لماذا يُقلق التغيير إسرائيل؟

بدأت رياح التغيير التي يشهدها العالم العربي تلقي بانعكاستها على اسرائيل. ويحاول رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ان يواكب التغيير بطرح مبادرة يقوم مضمونها على رسم حدود موقتة لدولة فلسطينية على ان ترجأ القضايا الشائكة مثل الحدود الدائمة والقدس واللاجئين الى مواقيت أخرى. وعلى رغم ان نتنياهو يعلم مسبقاً ان خطته لن تلقى قبولاً لدى الجانب الفلسطيني، فإنه يعتبر ان هذا أقصى ما يمكن حكومته الائتلافية ان تقدمه حتى لا تتعرض للانفجار من الداخل.
على ان خطة نتنياهو ليست المظهر الوحيد للقلق الذي يستبد باسرائيل منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي ولا سيما في مصر. فاسرائيل تخشى ان تصب التغييرات في مصلحة ايران التي تعتبرها الدولة العبرية خطراً استراتيجياً عليها بسبب علاقاتها الوثيقة مع سوريا ومع "حزب الله" وبسبب مضيها في تطوير برنامجها النووي.
من الواضح ان اسرائيل كانت مستكينة الى حال الركود السياسي التي عاشت فيها مصر منذ التوقيع على معاهدة كمب ديفيد عام 1979. وكانت مطمئنة كل الاطمئنان الى ان المعاهدة تتيح لها التفرغ للتركيز على الجبهة الفلسطينية والجبهة الشرقية. أما الان فثمة شيء تغير في الجنوب ولم يعد في وسع الاسرائيليين تجاهله.
وعلى رغم ان المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر الآن حرص على الاعلان عن التزام الاتفاقات الدولية التي سبق للحكومات المصرية ان وقعت عليها، وعلى رغم التطمينات التي عاشت بها الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، فإن ذلك لم يبعث الاطمئنان في نفوس الاسرائيليين.
فالاسرائيليون يعلمون ان الرئيس المصري السابق حسني مبارك قامت عصبية حكمه على حراسة معاهدة كمب ديفيد بعد اغتيال انور السادات الذي وقع المعاهدة. وباسم الحفاظ على كمب ديفيد كانت تصل المساعدة الاميركية الى مصر بانتظام، وباسم المعاهدة مدد مبارك لحكمه ست مرات وكان يعد كل شي لانتقال الحكم من بعده الى ابنه جمال، وباسم الحفاظ على المعاهدة تغاضى الغرب عن كل ممارسات النظام المصري بحق المعارضة، وباسم الحفاظ على المعاهدة تساهل الغرب مع نشوء طبقة حاكمة فاسدة في مصر، وباسم الحفاظ على المعاهدة عادى مبارك ايران.
 وبعد سقوط نظام مبارك، تدرك اسرائيل ان أي رئيس مصري مقبل سيكون متحرراً من الاسباب التي جعلت مبارك حارساً اميناً على كمب ديفيد. ولا يعني هذا انه سيكون هناك الغاء للمعاهدة او اعادة للنظر فيها. لكن مجرد ان يعمل الرئيس المقبل على اعادة مصر الى العالم العربي، فإن ذلك ستكون له تبعات سلبية على اسرائيل.
وبمجرد عودة مصر الى ممارسة دور اقليمي فاعل فإن ذلك يعني مباشرة اهتماماً بالقضية الفلسطينية غير الاهتمام الذي كان يمارسه مبارك. ولن يكون الرئيس المصري المقبل ملزماً اغلاق معبر رفح ومساعدة اسرائيل في حصارها لقطاع غزة. وهذان امران تبرع بهما مبارك كي يثبت لاسرائيل حسن نياته تجاهها وكي يدعم المسؤولون الاسرائيليون في اميركا فكرة التوريث في مصر.
القلق الاسرائيلي من التطورات الجارية في العالم العربي ليس ناشئا من فراغ، بل من حسابات بعيدة المدى. وأي اهتزاز اليوم في الاردن مثلاً من شأنه ان يضاعف موجة الهلع في اسرائيل. ويبدو ان المسؤولين الاسرائيليين لا يزالون يحاولون مواجهة التغييرات من حولهم باساليب قديمة مثل زيادة الانفاق على الموازنة العسكرية لتحصين كيانهم من أي مفاجآت في المستقبل. ومن هنا كان الطلب من الولايات المتحدة مساعدات عسكرية إضافية بـ20 مليار دولار.
تحاول اسرائيل ان تقاوم التغيير في العالم العربي كي تحافظ على طابعها القديم وكي لا تكون مضطرة الى تغيير سياساتها.
 

السابق
حمادة: لرفض الطغيان..
التالي
إجتماع موسّع لرؤساء بلديات إتحاد صيدا – الزهراني