مخصصات النواب..الشعـب في خدمة الهيئة التشريعية أم العكـس؟

يعيش قسم كبير من النواب اللبنانيين في حال من «البطالة التشريعية»، لا يشاركون في جلسات اللجان النيابية، ولا يقترحون مشاريع قوانين، فيصح فيهم القول إنهم أشبه بتكملة عدد، كونهم أصلا يُنتخبون ضمن اللوائح الكبرى التي تشكلها الزعامات السياسية لدى إجراء الانتخابات النيابية.

ومع ذلك يتقاضى جميع النواب مخصصات مالية بالتساوي، ويحصلون على امتيازات في الخدمات، تبلغ ما يقارب ثلاثمئة وعشرة ملايين ليرة لكل نائب سنويا.
في المقابل، يبلغ معدل حضور النواب للجلسات النيابية، سواء الفرعية منها أو المشتركة، ما يقارب خمس ساعات أسبوعيا، استنادا إلى تقديرات قدمها النائب غسان مخيبر، فيما يتم توثيق محاضر الجلسات لدى مديرية شؤون الجلسات العامة واللجان النيابية، وتضم عدد الجلسات والنواب المشاركين.

وتسمح طريقة عقد الجلسات المقرة في النظام الداخلي لمجلس النواب، بتهرّب أكبر عدد ممكن من النواب من حضورها.
فبحسب النظام، تنقسم اللجان حسب عددها إلى ثلاثة أنواع وهي: لجان تضمّ تسعة نواب، وأخرى تضمّ اثني عشر نائبا، ولجان تضمّ سبعة عشرة نائبا. وتعتبر الجلسة الأولى من اجتماع اللجنة لمناقشة مشاريع القوانين قانونية، في حال حضرها أكثر من نصف الأعضاء، أما الجلسات التالية، فتصبح قانونية لدى حضور ثلث الأعضاء فقط. وبموجب ذلك، يستطيع ثلاثة نواب مناقشة المشاريع في اللجنة التي تضم تسعة نواب، وأربعة نواب في اللجنة التي تضم اثني عشر نائبا، وثمانية زائدا الرئيس في اللجنة التي تضم سبعة عشر نائبا، مثل لجنة المال والموازنة.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان أن عدد النواب الذين يحضرون جلسات مناقشة الموازنة العامة كل مرة لا يتعدى ثلث عدد الأعضاء، مع العلم أن الموازنة هي أهم مشروع قانون يدرج على جدول أعمال مجلس النواب، وتعطى لها الأولوية على أي مشروع قانون آخر، فكيف الحال مع المشاريع الأخرى؟.

بالإضافة إلى ذلك، يترتب على اللجان إنهاء دراسة المشاريع والاقتراحات المقدمة إليها ضمن مهلة أقصاها شهر، اعتبارا من تاريخ ورودها، إليها، لكن النواب لا يلتزمون بتلك المهل، كما هو واضح من خلال وجود مشاريع تبقى على جدول النقاش سنوات عدة.

كما يعتبر مستقيلا حكما عضو كل لجنة نيابية يتغيب عن حضور ثلاث جلسات متتالية من دون عذر مشروع، ولا يبدو أن النواب يتذكرون وجود هذه المادة في النظام الداخلي، أو تغيبهم يتم دوما بعذر «يشرعونه» هم.
ومن الأمثلة على ضعف التشريع، إقرار مجلس النواب تسعة عشر مشروع قانون فقط في العام 2009، في الوقت الذي يوجد في أدراج المجلس ما يقارب ثلاثمئة مشروع قانون، بينها مشاريع تتعلّق بقضايا حيوية بالنسبة لمصالح … المواطنين – الناخبين.
«وظيفة العمر» .. وما بعد الوفاة
في مقابل ضعف الإنتاجية، يحدد القانون 2574 الأسس التي يحصل بموجبها كل نائب على المخصصات والتعويضات، وتسمى رواتب النواب مخصصات، مع العلم أنهم يحصلون على امتيازات أكثر من بقية موظفي الدولة.
تبلغ مخصصات النائب الصافية أحد عشر مليون ليرة شهريا، وتتضمن بدل أجرة سائق وأمين سر وهاتف وتعويضات تمثيل وبدل استشفاء له ولعائلته، فيما يدفع النائب بدل استشفاء مقطوعا شهريا قيمته مئة ألف ليرة. ويتقاضى بدل منحة مدرسية لكل ولد من أولاده مليون ليرة سنويا، بقرار داخلي من مكتب مجلس النواب.

