قناصة الإعلام الأميركي والخداع البصري

بعين ذئبية متحفزة ترصد بعض الكاميرات العربية أنفاس المواطن العربي، وتلهث خلف المواطن الطريدة لترقص على جثته وأحلامه.. المشهد الإعلامي الذي تحرك عقلية أخلاق القناص، ليس بعيداً عن واقع وسائل الإعلام التي باتت أقرب إلى الموضة عند بعض الفضائيات، وهي موضة مستعارة ومدفوعة الأجر سلفاً، وتتضاعف قيمة الأجر السياسي والمادي كلما صوب القناص الإعلامي جيداً وكانت الإصابة في الرأس لتطيح بوعينا وإدراكنا لحقيقة الصورة وبواعث من يحرك عين الكاميرا.

حفلة القنص الجماعي التي تستهدف عقل ووعي المواطن العربي وإجهاض روح الثورة الشعبية تشير إلى هوية أصحابها حتى وهم يلبسون أقنعة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبشكل مباشر ودون التفحص كثيراً في الوجوه المقنّعة يبرز وجه البيت الأبيض الذي يعمل على شن أوسع عملية استهداف للحقيقة في محيطنا العربي بشكل عام مع تركيز ممنهج على حقيقة الصورة في سورية بشكل خاص، وينشط القناصة من سياسيين وإعلاميين بالبحث عن جزئية أو تفصيل عابر لتكوين صورة مشوهة لا أساس واقعياً لها، ويستنفر خبراء الحرب النفسية لوضع كل المؤثرات الصوتية وعناصر الإبهار البصري لتوليد وصناعة مفرقعات (الأكشن) الدعائية لتوتير أعصاب المتلقي وإثارة حماسة خياله وشل وعيه عبر إدخاله في حالة من الدهشة والذهول.
وعلى ذات الطريقة الأميركية في الحروب العسكرية تصبح الوسيلة الإعلامية أداة حرب لخلق مناخ من الصدمة والترويع تمهيداً لإغراق الرأي العام في الفوضى والإحباط، وفي هذا السياق يتوالى القصف الإعلامي المبني على الشائعات وعمليات التحريض وتركيز عين الكاميرا بشكل ثابت على حركة السير وأمام الأفران، وعلى أبواب المساجد لعلها تلتقط صورة تصادم بين سيارتين، أو لقطة عابرة لمجموعة مشاغبة، آنذاك تصدر الصورة إلى المختبرات المختصة للمعالجة الفنية والسياسية، ثم يعاد بثها لتحتل تلك الصورة المنتقاة كامل الوقت، والشاشة، ويبدأ اجترار الكلام وتتدحرج كرة الأخبار لتصبح جبلاً من الوهم الذي يجثم بعبئه وثقله فوق صدور وألسنة الناس.
الحرب الإعلامية الأميركية المدعومة من دول عربية وغربية ضد سورية لا تنفصل عن الحرب السياسية والأمنية التي لم تتوقف ضد الإرادة الوطنية والقومية الحرة لسورية وشعبها كونها إرادة تنبع من ثقافة المقاومة ورفض كل أشكال التبعية الخارجية، وتأخذ هذه الحرب منعرجاً خاصاً في ظل انحسار الدور الأميركي وفشله في المنطقة وليس غريباً أن تتصاعد هذه الحرب الأميركية ضد سورية والمقاومة في مرحلة القلق الأميركي على نفوذها في المنطقة، فالسياسة الأميركية المثخنة بالجراح بعد تهاوي النظام المصري، وخشيتها من انفلات سيطرتها على موقعها المتقدم في الخليج العربي تبدو مثل الذئب الجريح، وهي في حالة استنفار وسباق مع الوقت لاستعادة شيء من التوازن والهيبة المفقودة، ولأن الوقت لا يتسع للغة الدبلوماسية والمؤامرات الخفية يجد البيت الأبيض نفسه مضطراً للصعود عارياً إلى رأس الشجرة، وببلطجية واضحة، يمارس التدخل الفظ والبشع في الشؤون الداخلية لسورية وغيرها من الدول العربية فيحل لأنظمته المستعربة ما تشاء، ويضع خطوطاً سوداء وحمراء في وجه من لا يتفق مع الهوى والسياسة الفوقية الأميركية.
ويظل المستهدف أولاً وأخيراً مستقبل المواطن العربي الذي يقف اليوم أمام تحدٍ مصيري يتطلب قراءة معمقة وموقفاً مبدئياً حاسماً في مواجهة قناصة الإعلام والسياسة الذين يتخفون وراء الكاميرات الذئبية المخاتلة لاستراق السمع وبعثرة الصورة وإعادة تركيبها كما تشتهي أميركا والفضائيات الملحقة بها، التي أخذتها العزة بالإثم وظنت أنها قادرة بسياستها التهويلية على العبث بوعينا وهويتنا وغدنا.

السابق
إسرائيل تفرج عن الراعيين اللبنانيين
التالي
الطقس غدا ماطر بغزارة مع عواصف رعدية