آذار: المواطنون الشيعة

منذ العام 2000 عندما بدأ صوت معارضة سلاح المقاومة يرتفع بعد انسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب اللبناني، منذ ذلك التاريخ والإشاعة تقول أن الشيعة في لبنان هم كتلة متراصة يحركها "حزب الله" كيفما يشاء ويعاونه تابعه حزب "حركة أمل". والإشاعة تلك أخذت مداها حتى صدق الجميع أن كل أفراد الطائفة الشيعية في لبنان يقدسون سلاح "حزب الله"، وأنهم يدعمون كل سياسات الحزب في جميع الاتجاهات التي تذهب بها، وكأنما الطائفة الشيعية ورقة في مهب ريح حزب الله.
لكن الإشاعة مهما تكرّرت تبقى إشاعة ولا تتحول الى حقيقة. وهذا ما تأكد في 14 آذار 2005 في ذكرى مرور شهر على إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، فقد شارك في تلك التظاهرة عدد كبير من اللبنانيين الشيعة، هؤلاء الذين أرادوا أن يعلنوا أن "الحق كالزيت دائماً من فوق"، وأن لبنان دفع ما يكفي ثمناً لمعركة العالم العربي مع إسرائيل وآن أوان راحته. وكان هؤلاء أفراداً تارة، وجماعات تارة أخرى. منهم المثقفون والكتاب والصحافيون الذين كتبوا رأيهم هذا في معظم الصحف اللبنانية، وأعلنوه صراحة في مجتمعاتهم المحلية.
هؤلاء المواطنون اللبنانيون الشيعة لم يتوقفوا عن إعلاء صوتهم في كل "14 آذار" من السنوات التالية، هم قلة أمام الحشد الهائل، لكن صوتهم كان كصوت المنادي الذي ترجع صداه أصوات كثيرة. الى ان جاء 13 آذار بعد ست سنوات من إنطلاق "ثورة الأرز". كانت قد تجمعت أسباب كثيرة لرفض الصوت الواحد داخل الطائفة، ولرفض الخطاب الضدي الموّجه الى الطوائف الأخرى. كانت حرب تموز في العام 2006 التي دفّعت اللبنانيين وعلى رأسهم الجنوبيون أثماناً باهظة، سبباً أول لتأكيد التحوّل نحو الانفتاح على الخطاب اللبناني الآخر، وبالتالي لاستعادة شعارات قادة الطائفة الشيعية وأئمتها الذين إنتبهوا مبكراً الى انه ليس بالإمكان أخذ الطائفة في طريق المواجهة مع الطوائف اللبنانية الأخرى، ولا إبعادها من تحت خيمة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية، ورفض قيام دولة داخل الدولة تحت أي مبرر او هدف. لذا ترددت في تظاهرة أمس هذه الشعارات تلك التي أطلقها الامام موسى الصدر والامام محمد مهدي شمس الدين من بعده، والسيد محمد حسين فضل الله قبل وفاته، والذي قال إن "الحقد موت والمحبة حياة، وانا اريد ان احيا ولا اريد ان اموت". إستخدم هؤلاء المشاركون في التظاهرة جملة العلامة الراحل للرد على كل محاولات بث الحقد في نفوس جماعة كبيرة من اللبنانيين الشيعة، عبر خطب تعتبر حماة المحكمة الدولية منفذين لسياسات الاميركية-اسرائيلية، والمطالبين بالسلاح الشرعي "اسرائيليين" بواسطة شعار حاقد نشر على لوحات الطرق: "إسرائيل أيضا تريد إسقاط السلاح". ورفع هؤلاء المشاركون شعار الامام شمس الدين وهو من وصاياه الشهيرة الذي يقول فيه:"اوصي ابنائي ان لا يخترعوا لنفسهم مشروعا خاصا"، هذا الشعار المستعاد من تجربة الامام الراحل الذي دأب على ان تكون الطائفة الشيعية في داخل النسيج اللبناني الأساسي لا على هامشه، عبر مشاريع خاصة يريدها البعض في الطائفة خدمة لمشاريع خارجية أخرى تبعد الطائفة عن تاريخها وعن جغرافيتها أيضا.
هذه الشعارات التي رفعها المشاركون الشيعة في تظاهرة أمس لم تكن جديدة فهم طالما رددوها في السنوات السابقة، ولكنهم في هذه السنة أرادوها مرفرفة لامعة وعالية، لأن الوقت قد حان لكسر حاجز الخوف، ولقول الحقيقة كل الحقيقة، لكل من يريد إخفاءها.
  

السابق
8 آذار: ما حصل أمس يشبه المهرجان التقليدي..والرد سيكون بحكومة قويّة متماسكة
التالي
إسرائيل وقوى 14 آذار