المأزق الطائفي في لبنان

 لا يحتاج المواطن إلى عناء كبير لمعرفة تطور المجتمع اللبناني ـ نظاماً وسلوكاً استناداً إلى القوانين والأعراف الموضوعية لتطور هذا المجتمع. ولعل ذلك يرجع إلى تاريخ المحن الطويلة التي مر بها لبنان خلال سنوات الاحتلال العثماني والفرنسي.
ففي الفترة ما قبل الدستور كانت الطائفية تعد من أهم الأسس التي قام عليها نظام الحكم في لبنان، وهذا عيب أساسي من عيوب نظام الحكم في اعتماده الطائفية التي لم تحتفظ فقط بسمتها الدينية بل أصبحت طائفية سياسية وانقسام كل طائفة إلى طوائف وتأثيراتها المتردية على مجمل الوضع السياسي في لبنان.
فمن المتغزلين بـ«نيال من له مرقد عنزة في لبنان» إلى النفيين اللذين شكلا الدولة ـ إلى قوة لبنان في ضعفه ـ إلى دعاة انعزال لبنان بحدوده الطبيعية ـ إلى حمايات الأقليات من الخارج ـ كل هذه الموضوعات فرضت مسارات متعددة لمجريات الأحداث وانعكاساتها على أحوال الوطن والمواطنين.

عام 1860 عام المجازر الطائفية.
عام 1864 تضمن النظام الأساسي بشأن تكوين مؤسسات الدولة أسس التفرقة الطائفية.
عام 1920 انتقل عهد الطوائف اللبنانية إلى مرحلة بناء النظام الطائفي باسم لبنان الكبير، فحمل هذا النظام في تكوينه عوامل انهياره.
أيار 1922 قام المجلس التمثيلي الأول على ذات النهج الطائفي.
23 أيار 1926 أصبح للبنان دستور، استقرت فيه الطائفية الدينية كأساس للحكم وأضحت الطائفية وصمة عار على جبين لبنان.
المادة 95 دستور «بصورة مؤقتة وعملاً بالمادة الأولى من صك الانتداب والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة من دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة».
العرف أيضاً كرس أسس الحكم في الدولة على أساس طائفي ومذهبي وأكدت قوانين الانتخاب هي الأخرى هذا النهج على نحو واضح، وتعود الناس خلال هذا التاريخ العيش فئات، عائلات أو طوائف وقرروا نظام التقسيم الطائفي في الحكم وفي الخيرات وفي المنافع واتفقوا على ذلك ضمن ميثاق وطني مؤقت إيماناً منهم بأن هذه الطريقة هي الضمان المناسب للعدالة الاجتماعية.
ان أزمة النظام الطائفي ما زالت حتى اليوم تحاول إخفاء الصراع الحقيقي في لبنان، وهي المسؤولة عما وصلت إليه البلاد رغم التجارب المريرة من استقطابات طائفية وإفرازات مذهبية من دون تقدم حقيقي نحو الديموقراطية ودولة المواطنية والمؤسسات.
إن الانتماء الوطني في النظم الديموقراطية يبنى على قاعدة مساواة المواطن في الحقوق الناشئة عن صفته كمواطن ـ كإنسان من دون أن يكون للجنس أو للعرق أو للمعتقد أو للون أي تأثير في هذه المساواة.

هذه القاعدة أعلنتها وثيقة حقوق الإنسان سنة 1789 وأعلنتها الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سنة 1948 وأعلنتها المادة 7 من الدستور اللبناني، بينما يتعامل البعض في لبنان مع الطائفية كواقع ويدافع عنها ويقبلها على علاتها كمصطلح أفضل للديموقراطية، مع العلم ان الدولة الحديثة لم تعد مجرد شعب وإقليم وحكومة، وإنما هناك معيار أساسي يتمثل في وجود المؤسسات المستمرة والمستقرة… واعتبار الحكام ممارسين لاختصاصات معينة محددة وليسوا ملاكاً لسلطة الدولة.
في 8 شباط 1974 يقول سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر «نحن لسنا فئويين ولسنا طائفيين… نحن طليعة… نموت لأجل الجميع وليس لأجلنا نحن فقط… ونرفض تصنيف المواطنين طائفياً ونؤكد بقوة على مطالب القائلين برفض الطائفية».
قبل ومنذ اللحظة الأولى لرئاسته المجلس النيابي أطلق دولة الرئيس نبيه بري سلسلة من المبادرات والدعوات والمؤتمرات لتبيان حجم الأضرار والأمراض والعوائق التي تشكلها الطائفية في البنية اللبنانية على صعيد الوحدة والعدالة والاستقرار وتكافؤ الفرص والديموقراطية، معتبراً ان مواجهتها ليست ترفاً أو خياراً بل هي واجب وإلزام.

ان النظام الطائفي أوقعنا جميعاً في مأزقه وجلب علينا الكثير من الأزمات وقسم الأرزاق على غير أساس الباب المفتوح بل على أساس اللباس الطائفي مما شكل هذا النظام الشر المطلق للبنان في تطوره واستقراره ووحدة أبنائه.
ان وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها اللبنانيون في الطائف عام 1989 ووافق عليها مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/11/1989 في القليعات تضمنت الكثير من المبادئ والقواعد التي هدفت إلى إصلاح لبنان السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي، ونصت على أنه «لا فرق للشعب على أساس أي انتماء طائفي»، وان «إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية…»، وعلى إلزامية تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، والى وجوب إتمام بعض الموضوعات في المرحلة الانتقالية… لا بد من الإشارة إلى أن الدنيا قامت ولم تقعد في كل مرة يقترب الرئيس نبيه بري من تنفيذ هذا البند الإصلاحي الدستوري.
اننا نرى بعض الضوء في المسيرات الشبابية الداعية إلى إسقاط النظام الطائفي. ان مستقبل لبنان واللبنانيين يكمن في كسر جدران الطائفية التي عششت في نظامنا السياسي والاجتماعي والثقافي وفي حياتنا اليومية. 

السابق
ريفي: لا جديد في قضية خطف الاستونيين..المدتهمات أخذت طابعاً جديدأً
التالي
ابي رميا: الداخلية حق لنا لاننا أكبر تكتل نيابي مسيحي