وفي حال أصبح النائب خارج الندوة البرلمانية، يتحول إلى موظف متقاعد، وتلك بدعة لا يوجد مثيل لها في بلاد العالم لأن النائب يعود مواطنا عاديا، وعليه البحث عن عمل يعتاش منه…
وبموجب تعويضات التقاعد، يتقاضى كل نائب متقاعد نسبة 55 في المئة من المخصصات في حال انتخابه لدورة واحدة، وتبلغ قيمتها خمسة ملايين وثمانمئة ألف ليرة. وفي حال انتخابه لدورتين، يتقاضى نسبة 65 في المئة من المخصصات، وتبلغ قيمتها ستة ملايين وتسعمئة وخمسين ألف ليرة، ومن ينتخب ثلاث دورات، يتقاضى نسبة 75 في المئة، وتبلغ قيمتها سبعة ملايين وتسعمئة ألف ليرة.

و إذا توفي النائب بعد انتخابه لدورة واحدة، تتقاضى عائلته مبلغ ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف ليرة، وإذا كان نائبا لمدة دورتين تتقاضى عائلته مبلغ أربعة ملايين ليرة، وإذا كان نائبا لمدة ثلاث دورات، تتقاضى عائلته أربعة ملايين وسبعمئة ألف ليرة.
وقد اعتبر مجلس النواب الفترة التي توقفت فيها الانتخابات خلال الحرب الأهلية من العام 1972 حتى العام 1990 موازية لثلاث دورات نيابية بموجب قوانين خاصة بالتمديد للنواب، وتبعا لذلك، يتقاضى كل نائب تم انتخابه قبل الحرب وبقي خلالها، مخصصاته بحسب النسب المذكورة، سواء كان متقاعدا، أو ما زال منتخبا حتى اليوم، مثل النائب بطرس حرب. كما تتقاضى عائلات المتوفين منهم نسب التعويضات المخصصة لعائلات المتوفين.
انطلاقا من ذلك، يزيد عدد النواب الذين يتقاضون رواتبهم هم وعائلاتهم على ثلاثمئة وخمسين نائبا، بينهم مئة وثمانية وعشرون نائبا حاليا، ومئة وثمانون من السابقين الأحياء، والباقي من عائلات المتوفين.
كما يمكن للنائب في حال كان موظفا حكوميا قبل انتخابه، مديرا عاما أو ضابطا في الجيش أو غيره، الجمع بين راتبه الوظيفي كمتقاعد وبين مخصصاته النيابية، أي إنه يحصل على راتبين من الدولة.
وفي كل دورة نيابية يتم انتخابه، يستطيع النائب استيراد سيارة معفاة من الرسوم الجمركية، بما في ذلك الحد الأدنى للرسم الجمركي المنصوص عليه في قانون الجمارك ومن رسوم الميكانيك والتسجيل وجميع الرسوم والضرائب المختلفة.
وقد زادت الموازنة السنوية التي وضعت لكل نائب في وزارة الأشغال بدل تعبيد طرق، من مئة مليون ليرة سنويا، إلى مئتي مليون ليرة، فيما يقول رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابراهيم كنعان إنه تمت الموافقة على زيادة الموازنة بناء لتوصية قدمها النواب لدى مناقشة موازنة العام 2010، لأن المئة مليون لا تكفي بدل تعبيد طرق لكل نائب.

