لماذا يلتزم “حزب الله” الصمت عن استهداف سلاحه، وإلى متى؟

ليست المرة الأولى التي يواجه فيها "حزب الله" مثل هذه الحملة الشرسة التي تشنها قوى 14 آذار على سلاح مقاومته بغية محاصرته سعياً الى اسقاطه. ففي الدوائر المعنية في الحزب ثبْتٌ بالعديد من البيانات والتصريحات والحملات التي طاولت هذا السلاح وسعت الى تشويهه وجعله مادة "جذب" وتحريك سياسي أو مادة استفزازية لها ولجمهورها. والدوائر عينها تقيم على يقين مفاده ان الحقبة الزمنية منذ عام 2005 حتى اليوم هي بشكل او بآخر حقبة "التجني" على هذا السلاح وعلى حامليه وعلى أهدافه ومقاصده العليا، اذ انه في كل مرة يجد فيها الفريق الآخر نفسه في حاجة الى "شد اعصاب" او تصعيد مواجهة، أو افتعال سجال او معركة سياسية يلجأ الى التصويب على هذا السلاح، ادراكاً منه ان حملة الاستهداف بعينها توجع الحزب وحلفاءه، وتصيب بالتشويه واحداً من اقدس مقدساته، وهو مشروع المقاومة الذي من أجله قام وعليه استمر وعنه لم يحد.
وادراكاً منهم ايضاً ان الكلام عن السلاح في اي مكان وزمان وتحت اي ظرف من الظروف ينال اهتمام عواصم اقليمية ودولية وتشجيعها، ويلفت قوى داخلية بذاتها، هي بالأصل على عداء مزمن مع السلاح ومسوغاته ويدفعها الى استنفار عصبيتها ويشحذ هممها ويشجعها على الاندفاع والتجييش. وعليه فإن الدوائر ذاتها ترى في امر الحملة المتجددة بشراسة على السلاح المقاوم لها دائماً، وجهين: الأول موسمي يتصل بتزخيم حراك ما او انجاح تظاهرة او ارسال رسالة معينة لمن يعنيهم الأمر، والايحاء لهم بأن تعهدهم الاصلي بانهاء هذا السلاح ودوره لم يزل موصولاً ولم يتم التحلل منه وان ما يجري عادة مع الحزب تفاهمات عابرة هي لزوم المرحلة ليس الا.
والثاني ان الأمر يتصل بتطور مستجد في الداخل أو في الاقليم، وبالتالي لا بد من الانطلاق من نقطة الهجوم على السلاح لتحقيق غايات ومقاصد مضمرة، تتخطى اللحظة الحالية.
لذا فإن الدوائر المعنية في "حزب الله" تعكف منذ فترة على التبصر في اهداف هذه الحملة والنتائج التي يتوخى مطلقوها ان تحققها على المديين العاجل والآجل. واستطراداً فإن السؤال المطروح بالحاح اكبر لدى هذه الدوائر هو هل ان الحملة هذه المرة تتخطى حدود ما هو معتاد ومألوف، أم انها تندرج ضمن سياق يتعدى التحشيد لمناسبة يحتاج منظموها الى مسألة العدد ليثبتوا فيها حضوراً وليدحضوا تهماً بالتقصير والعجز حاصرتهم منذ ان وجهت اليهم الضربة الكبرى المتمثلة بازاحتهم عن سدة السلطة التي قبضوا عليها منذ عام 2005، الى مواقع الاعتراض والمعارضة والسعي الى تعطيل وعرقلة كل وضع سياسي يمكن ان يبنى على مسألة خروجهم، وأن يملأ الفراغ الحاصل؟
بالطبع تعلم الدوائر عينها علم اليقين ان هذا التحريض المفاجئ على السلاح وجعله مادة شبه حصرية للمرحلة الحالية والمقبلة، هو آخر ما تبقى لدى هذا الفريق وبالتحديد لدى عصبه الاساسي وهو "تيار المستقبل" من اسلحة للمواجهة والحشد والرد، خصوصاً في المناسبة "الاهم" لدى هذا الفريق والتي يعتقد انه لن يكتمل عقدها وتحظى بسمة النجاح والمباهاة الا بتوافد الآلاف المؤلفة الى ساحة الشهداء في اليوم الموعود والميقات المحدد.
