صدمة أبيدجان: لا تعويضات لأن دولة لبنان “غير موجودة”

لم يستفق أحمد زيتون، من هول الصدمة بعد. بدا غير قادر على الكلام، فالخوف والرعب يمتزجان في صوته وهو يروي عبر الهاتف المحمول لـ«لسفير» محاولة الاغتصاب التي تعرضت لها زوجته في ابيدجان، أمام ناظريه. تمالك نفسه كثيرا وهو يتحدث ثم يتردد محاولا التقاط أنفاسه، باكيا من شدة التأثر.

احمد لا يطلب استدرار عطف المسؤولين عليه في لبنان، فعبارات التضامن معه، لن تمحو من ذاكرته تلك اللحظات التي عاشها وحيدا. لم يملك غير البكاء والتوسل، ودفع المال لاغراء وحوش قرروا في آخر لحظة ترك زوجته الأربعينية في العراء.
حاول احمد الخروج من ساحل العاج، قبل اشتداد الأزمة، لكن ضغط الحجوزات، على شركة طيران الشرق الأوسط والتي لم تكن تسيّر سوى رحلتين في الأسبوع، وتقل فقط من ساحل العاج أربعين راكبا فقط، حال دون ذلك، فاضطر للبقاء محاصرا هو وجيرانه لا يقوى على الخروج حتى لتأمين حاجاته الضرورية كالطعام وغيرها.

يسكن احمد في منطقة «البلاتو» المحاذية لقصر الرئيس المنتهية ولايته غباغبو، حيث تدور المعارك العنيفة والتي أدت الى انقطاع المياه عن المبنى الذي يقطن فيه إضافة الى زوجته حوالى 13 لبنانيا.
يلفت احمد الانتباه الى أن «زوجته التي تعاني من ضعف في النظر، فتحت باب، شقتها، حين كانت عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص يطرقون باب جارها، ظنا منها، انه احد العمال الذي يعمل على تأمين المياه لهم، فبادرت العصابة، عندها الى اقتحام الشقة فورا، وابتزازهم من خلال طلب المال، حيث لم يكن يملك احمد سوى مبلغ 800 دولار.

ويضيف احمد، «لم يقنع اللصوص بالمبلغ، فطلبوا ثلاثة ملايين فرنك إفريقي منه، ولعدم قردته على تأمينه، عمل شخصان على اقتياد زوجته الى احدى الغرف المجاورة مهددين باغتصابها، فيما الرجل الثالث بقي مع احمد واضعا بندقيته برأسه».
ويروي احمد «أن عمر زوجته، شفع لها، وجعلهم يقلعون عن عدم تنفيذ تهديدهم، حتى أنني بكيت أمامهم كالأطفال ووعدتهم بإعطائهم جميع أثاث شقتي، وبعدما يئسوا من الحصول على المبلغ المراد، بادروا الى ضرب زوجتي بالسلاح، وحاولوا إذلالها أمام عيوني وأنا لا أقوى على فعل أي شيء أو الدفاع عنها».

ويتابع احمد «بعد ذلك قاموا بتحطيم أثاث المنزل، وقيدوني أنا وزوجتي ثم انصرفوا بعد ان سرقوا ما تيّسر حمله. بعد ذلك لجأنا الى شقة جارنا الآمنة، لأن أبوابها مجهزة ضد محاولات السرقة. زوجتي تعاني الآن من رضوض ومن جروح على وجهها وجسدها، نتيجة الضرب المبرح التي تعرضت له، كما أنها في حالة صدمة نفسية وتعيش حالة توتر دائم».
احمد، الذي لم يعد يملك مالا، سيضطر إلى الاستدانة من رب علمه، ليتمكن من العودة الى لبنان «فانا لست بحاجة إلى رأفة أو منة احد، وخصوصا الدولة».
لا تقتصر معاناة عائلة شوقي مشيمش الذي يقيم في منطقة «ماركوري»، مع زوجته وأطفاله الثلاثة، وشابين لبنانيين، على انقطاع المياه «فأوضاعنا تزداد سوءا كل يوم». سيارته تعرضت للسرقة، بعد تهديد اللصوص له بالسلاح، فضلا عنه انه لم يعد يملك مالا، «وما عندنا من مياه لا تكفينا سوى ليومين فقط».

