لبنان في مؤشّر مدركات الفساد: غياب الشفافية يرتبط بالنظام ولخطوات تستكمل المصادق

لا يقتصر الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد على شل السلطات الرسمية والمؤسسات والادارات العامة التابعة لها. اذ من ابرز تداعيات هذا الواقع، تعثر الاصلاحات التي من شأنها تعزيز الشفافية والحكم الصالح في البلاد، مما ادى الى ابقاء لبنان في الدرجات الدنيا لمؤشر مدركات الفساد في الاعوام الثلاثة الماضية، وفقا لما تظهره دراستان صادرتان عن "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية". ففيما تناولت الدراسة الاولى نظام النزاهة الوطني عبر عرض لآليات الوصول الى نموذج ديموقراطي مقارنة مع دول عربية وارتباط غياب الشفافية بهيكلية النظام اللبناني الذي يعتمد ديموقراطية توافقية تقوم على تقاسم السلطات بين المجموعات الطائفية، تسلط الثانية الضوء على مدى تطابق الفصل الثاني من اتفاق الامم المتحدة لمكافحة الفساد مع القوانين اللبنانية.

فساد ومراتب

سجل لبنان 3 من اصل 10 بحسب مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2008 (وفقا لسلم يمثل فيه الصفر اعلى درجات الفساد وصولا الى 10، اعلى درجات الشفافية). وقد احتل المرتبة 102 من اصل 180 بلدا شملتهم الدراسة. وبقي التصنيف على حاله في العامين الماضيين، الامر الذي عكس تعثر الاصلاحات نتيجة الاضطرابات السياسية التي شهدتها وتشهدها البلاد. وفيما يلاحظ العاملون على الدراسة غياب بعض المؤسسات التي تساهم في تحسين الاداء على صعيد الشفافية والحكم الصالح في لبنان كوسيط الجمهورية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يتحدثون عن ضعف العلاقة بين المواطنين والدولة، مما يؤثر مباشرة وسلبا على المساءلة والفصل بين السلطات وفاعلية المؤسسات العامة.
في اي حال، تبين الدراسة الارتباط العضوي بين غياب الشفافية والنزاهة والمساءلة وهيكلية النظام اللبناني، وقد ادى "نظام تقاسم السلطات الى استقطابات داخلية واقليمية ودولية واضطرابات امنية متكررة".
الى ذلك، انعكس ضعف الوضع الاقتصادي على سير النظام الوطني للنزاهة، ولا سيما ان الاقتصاد اللبناني بات يعتمد بعد الحرب، وفي شكل كبير على المساعدة والدعم الاجنبيين لاعادة الاعمار، وفقا لمعدي الدراسة. وفي الحصيلة، يرزح لبنان اليوم تحت عبء مديونية تقدر بـ 50 مليار دولار اميركي، الامر الذي يشكل تحديا امام النظام اللبناني.
ولعل التحدي الابرز الذي تواجهه المؤسسات اللبنانية يتمثل في غياب الاطار القانوني لمواجهة الفساد بعد مصادقة لبنان على اتفاق الامم المتحدة لمكافحة الفسادUNCAC، من دون استكمالها بالآليات اللازمة لارساء هذا الاتفاق الذي يبقى غير واضح الى اليوم. وفي هذا الاطار، تبرز امثلة عدة، كغياب تشريع خاص يتعلق بحق الوصول الى المعلومات والقانون خاص بحماية كاشفي الفساد.
لذا، تدعو الدراسة الى اعتماد مقاربة متماسكة لتقوية نظام النزاهة اللبناني وتعزيز التعاون بين القطاعات والمؤسسات والدفع نحو استحداث مؤسسات في هذا المجال لضمان سيادة القانون والتنمية المستدامة.

