات»، يقسِمن لأولادهن ألّا يسمحن لهم بالقتال بعضهم ضد بعض. هكذا بدأن نشاطهن في السادسة صباحاً.

انطلقن من أعالي الجبل في الشوف، أولاً، نزولاً باتجاه بعقلين ودير القمر، وصولاً إلى منطقة الكولا في العاصمة. ونقلت هلا أبو علي، إحدى الناشطات في الحراك، أن المواطنين تفاعلوا مع الأحداث، وأبدوا عواطف حقيقية رافضة للحرب. لكن في السياق نفسه، لفتت السيدة إلى أن عدداً لا يستهان به ممّّن تحدثوا مع الأمهات أكدوا استعدادهم لخوض الحرب، حتى إن أحدهم أخبرها أنه كان يملك سلاحاً للصيد، وقد باعه أخيراً واشترى بثمنه سلاحاً حربياً، لأنه توّاق إلى الحرب. بيد أن هذا العنيف الأخير، ليس حالة عامة. لاحظت المشاركات أن الأشخاص الذين عاشوا الحرب واختبروها جيداً، كانوا أشد حماسةً لنبذ الحرب ورفضها تماماً، عكس بعض الشباب الذي شكوا من البطالة وأمور مشابهة، معتبرين أن «السياسة لم تترك لهم خياراً إلا الحرب». ووفقاً لما تشير إليه ناشطة أخرى مشاركة، فإن الحذر الشديد الذي بادر مواطنون إلى التسلح به، فور لمحهم الحافلة التي تقل الأمهات، سرعان ما تلاشى حين تعرّفوا إليهن. سجّل بعض من هؤلاء الحذرين شهادات صوتية ضد الحرب الأهلية، ووقّعوا على عريضة ضخمة ضد الحرب. إلى ذلك، أكدت أمهات مشاركات أن التحرك الرمزي هو تحرك يجب أن يستمر للتذكير ببشاعة الحرب دائماً، وهنّ في هذا الإطار دعون جميع الذين التقين بهم إلى التجمع الأحد المقبل، في الثالثة بعد الظهر، بين شارع عبد الكريم الخليل في الشيّاح ومنطقة عين الرمانة، حيث ستعقد الأمهات مؤتمراً صحافياً، قبل أن ينطلقن بعده في مسيرة رمزية نحو الكولا، مروراً بالمتحف وكورنيش المزرعة.

في موازاة اليوم الطويل الذي جالت فيه الأمهات اللاعنفيات على المناطق، سارت أكثر من «بوسطة» مستنسخة عن بوسطة عين الرمانة الشهيرة، في مناطق «حساسة». وبدأت إحدى هذه الحافلات رحلتها من أمام خيمة إسقاط النظام الطائفي في منطقة الصنائع. وإذ لا يندرج هذا النشاط في سياق الحملة المذكورة، فقد اختار المنظمون هذا المكان للانطلاق، لتأكيد العلاقة بين الطائفية والحرب الأهلية. وانطلقت البوسطة في الرابعة من الحمرا لتتجه إلى مسرح بيروت، حيث جرى عرض مسرحي لساعة من الوقت، توجهت البوسطة بعده إلى تلفزيون لبنان. وتزامناً مع وصول البوسطة الزرقاء إلى التلفزيون، اقترب رجال الأمن لمراقبة ما يجري، قبل أن يبادر الناشطون إلى نثر الأرز والورود على عاملي التلفزيون. لكن، لمََ مدير التلفزيون فضّل البقاء في مكتبه ولم ينزل لاستقبال الناشطين؟ لم تحمّّسه الشعارات التي تزيّن الحافلة الضخمة. واكتفى المسؤولون عن المحطة بإيفاد مراسلة، وإعداد تقرير عن الزيارة ضم مقابلات مع المشاركين. بدروهم، التقط الناشطون الصور إلى جانب المبنى الذي تشير بقايا زجاجه إلى أنه كان ملوّّناً حتى عندما كان يبثّّ بالأبيض والأسود، وذلك قبل اندلاع الحرب الأهلية. وفي الإطار ذاته، ألقى الناشطون بياناً طويلاً، بمثابة رسالة سلّمت إلى إدارة التلفزيون.

