لبنانيو أبيدجان يشترون الحماية من عصابات

تصاعدت أمس الضغوط العسكرية والسياسية على رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته لوران غباغبو للتنحي عن الحكم لمصلحة الرئيس المعترف به دولياً الحسن واتارا، حيث حاولت القوات الموالية لواتارا تضييق الخناق عليه، عبر شن هجمات على القصر الرئاسي ومقر إقامته في أبيدجان.

وكالعادة، وجد لبنانيو أبيدجان، أنفسهم في العراء، مثلما واجه قبلهم أبناء جاليات أفريقية أخرى، المصير نفسه، في انتظار نجدة «دول»، تعوّض تقصير دولتهم، التي استفاقت متأخرة، فقررت أن تكثف رحلات شركة الطيران الوطنية وأن ترحلهم على نفقتها، ولكن بعد فوات الأوان، حيث لا طرق آمنة تصل عبرها الى المطار، لا القوة الفرنسية ولا أية قوة دولية أخرى طلب لبنان نجدتها. وتبلغت وزارة الخارجية اللبنانية ان مطار ابيدجان قد اعيد فتحه، ولكن الطرق المؤدية له لا تزال غير آمنة.
وأبلغ وزير الخارجية علي الشامي سائليه أن المئات من أبناء الجالية في أبيدجان صاروا بأمان في إحدى الثكنات الفرنسية وأنه يجري اتصالات مع الأمم المتحدة والفرنسيين والأميركيين ودول أخرى، من أجل تأمين بواخر لإجلاء اللبنانيين. وحاول الشامي الاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حيث تبين انه في نيروبي، فاتصل بمساعد الأمين العام للأمم المتحدة لإدارة عمليات حفظ السلام آلان لوروا وطلب منه رسمياً ان تتولى الامم المتحدة تأمين الحماية للجالية اللبنانية. وأبدى لوروا تجاوبه، ووعد بأن يتصل بممثل الامم المتحدة في ابيدجان لدعوته للاتصال بالسفير اللبناني لدى ساحل العاج علي عجمي للتنسيق معه حول الموضوع.

وقال عجمي لـ«السفير» إن الوضع في أبيدجان «سيئ جدا»، مشيراً إلى «وجود حالة من الفراغ والفلتان الأمني، حيث لا وجود لسلطة تتولى حفظ الأمن». ولفت الانتباه إلى أن الجالية اللبنانية «تتعرض لموجة كبيرة من السرقات، من قبل اللصوص الذين باتوا يتحركون في ساعات النهار ويعملون على اقتحام بيوت اللبنانيين وانتهاك حرماتها، ويعمدون إلى تهديد أصحابها وابتزازهم من خلال إطلاق الرصاص في داخل المنازل في حال لم يعطوهم المال، كذلك يطلبون منهم تسليمهم مفاتيح سياراتهم». وأشار إلى أن شاباً لبنانياً أصيب برصاصة طائشة ويدعى غالب طعان.

وقال مغترب لبناني يدعى جعفر، في اتصال مع «السفير» «إننا ندفع لرجال العصابات المال لتأمين حمايتنا، في حال اضطررنا للتجول والخروج لأمر طارئ، وكذلك نستعمل هذه الطريقة لحماية مصالحنا التجارية، أي نقوم بتوفير الأمن الذاتي من خلال هؤلاء الرجال الذين قد يبيعوننا في أية لحظة، إذا دفع لهم شخص آخر مبالغ اكبر». ويؤكد أن هناك جزءاً من المصالح اللبنانية أحرقت، ونهبت المخازن الكبرى، موضحاً أن «الثوار يؤمنون حماية الأماكن التي يسيطرون عليها».