مطابقة التشريعات

وفي عرض لواقع مطابقة التشريعات اللبنانية لمواد الفصل الثاني من اتفاق الامم المتحدة لمكافحة الفساد، يتبين الآتي:
– لا وجود لاستراتيجيا وطنية لمكافحة الفساد في لبنان، عملا بالمادة 5 التي تتضمن سياسات وممارسات مكافحة الفساد الوقائية.
– لا هيئة لمكافحة الفساد، علما ان انشاءها يحتاج الى تشاور وطني في ظل تجارب غير ناجحة في هذا الاطار ووجود اقتراح قانون لمكافحة الفساد، وفقا لما تنص عليه المادتان 6 و2، 13 من اتفاق الامم المتحدة.
– الحاجة الى اعادة صوغ المعايير في مسألة التوظيف والترشح الى مناصب الادارات العامة والتعيين في ظل الفوضى التي تعانيها الادارات العامة (المادتان 7،1 و7،2).
– اعادة النظر في اجراءات تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العامة من خلال تعديل قانون الانتخاب وعدم اعتماد معايير مراقبة تمويل الاحزاب السياسية راهنا (المادة 7،3).
– اقرار مشروع القانون الذي قدمه مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية عن تضارب المصالح، علما انه يشمل راهنا موظفي الادارات العامة وليس الوزراء والنواب ورؤساء البلديات (المادتان 7،4 و8،5 ).
– وجود مدونات لقواعد سلوك الموظفين، الا ان تطبيقها يحتاج الى تنفيذ قانون العقوبات.
– غياب القوانين التي تقضي بحماية المبلغين عن حالات الفساد (المادة 8،4).
– تفعيل قطاع المناقصات بما يتوافق مع الاتفاق الدولي لجهة اقرار قانون جديد للمناقصات وانشاء هيئة جديدة لها واعتماد دفتر شروط نموذجي وتدريب الموظفين (المادة 9،1).
– اعتماد معايير جديدة في اعداد الموازنة والتزام القوانين لا سيما لجهة سنوية الموازنة وشموليتها، وهما عنصران لا يتم احترامهما نتيجة الانقسام السياسي والحاجة الى تطوير الادارة.
– يتوافق واقع السلطات القضائية مع متطلبات الاتفاق الدولي، بحسب الدراسة، فيما تبرز توصية بدعم المبادرات الاصلاحية وخصوصا لجهة مكننة الدوائر وتطويرها ودعم استقلال القضاء (المادة 11 ).
– اظهرت الدراسة ان القطاع المصرفي هو الاكثر نشاطا في تعزيز الوقاية من الفساد، غير ان مكونات القطاع الخاص تشكو من عدم تطبيق الحكم الرشيد في الشركات الامر الذي تثبته النسبة المرتفعة للتهرب الضريبي. وفي هذا المجال، توصي الدراسة بتعديل قانون التجارة لادخال الحكم الصالح الى الشركات .
– رغم ان الدراسة تلاحظ نشاطا لدى المجتمع المدني في مكافحة الفساد، الا انها تدعو الى تطوير هذا الواقع.
– يبين المسح ان لبنان اتخذ ويتخذ مبادرات ادارية وقانونية عدة لمكافحة غسل الاموال عبر اقرار قانون مكافحة تبييض الاموال، اضافة الى انشاء لجنة التحقيق الخاصة، وهو يوصي بتطوير هذه الجهود.
وفي الختام، دعوة الى ان تشكل الدراسة اداة اساسية تؤدي الى دفع السلطات الدستورية الثلاث وخصوصا التشريعية في اتجاه ممارسة النواب صلاحياتهم التشريعية والرقابية، في مراجعة مواد الاتفاق الدولي، بالتزامن مع اعتباره اداة للاصلاح والتطوير عبر مساعدة صناع القرار على تحديد الاولويات التي يجب اتخاذها بهدف مكافحة الفساد.

السابق
مقال ل«بيار عطاالله» بعنوان: 14 آذار
التالي
مرفأ الصيادين في مهبّ الباطون والإهمال المتراكم