ليبيا والغرب . . قصة الديمقراطية

تدخلت قوات من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية في ليبيا، وبموجب تفويض “ملتبس” من الأمم المتحدة، قاموا بفرض حظر جوي على ليبيا، وهذا يعني أنهم سيقومون بإسقاط أي طائرة ليبية تحاول الطيران داخل ليبيا، بالإضافة إلى ذلك، قاموا بهجمات ضد الطائرات ومهابطها على الأرض والدفاعات الجوية وجميع أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات الليبية، وضربت الطائرات الأمريكية والفرنسية المدرعات والقوات البرية الليبية. وهناك أيضاً تقارير تفيد بأن قوات عمليات خاصة أوروبية قد انتشرت في شرق ليبيا، حيث يتمركز المتمردون، ولاسيما حول مدينة بنغازي.
في الواقع، تدخل هذا التحالف ضد حكومة القذافي ولصالح خصومه في شرق البلاد، يبدو من الواضح أن هؤلاء الحلفاء ليسوا على اتفاق واحد. وقد خول قرار مجلس الأمن بوضوح فرض منطقة حظر جوي على ليبيا، إضافة إلى الضربات ضد المطارات والأهداف ذات الصلة، وعلى نطاق أوسع، حدد مهمة التدخل لحماية أرواح المدنيين. وعلى هذا النحو، فإنه لا يحظر بشكل خاص وجود قوات برية، على الرغم من أن التفويض ينص بوضوح على أنه لا يجوز وجود "قوة احتلال أجنبية" على الأراضي الليبية.
ليس هناك شك في أن التدخل يهدف إلى حماية خصوم القذافي من قواته، فقد هدد القذافي بأن يهاجم ويشن هجوماً متواصلاً على المتمردين شرقاً، وكانت قواته على مشارف بنغازي قبل التدخل الغربي. وبذلك بات واضحاً أن هدف الغرب حماية المتمردين في شرق البلاد من قوات القذافي، ما يؤدي منطقياً إلى أن نستنتج أن التحالف يريد تغيير النظام، وليس فرض منطقة حظر جوي كما يقول قرار مجلس الأمن!!
لكن ذلك الهدف يتطلب تدخلاً مباشراً بصورة أكبر من جانب الغرب، فيما يعتبر خرقاً واضحاً للتفويض الأممي من مجلس الأمن، وسيصبح الأمر أشبه بغزو العراق عام 2003. وبعبارة أخرى، ما يريدونه في الغرب هو تحديداً التدخل لحماية خصوم القذافي وهم مستعدون لدعم أولئك الخصوم (على الرغم من أنه ليس من الواضح إلى أي مدى هم مستعدون للاستمرار في تقديم هذا الدعم)، ولكن لن يكونوا مسؤولين عن نتائج الحرب الأهلية القادمة.

السياق الإقليمي
لفهم هذا المنطق، فإنه من الضروري أن نبدأ من خلال النظر في الأحداث الأخيرة في العالم العربي، وكيف تقوم الحكومات الغربية بتفسيرها. بداية مع تونس ومروراً بمصر ومن ثم إلى شبه الجزيرة العربية، شهد الشهران الماضيان اضطرابات واسعة النطاق في العالم العربي، وقد وضعت ثلاث فرضيات حول هذه الاضطرابات، الأولى أنها تمثل معارضة شعبية كبيرة ضد الحكومات القائمة ، والثانية هي أن الهدف المشترك لهذه الثورات هو خلق مجتمع ديمقراطي. والثالثة هي أنهم يريدون أن يكون هذا المجتمع الديمقراطي مشابهاً للديمقراطية الأوروبية-الأمريكية، أي نظام دستوري يدعم القيم الديمقراطية الغربية.
في مصر، كانت الكاميرات تركز على المتظاهرين، وبالمقابل تعطي وقتاً قليلاً لتصوير الغالبية العظمى من سكان البلاد الذين لم يخرجوا للتظاهر. ومن ذلك, فقد ظهر سرد عمّا يحدث في العالم العربي، وأصبح الإطار الذي يتم من خلاله تفسير ما يحدث في المنطقة، وهذا السرد يقول بأن المنطقة قد اجتيحت من خلال ثورات ديمقراطية (بالمعنى الغربي) ارتفعت ضد الأنظمة المستبدة، ويتعين على الغرب دعم هذه الثورات وبالوقت نفسه أن يتحرك ليمنع هذه الأنظمة من سحقهم.
هذه مناورة معقدة، سيحاول الغرب تحريف خط سير الثورات من خلال دعم بعض المتمردين ليصل بالمجتمع العربي من خلالهم إلى مرحلة أخرى من الامبريالية الغربية، ولكن الفشل في دعم هذه الثورات سيكون بالنسبة للغرب خيانة للمبادئ الأخلاقية الأساسية، حيث كان الغرب يمشي على حبل مشدود من هذه المبادئ المتناقضة إلى أن أصبحت ليبيا المكان الذي سقط في امتحان المبادئ الأخلاقية والديمقراطية. ووفقاً لهذا السرد القابل للتعديل حسب المصلحة الغربية، فإن ما حدث في ليبيا هو سلسلة أخرى من الانتفاضات الديمقراطية، لكن في هذه الحالة قُمعت بصورة وحشية خارج حدود ما يمكن احتماله.
في مصر كانت الثورة ناجحة، ولكن ليبيا كانت في حالة لم يستطع العالم فيها أن يقف جانباً، بينما يقوم القذافي "بتدمير ثورة الديمقراطية". كما هو الحال مع بلدان أخرى، كان هناك اختلاف كبير بين السرد وما حدث بالفعل، بالتأكيد أثرت الاضطرابات في تونس ومصر، وهذا دفع معارضي القذافي إلى التفكير في هذه الفرص، وقد أعطتهم السهولة الواضحة للثورات التونسية والمصرية بعضاً من الثقة بالنفس.

