عون للحريري: ماذا ستفعل الأحد المقبل.. والذي يليه؟

ليس مفاجئا ان يخضع تجمع 13 آذار في ساحة الشهداء الى قراءات متناقضة، وأن يكون الفارق بين تقدير14 آذار وتقدير الاكثرية الجديدة لعدد المشاركين فيه كبيرا جدا، ويمكن القول ان «الهوة الحسابية» التي فصلت رقم المليون الذي روج له منظمو التجمع عن رقم الـ70 ألفا الذي اعتمدته مصادر 8 آذار، إنما تساوي حجم «الهوة السياسية» التي تباعد بين خيارات الطرفين.
وبما ان خلاصات فريقي المواجهة في البلد بدت متعارضة الى هذا الحد ولم تلتق حول أي استنتاج مشترك، فإن مؤدى ذلك ان التجمع الذي نُظم ضد السلاح لن يعدل شيئا في موازين القوى القائمة ولو انه ساهم في تظهيرها بشكل أوضح، كما انه لن يغير أمرا جوهريا في المشهد العام الذي كان سائدا قبل 13 آذار، وإذا فعل فهو سيدفع الرئيس نجيب ميقاتي الى الاسراع في تشكيل الحكومة… ليس إلا… وهذا هو المناخ الذي ساد غداة تجمع ساحة الشهداء.
صحيح، ان المعارضة الجديدة ستقيم خلال الايام المقبلة فوق تلة «المجد الافتراضي» ليوم 13 آذار، وربما تصيبها موجات من «النرجسية السياسية» التي ستجعلها تعتقد ان صواريخ «حزب الله» باتت عبئا عليه، ولكن لن يطول الوقت قبل ان تكتشف ان مطلب إسقاط السلاح ـ ولأسباب موضوعية ـ ستتوارثه أجيال 14آذار، الواحد بعد الآخر، وأن المهرجان الذي سيُنظم عام 2021 سينادي ايضا بإسقاط السلاح، من دون إغفال المعنى الرمزي لمناداة شريحة من اللبنانيين علنا ـ وبمعزل عن وزنها العددي ـ بهذا المطلب الذي يستوجب وفق رأي المتحمسين له التأمل في دلالاته ومعانيه.
أما قوى 8 آذار التي يفترض ان تكون رسالة تجمع 13 آذار موجهة اليها بالدرجة الاولى، فقد أصبحت بعد مهرجان أول من أمس أكثر إصرارا على التمسك بسلاح المقاومة مما كانت عليه في 12 آذار.
ليس خافيا ان حجم الحملة السياسية والاعلامية التي نظمتها المعارضة الجديدة لتأمين أكبر حشد ممكن في ساحة الشهداء قد أقلق نسبيا خصومها الذين لم يكن ليروقهم بالطبع ان تنجح تلك التعبئة في تـأليب جزء واسع من الرأي العام اللبناني ـ وخصوصا السني منه ـ ضد سلاح المقاومة، بمعزل عن عدم القدرة على التأثير عليه. لكن، وما ان خلع الرئيس سعد الحريري سترته وربطة العنق استعدادا لإلقاء كلمته حتى تبدل المزاج العام في أوساط الاكثرية الجديدة التي اعتبرت في تلك اللحظة ان المهرجان تلقى ضربة على يد أحد أبرز منظميه، بعدما أظهر قدرا من الخفة في التعامل مع قضية استراتيجية بحجم سلاح المقاومة، ثم جاء خطاب الحريري معطوفا على الصورة العامة للمهرجان، كي يُكمل من وجهة نظر تلك الاوساط الإجهاز على أي فعالية ممكنة للحملة التي تشن ضد «حزب الله».
ويقول العماد ميشال عون لـ«السفير» ان أزمة تجمع 13 آذار تكمن في كونه من دون غد، وشعاره الموجه ضد سلاح المقاومة يفتقر الى أي مدى أو إمكانيات، متسائلا: ماذا سيفعل سعد الحريري الاحد المقبل، والاحد الذي سيليه؟ هل سيقوم كل مرة بالتعبئة السياسية والشعبية حتى يظل شعاره الجديد حيا؟ ويضيف عون: مهما قال الحريري وفعل، سيكتشف انه لن يبارح مكانه، لانه يخوض معركة خاطئة وخاسرة بكل المقاييس.
