ربيع الديمقراطية العربي يخيف إسرائيل

طبيعي أن تخاف وتقلق إسرائيل من ربيع الديمقراطية في العالم العربي، لأنها الخاسر الأكبر من التغيير الحاصل في المنطقة، ورغبة الشعوب العربية والإسلامية في أن يكون لها حكومات ديمقراطية تعبر عنها وعن إرادتها.
وحتى الغرب وإن كان بعضه يدعم هذا التوجه السلمي في التغيير والإصلاح بالعالم العربي، إما قناعةً أو تفادياً للحرج، فإن بعض دوله وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية متخوفة من هذا التغيير لأنه يهدد، حسب اعتقاد بعض اللوبيات داخلها، مصالحها وتحديدا إسرائيل من خلال احتمال إلغاء معاهدات عقدت بين مصر وإسرائيل على سبيل المثال كمعاهدة كامب ديفيد، بعدما سقطت فزاعة الإسلاميين واتضح جلياً أن قضية فلسطين والقدس لا تحظى بدعم الاتجاهات الإسلامية داخل العالم العربي والإسلامي بل هي قضية تشغل كل مكونات المجتمع ومشاربه الفكرية والسياسية.

وتتخوف إسرائيل ومن يدعمها من أن تطرح معاهدة كامب ديفيد بعد انتخاب برلمان مصري جديد للمناقشة والتصويت من جديد، بمعنى آخر إسرائيل متخوفة من رياح الديمقراطية بمصر، وهي التي كانت مرتاحة جدا ومستفيدة من استبداد نظام حسني مبارك، وتصور نفسها على أنها جنة الديمقراطية في منطقة «الشرق الأوسط»، حيث كان عدد من المسؤولين الإسرائيليين وأبرزهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يصفون محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على سبيل المثال بأنه ليست له شرعية تمثيل كل الفلسطينيين وقال عنه مرة: «يا ترى أبومازن يمثل من، في أفضل الأحوال هو يمثل نصف الشعب».

طبعاً ليس ليبرمان الصهيوني المتطرف من يحدد الديمقراطي والشرعي من عدمه، لكنه مع كامل الأسف لم يجانب الحقيقة بخصوص وضع أبومازن، وينطبق عليه الأثر الذي يقول «صدق وهو كذوب».
وكنت آمل أن يحرك ما حصل في تونس ومصر المياه الراكدة في فلسطين، ويدفع مختلف الأطراف السياسية الفلسطينية والرئيس عباس للقيام بخطوات جريئة وعملية لتصحيح الوضع الخاطئ والتهيئة بشكل مشترك ووفق خارطة طريق فلسطينية لانتخابات ديمقراطية تنهي الانقسام وتفرز لنا حكومة ورئيساً يمثل كل الفلسطينيين، ويدافع عن القضية من موقع قوة نابعة من لُحمة ووحدة الصف الفلسطيني من جهة، والتوجه العربي العام لمقاربة جديدة للملف الفلسطينية تقوم بالأساس على الندية والتمسك بالحقوق وليس على التبعية والتنازلات، لأن الحكومات العربية ستكون، إن سارت الأمور في الاتجاه السليم وبقيت رياح التغيير حضارية سلمية، معبرة عن إرادة الشعوب ومسنودة بها في مقاومة الضغوط والابتزاز.

وستجد الولايات المتحدة الأميركية ومن يسير في فلكها من الدول الأوروبية حرجا كبيرا في مواصلة ما يعرف بمسلسل السلام بنفس منطق ما قبل 25 يناير 2011، لأنها لن تحاور بعد هذا التاريخ حكومة ورئيساً لا يعبر عن إرادة المصريين ولا يعبر عن دورها المطلوب في المنطقة كما كان الحال مع الرئيس المطاح به حسني مبارك، بل ستحاور حكومة ورئيساً مطالبين بأن يكونا صوتاً لمصر والمصريين، لأن بقاءهما رهين بذلك وإلا فمصير مبارك ينتظرهما بعدما كسرت ثورة 25 يناير حاجز الخوف.

باختصار، انتخاب حكومات عربية معبرة عن إرادة الشعوب العربية، يشكل كابوساً لإسرائيل ويهدد مشروعها الصهيوني الاستعماري، وامتحاناً كبيراً وصعباً في الوقت نفسه للغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية في احترام شعاراته حول الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب، والذي يستوجب عملياً من الإدارة الأميركية أن تعيد النظر في دعمها المطلق لإسرائيل، وفي المقاربة التي تتبناها بخصوص ما يسمى مفاوضات السلام، في اتجاه مقاربة عادلة ومنصفة لفلسطين والفلسطينيين، محترِمة لمشاعر المسلمين بخصوص القدس، وفي اتجاه وساطة نزيهة محايدة لا تستعمل حق الفيتو لحماية عربدة إسرائيل.

السابق
السياسة: ميقاتي ينتقد الحريري ويؤكد تحقيق تقدم في تشكيل الحكومة
التالي
رحال: الحريري هو الذي منع الفتنة التي يعمل على إيقادها حزب الله