لكنه قال إن النواب لن يتقاضوا الأموال مباشرة، بل يقدمون المشاريع إلى الوزارة وهي تنفذها، مشيرا إلى أن الأموال كانت تقدم من قبل بشكل عشوائي، أو نقدا أو من خلال مشاربع. ومع ذلك، تبقى كيفية تقدير المشاريع وكلفتها في ذمة وزارة الأشغال، والجهات التي يتم تلزيمها لتنفيذها.
ويوضح كنعان أن لديه توجها للمطالبة بربط مخصصات كل نائب بوتيرة إنتاجيته في المجلس، وهي تشمل نسبة حضوره الجلسات وتقدمه باقتراحات ومشاريع قوانين، مؤكدا على وجود نواب يحتاجون فعلا إلى مخصصاتهم وهم قلة، بينما الغالبية لا تحتاج إليها، بوصفهم من رجال الأعمال. كما يوجد نواب من المثابرين على حضور الجلسات ومناقشة المشاريع، ونواب لا يزورون المجلس إلا في المناسبات.
الثروات سرية في مغلفات مقفلة

استنادا إلى قانون المجلس الدستوري، يترتب على كل الرؤساء والوزراء والنواب التصريح عن ممتلكاتهم لدى المجلس عند استلام مهامهم. وقد أوضح الرئيس الأول للمجلس الدستوري بعد اتفاق الطائف الدكتور محمد المجذوب الذي تولى مهامه بين العامين 1993 و1997 أن التصريح يكون خطيا وسريا، ويوضع في مغلف مغلق في خزنة خاصة، من دون أن يكون لأعضاء المجلس الدستوري الحق في الاطلاع عليها، إلا في حال تقرر إجراء تحقيق في ثروات أي من المسؤولين، في حال تقدمت شكاوى بحقهم. لكن ذلك لم يحصل منذ تأسيس المجلس حتى اليوم، كما يؤكد مجذوب، وبالتالي لا يعرف أحد ثروة المسؤول، لا خلال توليه منصبه السياسي، ولا لدى خروجه منه.
ومن الأعراف الناتجة عن استغلال النفوذ السياسي، يضيف المجذوب، عدم تسديد المسؤولين لفواتير الكهرباء والمياه، والحصول على حسومات على تذاكر السفر من شركة «طيران الشرق الأوسط» بنسبة خمسين في المئة، لهم ولعائلاتهم (في حال قرروا دفع ثمن التذاكر أصلا).

ويقول بعض المطلعين في مجلس النواب إن النواب يحصلون على تكاليف سفراتهم الخاصة من الموازنة الموضوعة للمهمات الخارجية، على أساس أنها رحلات عمل، كما يستطيع النائب استئجار أراض تابعة للدولة واستثمارها لمدة تسعة وتسعين عاما بأسعار رمزية، والحصول على قروض من المصارف من دون ضمانات.

يؤكد كنعان، بوصفه المسؤول حاليا عن مناقشة الموازنة، على ضرورة محاسبة النواب، إلا أنه يوضح بأن مسارب الهدر والسرقات الكبرى هي في صرف الأموال من خارج الموازنة، مؤكدا أن في حوزته أرقاما واضحة عن صرف ما يقارب سبعة عشر مليار دولار من خارج الموازنة، وهي: بالإضافة إلى الأحد عشر مليار دولار التي لم يعرف كيف صرفت، نحو خمسة مليارات دولار حصل عليها لبنان كهبات، وما يقارب مليار دولار صرفت كاعتمادات في مشاريع أخرى. وللبحث صلة. …

السابق
نساء..للمساواة بين المرأة والرجل
التالي
منيمنة: عملية تشكيل الحكومة طويلة جدا والاعتذار هو الخرطوشة الأخيرة