يَغرُف فريق 8 آذار من منجم الذهب في "ويكيليكس" كل يوم. يختار الوجبة ويضعها على المائدة الإعلامية، المكتوبة والمرئية. لكل يوم مادّته الخصبة: اليوم يناسب أن نختار للسنيورة أو لحمادة أو للحريري أو للمرّ، ما يخدم حربنا على المحكمة. وغدا نختار لجعجع والجميّل وحرب ومعوض ما يخدم معركتنا السياسية داخل الصف المسيحي. ومن أجل "الصدقية"، نأخذ في طريقنا بعضا من "العونيين" جرى اختيارهم بـ "عناية". وهكذا، نصطاد كل يوم من مئات الآلاف من الصفحات الالكترونية الشاردة، مادة جديدة مفيدة. وَفّر دانيال أسانج على 8 آذار عناء التفتيش عن مادة للمعركة. ظهر أسانج وكأنه واحد من أقطاب الغالبية الجديدة وحليف عتيق لسوريا وإيران! ولو أراد هذا الفريق تأسيس موقع إلكتروني رأسماله مئات الآلاف، بل الملايين من الدولارات، لما استطاع بناء ثروة من المواد كتلك التي يعمل عليها في "ويكيليكس"، وهو يريد من خلالها تحقيق "ضربة العمر"، أي إسقاط المحكمة الدولية والخصوم في آن معا. "شطارة"… ولكن شباب متفرغون للمعركة، يتقنون الانكليزية، يتولّون "غربلة" ما يعلق في الشبكة. وأخيرا يجري "تخريج المادة" وفقا للمقتضيات. "شطارة" في الدعاية السياسية. وهذا مسموح به. لكن هناك ملاحظات وأسئلة يجدر التوقف عندها، كي تكتمل عناصر "الشطارة" مثلا: 1 – لا بد من أن هناك وقائع ومعلومات ومواقف واردة في الوثائق، وهي تخدم أقطاب 14 آذار، ومن الأمانة نشرها وعدم الاكتفاء بالجوانب السلبية، ولكن يجري حجبها لغايات سياسية. 2 – هناك كلام لبعض هؤلاء الأقطاب جرى كشفه، وهو لا يقدّم جديدا، لأن أصحابه يقولونه علنا، او هم قالوه في المرحلة التي تحددها الوثائق. ولكن جرى تسليط الضوء عليه اليوم وكأنه "فضيحة". وهذا ينطوي على تجاوز لدور الإعلام في احترام ذكاء الرأي العام. 3 – هناك معلومات يجري تسريبها من دون إتاحة المجال للتأكد من دقة مضمونها وتسلسلها، وعدم وجود اجتزاء فيها. تقدم "المادة" إلى الرأي العام مثلا عبارة "لا إله" في مقطع معيّن، وأما "إلّا الله" فلا تجدها إلّا في مقطع آخر ليست فيه عبارة "لا إله". ولا قدرة لأحد على إدراك الآية كاملة، لأن لا قدرة على اكتشاف "ويكيليكس" بالكامل. احد الزملاء الصحافيين، أطال الله عمره، يقول لي دائما: قلت كذا لفؤاد شهاب، وقال لي جمال عبد الناصر كذا، وعقدت اتفاقا مع رياض الصلح. وطبعا، لا طاقة لي على الإطلاق لإثبات صحة كلام صاحبنا، لأنني حاولت مرارا ان اسأل الزعماء الثلاثة عن ذلك، ولم احصل بعد على جواب! الأميركيون و8 آذار تسأل قطبا في 8 آذار: لماذا لا تنشرون من وثائق "ويكيليكس" ما يكشف بعضا من أسراركم ايضا؟ فالاميركيون على تواصل مع عدد كبير من نوّابكم ووزرائكم وسياسييكم، ولا بد من ان يكون قد جرى تدوين العديد من الوقائع، فأين هي؟ ولماذا لا تُنشَر للأمانة فقط؟ وطبعا، لا يأتي رَد على هذا السؤال. وفي اي حال، لنفترض ان هناك "ويكيليكس" ايرانيا أو سوريا جرى كشف محتوياته، تُرى، ماذا كان يمكن ان يتضمن من أسرار؟ الأرجح أن 8 آذار لا يتمنى وجود موقع كهذا، لأنه قد يجلب الكثير من اوجاع الرأس، حتى داخل هذا الفريق. ويعتقد احد المعنيين في 14 آذار ان فريقه مقصّر في المواجهة، وانه قادر على خرق "ويكيليكس" وسواه، لو لم يتخذ منذ اليوم الأول موقع الدفاع عن النفس فقط، بل موقع ردّة الفعل. وهذا التقصير هو الذي أوصل 14 آذار الى فقدان الأوراق واحدة تلو أخرى، منذ العام 2005. وهو ما اعترفت به 14 آذار يوم "الأحد الكبير"، وعاهدت جمهورها على عدم الوقوع فيه مجددا. "بالأمانات" "مكتشفات" "ويكيليكس"، وفقا للمصدر ذاته، تؤكد في اي حال ان هناك خللا في الحياة السياسية اللبنانية، نتيجة أجواء الكبت. فقد يكون بعض ما قيل امام السفراء تعبيرا عن مواقف لم يستطع اصحابها التعبير عنها في العلن، لأنهم سيواجهون عندئذ بتهمتي الخيانة والتآمر، وربما "يعاقَبون" على هذه المواقف. وفي المقابل، لا ينفي احد من نواب 8 آذار ان هناك كلاما يقوله فريقه داخل الجدران المقفلة، او في بعض الاوساط السياسية والديبلوماسية، يختلف عن الكلام الذي يقال في العلن. فـ "المجالس بالأمانات"… إذا بقيت بعيدة من دانيال أسانج، أو أي "أسانج آخر" قد يولد في ليل الشرق الاوسط ذات يوم. "ويكيليكس" للجميع لكل امرئ "ويكيليكس". ولا فضل لامرئ ورد اسمه في اي "ويكيليكس" على آخر، إلّا بالقدرة على التخفّي. وسيكون الحل بمكاشفة صريحة يقوم بها الجميع علنا، ويتاح فيها لكل طرف ان يقول كلمته من دون ان ينتظره احد "على الكوع"… وإلا فالبحث عن "ويكيليكس" مقابل "ويكيليكس"، يقابله أن يكون هناك واحد لـ 8 وآخر لـ 14. عندئذ تنتفي الحاجة الى "الشطارة"، ويتأكد جماعة "ويكيليكس" الحالي انه عديم الفائدة سياسيا وقانونيا، فيتركون "فأرة" الكمبيوتر التي تلعب في "عبّهم"، ويتوقفون عن ممارسة هواية التفتيش عن الإثارة عبر الإنترنت، ويتوازن الرعب إلكترونيا، "فإذا الله قد عَفا"…