وعن دوافع قوله بأن رفيق الحريري تحول الى فقيد العائلة، يلفت عون الانتباه الى ان تيار المستقبل وحلفاءه يتهموننا منذ سنوات بما لم نرتكبه، وهم حرضوا ضدنا في الانتخابات النيابية على قاعدة ان من يقترع للوائحنا يكون قد اقترع للقتلة، وهذه الثقافة القائمة على الأحكام المسبقة ما تزال سارية بأشكال مختلفة حتى اليوم. ويتابع مبتسما: ما داموا يصرون على إصدار الاحكام المسبقة بحقنا، وما دمنا قد دفعنا ثمنها سلفا، فلماذا نُظلم مجانا..
وتذهب مصادر قيادية في 8 آذار الى حد الافتراض أن تجمع 13 آذار انقلب من كونه استفتاء ضد المقاومة الى استفتاء لصالحها، انطلاقا من الاعتبارات الآتية:
ـ ان المشاركة السنية لم تكن بالكثافة التي كان يتمناها الحريري، وخصوصا على مستوى المدن الرئيسية كبيروت وطرابلس وصيدا، ما يعزز موقع «الغائبين» من الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي الى الجماعة الاسلامية والحركات السلفية. وعلى الاقل، فإن حيثية هؤلاء داخل طائفتهم أقوى بكثير من حيثية غازي يوسف داخل الطائفة الشيعية.
ـ إن من يقود الحملة على السلاح بحجة رفض استخدامه في الداخل يفتقر الى المصداقية، باعتبار ان قوى 14 آذار الاساسية والتي شاركت في تجمع البارحة، سبق لها عبر تاريخها الحديث، ان استعملت سلاحها في الداخل ووجهته نحو لبنانيين يخالفونها في الرأي، كما تدل تجارب حزبي الكتائب و«القوات اللبنانية» خلال الحرب، من مجزرة اهدن الى الصفرا والانتفاضة ـ المجزرة ضد مجموعة ايلي حبيقة ومجزرة صبرا وشاتيلا وصولا الى مجزرة حلبا عام 2008 و«يوم الغضب» الذي نظمه «تيار المستقبل» مؤخرا بعد خروج الحريري من رئاسة الحكومة وما رافق ذلك من اعتداءات على الجيش اللبناني والاعلاميين وأعمال حرق وتدمير للممتلكات.
ـ ان المقارنة بين الطبعة الاصلية لـ14آذار 2005 والطبعة المعدلة في 13 آذار 2011 تُبين ان هناك تحولات جذرية طرأت على بنية الفريق ذاته وأضعفته، إذ انه كان يعكس في السابق حصرية سنية ومسيحية (بوجود عون) ودرزية وسط تضعضع شيعي، أما اليوم فإن الصورة مقلوبة، في ظل تراجع تمثيله السني وامتلاكه بالكاد نصف الساحة المسيحية وافتقاره شبه التام الى الوزنين الدرزي والشيعي.
ويبقى السؤال، أين «حزب الله» من مشهد الأحد الماضي؟
يشعر الحزب بارتياح شديد الى دلالاته، وحسب المطلعين على أجوائه، فهو يعتبر ان المقاومة هي اليوم أكثر اطمئنانا من أي يوم مضى بعد الوفاء الذي أبدته غالبية اللبنانيين حيالها، «لا سيما في صفوف الطائفة السنية التي أثبتت مرة أخرى انها طائفة العروبة والمقاومة ولا يمكن ان تنساق بشكل أعمى خلف طروحات تحريضية، لا تلتقي مع تاريخها وتراثها».
ويعتقد القريبون من مناخ «حزب الله» ان المطلوب من الرئيس سعد الحريري أولا ان يحسن التقاط إشارات البارحة وأن يراجع حساباته في ضوئها، لئلا ينزلق نحو المزيد من الإخفاقات ولئلا يفقد ليس فقط رئاسة الحكومة بل أيضا قابلية ان يكون مرشحا لتوليها، في المستقبل.

السابق
افتتاح معرض الفنان سعيد الأشقر في صور
التالي
زوار سليمان: الرئيس لن يوقّع على مراسيم تشكيل حكومة من لون واحد