“غلبة السلاح” ضد البحرين

عبثاً يحاول "حزب الله" وضع نفسه في سياق الثورات العربية الراهنة. ولو قصر محاولاته على تجربته في المقاومة ضد اسرائيل لبقي مفهوماً ومحترماً. الا ان بروز ارتباطه العضوي بايران ومشاريعها بدّل النظرة اليه، لا لاسباب مذهبية وانما لان الشباب الذين يخوضون هذه الثورات ينفرون من طريقة تعامل النظام الايراني مع معارضته الاصلاحية، وبالتالي فهم لا يشعرون بأي قرابة فكرية او ايحائية بينهم وبين هذا النظام وتوابعه.
قد يكون الامين العام لـ"حزب الله" اصاب حين قال ان كل الكلام الاميركي عن حماية شعوب المنطقة واحترام حقوقها هو "نفاق". لكن السيد حسن نصرالله لم يدل برأيه في تصريحات متكرّرة ادلى بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ورئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني وحضا فيها الانظمة والحكومات العربية على "الاصغاء لشعوبها" و"احترام مطالبها"، فيما كانت ميليشيات "الباسيج" تنكل بالمتظاهرين في شوارع طهران، كما ان مجلس الشورى نفسه – وهو هيئة برلمانية – دعا الى اعدام الزعيمين المعارضين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، ولم يتردد احد اقطاب النظام في المطالبة بعزل كامل للرجلين ليحرما من رؤية افراد عائلتيهما ومن اي اتصال بخارج اقامتهما الجبرية، فلا هاتف ولا بريد الكترونياً.
ومن الواضح انه كلما اراد السيد نصرالله تجاوز الشأن اللبناني، حيث لـ"غلبة السلاح" وطأتها، لا يكون موفقاً، بل يجازف بارتكاب اخطاء لا مبرر لها. حدث ذلك بالنسبة الى مصر ابان حرب غزة، ورغم ان رأياً عاماً مصرياً كبيراً كان يشاركه انتقاداته لاداء النظام السابق في هذه الحرب، الا ان تطرقه الى الجيش المصري لم يكن مقبولاً وأحدث رد فعل معاكساً لما توخاه صاحبه. تماما كما حصل عندما علق مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي على "ثورة 25 يناير" معتبراً انها من الهامات الثورة الايرانية، فكان ان تبرأ من كلامه اكثر المصريين قرباً من ايران وتعاطفاً معها.
وها قد تكرر الامر في حديث السيد نصرالله عن ازمة البحرين. فالاكيد انه اراد ان ينصر المعارضة الشيعية هناك وان يتضامن معها ويشد من أزرها. وليس مؤكداً انه وفّق في مسعاه. في المبدأ، هناك تفهم وتأييد لمطالب هذه المعارضة على المستوى العربي عموماً، وعلى المستوى الخليجي خصوصاً، بل ان المعارضين البحرينيين يحظون بتعاطف قديم متجدد وثابت، بصفتهم مواطنين متنورين واصحاب حق ويدركون طبيعة بلدهم والمنطقة التي يعيشون فيها. والامر الايجابي الذي سجل في الاعوام الاخيرة ان الحكم البحريني بدأ ينفتح رغم انه، هو ايضا، يعاني من ضغوط الاقليم ومن تراث طويل من التهديدات والهواجس. وفي الأزمة الراهنة، بمعزل عن التداعيات العنفية المؤسفة، كان ولا يزال باحثاً عن حل بالحوار. ولن يكون حل الا بالحوار.
لا مفر الآن من الاعتراف بأن خطأ استراتيجياً ارتكب في ادارة احتجاجات البحرين. جاء الخطأ خصوصاً من "الاخ الاكبر" الايراني و"الاخ الاصغر" أي "حزب الله"، اللذين اعتبرا ان الظروف نضجت للذهاب الى فرض منطق "تغيير النظام" في البحرين، وقد اسديا النصح والتوجيه على هذا الاساس، بل ادارا الازمة راميين الى هذا الهدف. وبذلك استثارا التدخل الخليجي، الذي حصل في توقيت وبطريقة غير ملائمة لايران. كان السيد نصرالله محق حين قال ان معمر القذافي قد يذهب بليبيا الى "لعبة الامم"، لكنه "لعبة الامم" الاخرى التي حاولت ايران اخذ البحرين اليها. فهي و"حزب الله" استخدما شيعة البحرين للشروع في تحريك "ورقة الشيعة" في الخليج، تفعيلاً لـ"النفوذ الايراني" الذي تتطلع طهران الى فرضه على الدول الكبرى في سياق المساومة على برنامجها النووي.
عدا الضرر الحاصل، ولو غير المقصود، للمعارضة البحرينية، فان السيد حسن نصرالله جنح الى مصادرة السياسة الخارجية للبنان والعبور بها الى افتعال خلاف بين الدولتين اللبنانية والبحرينية. كي يمكن بيروت ان تبرر للخارج ان زعيم حزب لبناني يقول انه يعرف قادة الانتفاضة في البحرين، بمعنى ان لهم علاقة بحزبه، وبالتالي يسمح لنفسه بالاساءة الى علاقة لبنان بدولة شقيقة. في الظروف العادية هذه مسألة تستوجب المحاسبة القضائية، لانها ليست مجرد رأي. أما في ظروف "غلبة السلاح" فيصعب تصور موقف لبناني يليق بدولة.
في خطابه، السبت الماضي، خلال مهرجان التضامن مع الثورات العربية، انتقد السيد حسن الانظمة "التابعة لاميركا" التي "بدل" ان تبادر الى "حوار صادق" واجراء اصلاحات حقيقية، تلجأ الى القمع. ومن الواضح انه يرفض عن حق، "غلبة السلاح" في ليبيا واليمن والبحرين، لكنه لا يرى "غلبة السلاح" في لبنان، ولا يرى ضرورة لـ"حوار صادق" في شأنها. وكما يخطىء في مقاربة المسائل الخارجية، بات يخطىء في الشأن الداخلي الى حد الاشارة الى ان التجمعات والخطابات (المقصود تظاهرة 13 آذار) تمت من دون ان يحصل أي أذى. ويؤمل بأن يكون صارماً في اللجوء الى القضاء لمحاسبة "المتآمرين" في ما كشفته وثائق "ويكيليكس"، لا ان يكون كلامه دعوة الى انتقامات اهلية. وفي أي حال، اصبح اللبنانيون يعرفون بفضل تلك الوثائق ما قاله فريق لبناني، لكنهم لن يعرفوا ابداً ما يقوله الفريق الآخر للذين "يتآمر" معهم.

السابق
محنة “الاستشراق الإسرائيليّ” في زمن الانتفاضات
التالي
الشعوب تكتب تاريخها