الاحتجاجات الليبية
شاركت في الاحتجاجات الليبية مجموعة من القبائل والشخصيات، بعضهم من داخل الحكومة الليبية، والبعض الآخر من داخل الجيش، والآخرون من المعارضين للنظام منذ فترة طويلة، وجميعهم رأى الفرصة مواتية في هذه اللحظة بالذات. على الرغم من أن العديد من الأجزاء الغربية من ليبيا، لا سيما مدينتا مصراتة والزاوية، ضمنوا أنفسهم مع المعارضة، فإنها لا تمثل قلب المعارضة التاريخية لطرابلس في الشرق. وكان مركز حركة المعارضة في المنطقة المعروفة في عصر ما قبل الاستقلال باسم برقة. وهؤلاء الناس، المتحدون على الأغلب بسبب معارضتهم للقذافي، لا تجمعهم ايديولوجية مشتركة وبالتأكيد لا يتبنى جميعهم تأييداً للديمقراطية على النموذج الغربي، بدلاً من ذلك، رأوا فرصة لاتخاذ المزيد من السلطة ويحاولون انتهازها. لقد حصل القذافي على دعم كبير من الجيش وبعض القبائل، وسيفقد هؤلاء المؤيدون له الكثير إذا تمت الإطاحة به، لذلك تجمعوا بقوة أقوى بكثير من المعارضة مجتمعة. وكان القذافي حريصاً جداً على مكافأة أصدقائه والعمل على إضعاف خصومه، فكان أنصاره كثيرين ومتحمسين.
في الحقيقة، يقوم الغرب الآن بدعم مجموعة متنوعة من القبائل و الأفراد الذين يجمعهم العداء للقذافي، وليس أكثر، ومن المحتمل مع الوقت أن يندمجوا في قوة قتالية موحدة، لكن من الصعب التخيل أنهم سيهزمون قوات القذافي في أي وقت قريب، فهناك الكثير من الانقسامات بينهم والتي بدورها تسمح للقذافي البقاء في السلطة مدة أطول. وهذا يذكرنا بحامد قرضاي في أفغانستان : مسلح من قبل الأمريكيين، معدوم الثقة من الكثيرين في بلده، مدعوم من قبل الناتو المنقسم على نفسه.

عوامل أخرى
هناك عوامل أخرى، فإيطاليا لها مصلحة في النفط الليبي، وبريطانيا تتطلع أيضاً للوصول إلى الغرض نفسه. لكن كما كان القذافي سعيداً ببيع النفط، فإن أي نظام لاحق سيكون كذلك. ولعبت سياسة الناتو دوراً أيضاً، فالألمان رفضوا الذهاب مع هذه العملية، وذلك دفع الفرنسيين أكثر إلى التقرب من البريطانيين والأمريكيين. وهناك أيضاً جامعة الدول العربية، التي دعمت قرار فرض حظر جوي (على الرغم من أنها غيّرت وجهها فعلاً عندما اكتشفت أن فرض حظر جوي يتضمن تفجير البلاد أيضاً) وأتاحت الفرصة للتدخل في شؤون العالم العربي.
إن المقارنة مع العراق واضحة، فكلا البلدين تعرضا إلى فرض حظر جوي، لكن ذلك لم يؤثر على النظام الحاكم، ما أدى في نهاية المطاف إلى ذهاب الغرب نحو التورط في تدخل عسكري مباشر، أدى إلى حرب أهلية، وفي الوقت نفسه مقاومة الغزاة.
إذن شن الحرب لأسباب ايديولوجية يتطلب فهماً واضحاً لهذه الايديولوجية، وفهماً واضحاً للحقيقة على أرض الواقع. أما في هذا التدخل، فإن ايديولوجية الحرب ليست واضحة وهي تبدو ممزقة بين مفهوم تقرير المصير والالتزام بالتدخل لحماية الفصائل المفضلة، وأيضاً الحقيقة على أرض الواقع أقل وضوحاً. فحقيقة الثورات الديمقراطية في العالم العربي أكثر تعقيداً مما صورها السرد الغربي للحدث، وقد فشل هذا السرد بالتنبؤ عما ستؤول إليه الأحوال في ليبيا. فهناك اضطرابات لكنها تأتي بأبعاد مختلفة والديمقراطية هي واحدة منها فقط.
عندما تتدخل في بلد ما، مهما كانت نواياك، فأنت تتدخل إلى جانب طرفٍ ما، وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما تتدخل لصالح مجموعة من القبائل المشبوهة المعادية للقذافي والتي فشلت في توحيد صفوفها، على الأقل حتى الآن، إلى قوة عسكرية ذات أهمية. في نهاية المطاف، قد ينجح التدخل، لكن يبقى السؤال المهم الذي يطرح نفسه: هل ستكون النتيجة ولادة أمة متفوقة أخلاقياً؟.
يقال بأنه لا يوجد شيء أسوأ من القذافي، لكنه لم يحكم لمدة 42 عاماً لأنه كان "ديكتاتوراً" يستخدم القوة ضد الأبرياء، وإنما لأنه يتحدث بالبعد الحقيقي والقوي لليبيا، أليست هذه هي الحقيقة التي لا يريد الغرب أن يراها؟!!.
(ترجمة ياسر البشير- البعث السورية)

السابق
ريفي: تحركات رومية مطلبية
التالي
مناورات اسرائيلية في مزارع شبعا