وكان المتحدث باسم القوات الفرنسية في ساحل العاج تييري بوركارد أعلن أن القوات الفرنسية نقلت أمس الأول نحو 500 أجنبي، بينهم 150 فرنسياً بالإضافة إلى رعايا لبنانيين وأوروبيين، إلى معسكر بور بويه التابع لقوة «ليكورن» الفرنسية في أبيدجان بعد أن تعرضوا لأخطار النهب والسرقة. ولجأ 200 فرنسي وأجنبي أمس إلى المعسكر. وأعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أنها زادت من 900 إلى 1100 عنصر عديد قوة «ليكورن».
وقتل أستاذ فرنسي بالرصاص في ياموسوكرو، العاصمة السياسية لساحل العاج، من دون معرفة ما إذا كان مقتله على علاقة بالمعارك أو نتيجة جريمة سرقة. وأعلنت وزارة الخارجية السويدية أن موظفة سويدية في الأمم المتحدة قتلت في أبيدجان برصاصة طائشة على الأرجح.

في هذا الوقت، لا تزال قوات النخبة التابعة لغباغبو تقاوم بشراسة مقاتلي واتارا حول مقر إقامته والقصر الرئاسي. وفي حي بلاتو الإداري قرب القصر، ترددت أصداء الرشقات الرشاشة والقصف بالأسلحة الثقيلة، فيما خلت الشوارع من المارة ولزم السكان منازلهم. وكان الوضع مشابهاً في حي كوكودي الراقي قرب المقر الرئاسي. وقال احد السكان «القصف لم يتوقف. ورجال غباغبو يقاومون في كل مواقعهم»، مضيفاً «نسمع دوي قصف مدفعي عنيف وقاذفات صواريخ ورشاشات ثقيلة».
وسمعت أصوات إطلاق نار كثيف في حي تريشفيل حيث توجد قاعدة للحرس الجمهوري تستخدم لحماية الجسور المؤدية إلى وسط أبيدجان. وأعلنت القوات الموالية لواتارا أنها استولت في بداية المعارك على مقر التلفزيون الرسمي.
وقررت حكومة واتارا إعادة فتح الأجواء الجوية للبلاد بصورة فورية للسماح بإجلاء محتمل للرعايا الأجانب، كما أعلنت المتحدثة باسمه آن اولوتو، لكنها أكدت أن «الحدود البرية والبحرية مغلقة حتى إشعار آخر». وقال مصدر امني يعمل في المطار إن القوات الفرنسية سيطرت عليه بعد يوم من سيطرة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عليه.

وبالرغم من الدعوات الدولية المتواصلة لتنحي غباغبو عن السلطة، قال مستشاره للشؤون الأوروبية توسان آلان إن غباغبو «لا ينوي التنحي أو الاستسلام لأي متمرد»، منددا بـ«انقلاب» ينفذه واتارا «الذي يدعمه تحالف دولي».
وعن مكان وجود غباغبو، قال آلان «انه في ساحل العاج لكن لا أريد أن أقول لكم بالضبط أين هو». وغادر غباغبو على ما يبدو مقر إقامته لينتقل إلى القصر الرئاسي في حي بلاتو في وسط أبيدجان.
وقال بان كي مون انه يريد أن يتخلى غباغبو عن السلطة لمنافسه، وهو ما طالبه به أيضا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ «للتخفيف من معاناة العاجيين». وقال مكتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في بيان، بعدما اجتمع ساركوزي مع وزراء رئيسيين لمناقشة الأزمة في ساحل العاج «انه أمر ملح أن توضع نهاية حاسمة للأزمة التي أثارها رفض غباغبو الاعتراف بهزيمته» في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني الماضي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر «يبدو أن وقته قد قارب على الانتهاء. نحن نحث غباغبو على أن يقرأ الحقيقة، وأن يتخلى عن السلطة الآن».

السابق
الحوت: طيران الشرق الأوسط تسيّر رحلة يومية من أبيدجان إلى بيروت
التالي
وهبة: الفريق الآخر يدمن تعطيل كل الإستحقاقات الدستورية