بالمقابل، فإن مأساة مصطفي برجي، الذي يملك عدة شركات، لا تتوقف عند سرقة مركزين تجاريين، (سوبر ماركت)، يعدان من اكبر المؤسسات التجارية في ساحل العاج، فهو يسكن في فيلا مع حوالى 40 شخصا من جيرانه وكلهم من اللبنانيين، في منطقة (البلاتو 2)، والتي يوجد فيها مركز كبير تابع للشرطة الموالية لغباغبو، حيث شهدت أمس الأول معارك عنيفة».
ويضيف برجي، «الخطر قد يداهمهنا بأي لحظة، في حال طالت الأزمة، نعاني نقصا في المواد الغذائية والخبز، وصرنا نستخدم الطحين المخصص للحلوى، لصنع الخبز على الطريقة التقليدية القديمة، حيث أن جل اهتمامنا هو تأمين الطعام لأطفالنا أولا».
بدوره، عاش ناصر ش. ليله شديدة من المعارك والقصف، كونه يقيم في منطقة القصر الجمهوري التابع لغباغبو، حيث يوجد في المبنى الذي يسكن فيه حوالى 150 لبنانيا مهددين بأرواحهم في حال لم تنته الأزمة»، مؤكدا أن الماء لديه يكفيه لمدة يومين فقط، وكل شقة فيها أطفال، فهم محاصرين منذ أسبوع لا يقدرون على الخروج».

ناصر، كغيره من اللبنانيين مني بنكبة كبيرة، فمعمل تغليف البلاستيك الذي يملكه، سرق بالكامل مع معداته وأجهزة الكومبيوتر، إضافة الى السيارات والشاحنات الكبيرة». لا يرفع ناصر شكواه للدولة «كونها غير موجودة أصلا».
ويؤكد إبراهيم ذياب، إنه يشتري غالون المياه سعة 5 ليتر من رجال العصابات بعشرة دولارات»، معتبرا أن التعاون بين سكان المبنى حيث يقطن، والذي يضم 12 عائلة لبنانية، مكنهم من الصمود، بسب نفاد المؤونة لديهم، لافتا الانتباه، الى أن «البعض يكتفي بوجبة واحدة في النهار توفيرا للطعام مخافة أن تطول الأزمة».

وأشار السفير اللبناني في ساحل العاج علي عجمي، الى أن الإصابات في صفوف الجالية بلغت 9 أشخاص، اثنان منهم إصابتهم بالغة ولكن أجريت لهم عمليات جراحية وهم يتماثلون للشفاء، والبقية اصاباتهم طفيفة.
ولفت الانتباه إلى «ان اول طائرة من «طيران الشرق الاوسط» ستنقل اول مجموعة من الذين خرجوا من القاعدة العسكرية فجر اليوم من اكرا ليصلوا حوالى الساعة الخامسة فجرا الى مطار بيروت، وعددهم حوالى 127 راكبا. كما علمت من القاعدة الفرنسية هنا انه سيتم اليوم (أمس) نقل ما مجموعه 241 لبنانيا من القاعدة الى التوغو ومن هناك سيضطرون الى العبور برا الى اكرا». وقال لـ«الوطنية للاعلام» «استنفرنا سفارتنا في السنغال وفي اكرا، والجالية اللبنانية في التوغو تستضيف الواصلين وتعمل على تأمين اقامتهم الى حين نقلهم برا الى غانا. والقائم بالاعمال في سفارتنا في اكرا احمد سويدان انتقل الى توغو لهذه الغاية».

بدوره، أوضح رئيس الجالية اللبنانية نجيب زهر، انه يعمل جاهدا مع السفير عجمي، ولجنة الطوارئ على إيصال المساعدات الغذائية الى المحاصرين، وقال إن «أعداد اللبنانيين الراغبين بالرحيل من ابيدجان وصلت الى حوالى 8 الاف».
وقال الأمين العام المركزي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، بيتر الأشقر، خلال الاجتماعي الاستثنائي الذي عقدته الجامعة بحضور عدد من أركان الجامعة في المجلس القاري الإفريقي، لبحث الأوضاع في ابيدجان والنشاطات التي يقوم بها رئيس الجامعة احمد ناصر، ان قنصل لبنان في مالي كميل صوما ابلغهم، أن السلطات المالية مستعدة لاستقبال اللبنانيين القادمين من ابيدجان من دون معاملات. كما أعلن رئيس المجلس الوطني في ليبيريا عزت عيد، «التنسيق مع الأمن العام الليبيري لتسهيل مرورهم من دون معاملات ودون اذونات مسبقة».

السابق
كندي من أصل مصري ناطقاً باسـم المحكمة الدولية
التالي
منظمة العفو الدولية وإلغاء عقوبة الإعدام