بمعنى آخر، فإن الدوائر عينها ترى ان حاجة هذا الفريق الى هذا النوع من التعبئة والحشد هي اكبر من اي مرة سبقت. فتداعيات الضربة الموجعة التي تلقاها الرئيس سعد الحريري ولم تكن في الحسبان اطلاقاً لم تزل تفعل فعلها وما تزال ارتداداتها تتواصل لديه ولدى فريقه الى درجة جعلته يتصرف تصرف من فقد اعصابه ويعلن فتحه حروباً دائرية على كل من يعتقد انه ساهم بشكل أو بآخر في توجيه الضربة اليه بدءاً من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مروراً برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، حليف الأمس الأوثق، وبرئيس مجلس النواب نبيه بري، الزعيم الأكثر مرونة واستعداداً لممارسة السياسة والتحاور وعقد التفاهمات وتدوير الزوايا، وبالتالي عدم سد الابواب وقنوات التواصل مع أي فريق، تماهياً مع اداء أي سياسي مخضرم محترف يتقن اللعبة السياسية اللبنانية.
وعلى مستوى قوى 14 آذار نفسها، فلا ريب ان الرئيس الحريري واقطاب فريقه، يتوقفون ملياً عند تقلص عدد المشاركين في هذا اللقاء، اذ بعدما كان جامعاً وفضفاضاً ويكاد يمتلك "النصاب الوطني" بات يعاني من هجران متتال لشخصيات وازنة وفاعلة منه، اذ كان أول مغادريه العماد ميشال عون وتياره ثم النائب جنبلاط وطائفته كاملة، وأخيراً وليس آخراً غياب الوزير محمد الصفدي الذي بات باعتراف الجميع، جزءاً اساسياً من المعادلة السياسية في "عاصمة السنة" وفق المصطلح الذي يصر النائب محمد عبد اللطيف كبارة على استخدامه والمباهاة به.
ولم يكن اختيار الرئيس ميقاتي لتأليف الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة الحريري سوى "ثالثة الاثافي" في "مسلسل" الضربات لفريق 14 آذار، فهذا الاختيار اسقط السلاح الأكثر مضاء لدى الحريري وفريقه وهو "حصرية الزعامة السنية" بيده وحدث"توّج" سلسلة تراجعات للزعامة الحريرية داخل هذه الطائفة كانت اوضح تجلياتها في نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت في البقاع الأوسط والغربي وفي الشمال قاطبة، اذ أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك تقدم خصوم الزعامة الحريرية او اولئك الذين تمردوا عليه وخرجوا من تحت عباءتها على مر الأيام، مما شجع المتابعين لمآل هذه الزعامة على الاستنتاج بأن تيارها، "تيار المستقبل" ولج عنق الأزمة، وهو بعد في اوائل أيامه، وبات يحتاج الى جهود استثنائية لجمع شتاته، ورأب صدعه، ويحتاج ايضاً الى "عصبية" وابتكار "عدو خارجي" علّ ذلك يعيد اليه الزخم المنشود. وهو أمر اخفقت احداث 25 كانون الثاني وما تخلله من نزول الى الشارع في تعويضه خصوصاً بعدما احبطت مساعي هذا الحراك غير الحضاري في ثني ميقاتي عن المضي قدماً في المهمة التي تصدّى لها طائعاً مختاراً. وعليه لا يخفى لدى دوائر الحزب احتمال ان تستبطن هذه الحملة هدفاً آخر غير الحشد والتعبئة وتعويض ما فقدته بين عشية وضحاها ومن غير توقع، وهو ممارسة المزيد من الضغط على الرئيس المكلف، اما لعرقلة مهمته، أو لدفعه الى العزوف والاعتكاف، فتثبت بذلك لمن يعنيهم الأمر صحة ما تزعمه وهو ان فريق 8 آذار عاجز عن ادارة البلاد لوحده وقاصر عن الاقلاع في مهمة الامساك بزمام الامور السياسية، واستتباعاً الاقتصادية والمالية بمفرده، مما يعني تكريس ما يخوِّف منه دوماً فريق 14 آذار من ان حكم الفريق الخصم يعادل الأزمة المفتوحة. وثمة لدى الدوائر عينها انطباع واستنتاج فحواه ان فريق 14 آذار بكّر وسرّع في "معركة السلاح" وصعد بها الى مساحات لم تكن مسبوقة، لأنه لا يريد ان يدع لفريق 8 آذار حتى فرضية الاستفادة من جراء تداعي اجزاء مهمة من المعادلة الاقليمية التي كانت تؤمن الرفد والدعم له طوال الفترة السابقة، وأهم اركانها نظام حسني مبارك المخلوع، فضلاً عن حالة الارتجاج التي يعيشها النظام السعودي منذ فترة وهي ناجمة عن ازمة رباعية الأوجه.
