الفضيحة

لو كانت رزان مغربي قد «فُضحت» بفيلم خُطف سرّاً، يصوّر الجنس مُمارساً بدلاً من أن يتحدث عنه، لكان من السهل أن تخرج على «الجمهور» لتخبر عن آلام سرقة الخصوصية، وعن وجود عقد ربّاني يشرعن الممارسة، فلا يضحى الجنس فضيحة. إلا أن فيلم رزان، صوّر في وضح النهار، بين شلّة أصحاب، يعرفون أن فيلماً يصوّر بين أصدقاء، ليروي قصص الناس في بيوتهم، في لحظات الوضوح، عندما يكون المرء حراً لنفسه.
ومن هنا تبدأ الفضيحة.

فضيحة أن تكون للمرأة العربية علاقة بالجنس «تفوق» تلقي الممارسة، بخنوع، وبسعادة مستترة. فضيحة إشهار ما يجب أن يبقى مكتوماً، في أرضٍ تعيش على إيقاع الممارسة في الخفاء ونكرانها في العلن.
رزان هي مجرد امرأة تعيش حياتها، والحياة لا تُعاش مرتين. فلماذا يُلزم الناس بعيش الحياة حسبما يفهمها هواة الخطابة في الجوامع، من ذوي النظرة المنفصلة عن الواقع للحياة الدُنيا؟ والنظرة منفصلة عن الواقع، لأن صاحبها يمارس الجنس. ومَن مارسه، حرّ في أن يحكي عنه، في مجلسٍ خاص، أو في العلن. إن العالم العربي يضجّ بالممنوع، ويشتهيه، ويلهث وراءه، قبل أن يُبلع الريق لكن رفضاً للمُشتهى.. فيضحي ذاك الرفض دليلاً على طهارة صاحبه، وهي طهارة مثيرة للسخرية، إذ ان الجنس يصنع فرحاً في الحياة، من امتنع عنه فلربما هو يذوب في ذات الخالق من باب صوفيّ، وهؤلاء قلّة، ولا ضرورة للتشبه بالقلة، ولا ضرورة للتشبه بالكثرة، طالما الحياة يملكها صاحبها لمرة واحدة، لا تتكرر.. فبحق «بعل وتور وفينيق»، من يستأهل أن تُهدر لأجله تلك المرة الواحدة التي لا تتكرر؟

ليست منظّرة نسوية، ولا هي مفكرة على مستوى الحرية الفردية. رزان تقدم البرامج التلفزيونية الهادفة إلى صناعة فرح سريع في البيوت. وبالتالي، لم تطرح نفسها للتقييم، خارج ذلك. إن مارست الحب أم لم تمارسه، وإن شعرت بحرية في التطرّق إليه أم لم تشعر بتلك الحرية، وإن بادرت إلى الضحك أمام كاميرا البيت بثقة مجهولة المصدر أم لم تبادر، فذلك يعود إليها. وهي لا تخرج على الناس عادةً بخطاب تبشيري، يثيره انتظار عودة باقة من الأنبياء المقدسين إلى أرضنا، في يوم ما، في ظروف عجائبية ما، وتبعاً لرزنامة سريالية ما. هي ليست مبشّرة، لتكون قد خرجت عن تبشيرها بـ»تصريحاتها» الأخيرة. هي فتاة، لا تقول غير ما تفعل، وهي حرّة.

لقد بات العالم العربي يعدو إلى اختناقه، وهو يصرّ على نكران ما يُمارس في بيوت كثيرة، ينكره باسم قناعات مجرّدة وفردية، فلا يؤدي النكران إلى أكثر من الكبت، والتخلّف، والوقوف عند أعضاء المرء، بدلاً من الانطلاق باتجاه الأفق.
لو كانت فضيحة رزان تتضمن الجنس ممارساً، لوجدت ألف مخرج من أزمتها. إلا أنها تتضمن فتاة تتعامل مع الجنس بحريّة في الكلام والنكات. ما يعني أنها ليست البتول التي تضاجع زوجاً مفترضاً، وتعود بتولاً من بعد كل مضاجعة، وتخفي وجهها خلف كفيها كلما قيلت كلمة «جنس» أمامها. ألا يعلم كل مُهانٍ في شرفه، أن كل رجل يمارس الجنس، إنما يمارسه مع شريك، يمكن أن يكون رجلاً، كما يمكن أن تكون امرأة؟ وهي عندما تمارسه، تعرف عنه، وإن عرفت عنه، فهي ستتحدث عنه، وذلك ألف باء.. لكنه في مجتمعات «زنقة زنقة» محور «الإبداع الفكري»، لأن الجنس يحتاج إلى السرّ ليكون موجوداً، والأطفال يولدون من ملفوفة، ويفترض على الرجال أن يتزوجوا فتاة اغتصبوها ليبرهنوا أنهم شرفاء، أما الاغتصاب فبالكاد يعاقب عليه القانون، إن لم تكن «هي التي أغرته».

وتراهم على صفحات الانترنت يتدفقون بعشرات الآلاف لمشاهدة الصفحات التي تحوي الفيلم، ويسارعون بعدها للتطهر من فرحٍ مارسه الرسول وصحبه كثيراً.. كثيراً حدّ النقد! ثم ترى بينهم من يكتشف أن رزان سنيّة، فيجيبه غبي آخر بأن سواها (وقد ذُكرت أسماء) شيعية الفضيحة، فيتساوى المسلمون في كرههم بعضهم لبعض. وتراهم يرقصون فرحاً بـ»الخطيئة». يهتاجون فرحاً بها.
كأنهم يرقصون مع ظلال الضوء في كهف. كأن الجنس لا يمارس في بلادي.

الفضيحة لا تكمن في كون الفتاة قادرة على مقاربة الجنس بحريّة. الفضيحة كامنة في أفهام محدودة لدرجة أنها إن رأت فتاة تقارب الجنس بحريّة، صاحت: يا ماما! كأن «ماما» لم تمارسه، بدورها.
.. علماً أن رجال الفيلم حافظوا على قدرهم من الكرامة، لا بل ازداد ذاك القدر تبجحاً كونهم شاركوا تلك الفتاة جلستها.
إنه فيلم يروي قصصاً كثيرة شهدتها بيوت كثيرة. فليعتادوها بدلاً من أن يناجوا عذريتهم عبرها. فإن الحياة ممارسة، ولكل فيها مرادُه منها.

السابق
ملفا شهود الزور وويكيليس
التالي
زلزال قوي في شمال شرق اليابان وانذار بوقوع تسونامي