وعرّّف الناشطون عن أنفسهم في بيانهم بأنهم «شباب لبنانيّ جاء إلى التلفزيون عشية الذكرى الـ36 للحرب الأهلية اللبنانية». وجاء في الرسالة: «جئنا إليكم بصفتكم قيّمين على صوت الشعب اللبناني، وبصفتكم منبراً لكل امرأة ورجل وشاب وكهل في ربوع هذا الوطن، ولأنكم إعلاميون لا تملكون سوى سلاح الكلمة، الكلمة التي من واجبها أن تخدم الحقيقة وتسلّط الضوء عليها». وتطرق البيان إلى الشق الأساسي في الموضوع، وهو هوية المؤسسة المضيفة، إذ توجه إلى العاملين في التلفزيون بالقول: «جئنا إليكم لأنكم تعملون في مؤسسة وطنية عامة، وبالتالي تعملون لدى الشعب اللبناني الذي ائتمنكم على صوته، وعلى صورته، وعلى حياته. جئنا إليكم لأنكم أفراد من هذا الشعب، تعيشون معه، وتتألمون لما يلمّ به، وتشاطرونه أفراحه وأتراحه، ولأنكم مثلنا تعانون من كل مشكلات هذا الوطن الصغير في مساحته، والكبير في طموح أبنائه وصبرهم على سرقة مقدّراتهم». وأذاع الناشط أسعد ذبيان البيان، مؤكداً أن الإعلاميين في الصحافة يمثّلون الضمير الحي، والسلطة الرابعة التي يحاول كثر تعطيلها لتخدم مآربهم، فيحوّلونها من منبر يحاسبهم على أخطائهم إلى منبر يهتف لطول عمرهم، والزيارة تأتي أملاً لوضع النقاط على الحروف، راجياً أن تتغير طبيعة الألوان في الفيديوات التي يبثّّها التلفزيون الرسمي، «فنبعدها عن رتابة أخبار الاستقبالات والخطابات والشعارات والاتهامات التحريضية التي لا تتبدّل».

وفي بادرة لافتة، أكد الناشطون أن الزيارة ليست لأن العاملين مقصرّون في عملهم، بل لأن بعض مَن يعتلي المناصب يحاول تقزيم دورهم وغلّ أيديهم.

وفيما سأل بعض الفضوليين عن طبيعة النشاط، أطلق بعضهم عبارات ترحيب، داعياً للناشطين «الله يوفقكن». كان شكل البوسطة وأغنيات فيروز المنبعثة من مكبّري الصوت اللذين ثبّتا عليها، دافعاً لعدد من المارة للسؤال: «هاو جماعة إسقاط الطائفية؟»، ما قد يشير إلى نجاح التحركات الأخيرة في إيصال صوت بديل من الانقسام السياسي الحاد الذي نبذه الناشطون، للمناسبة، من أمام التلفزيون، بأن يقاطعوا نشرات الأخبار والتغطيات الصحافية التي تروّج لأصوات السياسيين الذين ينوون أخذ لبنان مرة جديدة إلى حرب أهلية عبثية لا تخدم سوى مصالحهم.

وجهوا دعوةً إلى التلفزيون الأقدم، أن يكون صوت الشعب «الذي يعاني من الفقر، والبطالة، والعوز، والحرمان من الإنماء المتوازن، والخوف على مصير أبنائه، وأن يستعيض عن أخبار الرؤساء الثلاثة بأخبار الرئيس الأول في الدول الديموقراطية: الشعب». ومن وحي المناسبة، ردّد الناشطون أسفهم لسيطرة أمراء الحرب، شاكرين للعاملين في التلفزيون صبرهم وتحمّلهم «طوال هذا الوقت لنظام محاصصة بغيض، ولكن آن الأوان لأن تتوقف هذه الحال، لأن الشعب اللبناني معكم.. ونحن على استعداد لأن نكون حُماة هذه المؤسسة إنْ قرّرتم أن تكون أبوابها وقلوبها مفتوحة لمَن ائتمنها على كلمته».

وبعيداً عن العاصمة، نفذت ثانوية شحيم الرسمية، بالتعاون مع حركة السلام الدائم ووزارة المهجرين، مسيرة بعنوان «تذكّر، سامح، غيّر»، لمناسبة ذكرى 13 نيسان، جابت أحياء البلدة والشارع الرئيسي فيها. وقد رفع الطلاب خلال المسيرة الأعلام اللبنانية وشعارات تنشد السلام بين اللبنانيين، لأنه «الحل الوحيد للخروج من الأزمة». وفي نهاية النشاط «الإقليمي»، أقام الطلاب حواجز محبة، وزّعوا خلالها الزهور على المارة.

السابق
الحياة: لبنان يحيي ذكرى اندلاع الحرب الأهلية
التالي
السفير: موضوع المشاعات أكبر من كونه مخالفة أو محضر ضبط وتوقيف مخالفين