واذا كانت تلك باختصار الخطوط العريضة للمعطيات المعلنة التي أملت على "تيار المستقبل" ان يشن حربه على سلاح المقاومة، فإلى أين يمكن ان يصل بها؟ واستطرادا ما هي المقاصد المضمرة منها؟
لا تشكك الدوائر عينها في "حزب الله" لحظة في ان هذه الحملة بتنويعاتها، حملة عبثية خاسرة، لاتجدي ولا تنفع وليس ثمة اي مؤشرات مرئية أو غير مرئية توحي ان هذه الحملات من شأنها ان تقلب المعادلات القائمة، ومن بينها المعادلة التي قيضت للأكثرية الجديدة فرصة الاطاحة بحكومة الحريري الأولى. ولا ريب ان الحريري يدرك ان المعارك السابقة التي خيضت ضد السلاح المقاوم باءت بالخسران والفشل وارتدت خسائر على الذين بادروا الى شنها، وهي أمر لم يتغير بعد.
بالطبع تضع الدوائر عينها وهي تسبر أغوار الحملة وخفاياها احتمال ان تكون تلاقي أمرين اثنين: الأول، عمل عسكري اسرائيلي او رهان على تحولات في المنطقة، وكلاهما ينم عن سذاجة في التفكير وتسرع في التحليل، فرياح هذه التحولات تجري وفق ما تشتهيه قوى الممانعة ومحورها في المنطقة. و"الهدف" الاساسي الذي تجد دوائر الحزب ان "تيار المستقبل" يريده من وراء تصعيد حملته على السلاح على هذا النحو هو ذو شقين:
الأول، ان لا تقوم قائمة لحكومة تحكم، أي ان يبقى "الخراب" والتعطيل سيد الموقف وتبقى البلاد على صفيح ساخن.
الثاني، ان تزداد الشروخ في الجسد اللبناني الى اقصى الحدود، وتحديداً الشرخ المذهبي، إذ من شأن ذلك ان يعيد الاصطفاف الى سابقه في داخل الشارع السني، وبالتالي يضع ذلك الأمر البلاد على "شفير الهاوية"، وهو واقع يخدم توجهات الفريق المقصى حديثاً عن واجهة السلطة، خصوصاً اذا ما نجحت هذه الحملات في استدراج ردود فعل من جانب فريق سلاح المقاومة وجمهوره العريض.
وماذا سيكون رد فعل "حزب الله" وحلفائه؟
التعليمات التي اعطاها الحزب لجمهوره وكوادره تتلخص في ضبط النفس الى اقصى الحدود، والحيلولة دون النزول الى الميدان الذي يريده "تيار المستقبل" تماماً كما حصل في احداث "يوم الغضب" في 25 كانون الثاني وترك مهمة الرد على الحملات على السلاح للقوى والرموز الحليفة للحزب في الساحات المتنوعة.
أما الرد الآخر الذي يرى الحزب انه سيكون الاكثر فاعلية وتأثيراً فهو المساعدة في انبثاق حكومة الرئيس ميقاتي، ودفعها باتجاه ان تكون حكومة مميزة وفاعلة وتنجح في تقديم تجربة حكم جديدة توحي الثقة والاطمئنان.
واذا ما نجحت قوى الاكثرية الجديدة في التزام هذين الأمرين معاً تستطيع عندئذ القول إن اهداف الحملة على السلاح قد باءت بالخسران المبين.

السابق
هل السلاح هو عنصر القوة الوحيد لـدى “حزب الله”
التالي
الشرق الأوسط الجديد يستحق أكثر من إسرائيل القديمة!