تونس: ولادة جديدة لـ«ربيع العرب».. و«الفلول» جزء من!

انتخابات تونس
الانتخابات التشريعية في تونس أظهرت ان ما جرى أبعد ما يكون عن انتصار وهزيمة لأي طرف من الاطراف ، بل هو مزيد من انتصار للفكر الديموقراطي الذي يواكب حقوق الانسان، وهو بدأ بالتجذّر في تونس الخضراء والامل أن يعمّ الجوار كحركة تصحيحية سلميّة لـ"الربيع العربي" الذي ما زال عالقا بين الحاكم المستبد و لفكر الظلامي التكفيري.

ما ان اعلنت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس قبل يومين، مسفرةً عن فوز «نداء تونس» العلماني بأغلبية 41 بالمئة من مقاعد البرلمان، وأقصى بذلك «حزب النهضة» عن صدارة المشهد، حتى انتابت الاعلام العربي موجة من التهليل لهذا المشهد الجديد والمفاجىء، والذي سوف يكون برأيهم بداية لنهاية طموحات الحركات الاسلامية ورغبتها بالحكم والسيطرة في بلدنا.

في المقابل اتّشح بعض الاعلام العربي بالسواد حدادا على عودة أحد رموز النظام السابق الى السلطة وهو العجوز الداهية مؤسس حركة “نداء تونس” الباجي قائد السبسي الذي تولى مناصب وزارية عدّة كما تولّى رئاسة البرلمان أيضا في زمن حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وقد استغلّ هذا الاعلام عودة السبسي الى الحكم من أجل اسقاط ما حدث على باقي الثورات والإيحاء بإمكانية عودة عسكر حسني مبارك الى الحكم في مصر وعودة أعوان معمّر القذافي إلى الحكم في ليبيا، وبناء عليه بدأ التسويق لبقاء الأنظمة الحاكمة في الدول العربية على حالها، على اعتبار أنّ الشعوب وجدت أنّ تلك الأنظمة أفضل من الارهاب الاسلامي الآتي الى الساحة بقوة مع داعش واخواتها والذي يضرب حاليا في في العراق وبلاد الشام وانتقل الى سيناء مصر لتكون رأس جسر له ليعبر الى أفريقيا العربية.

ولقد فات هؤلاء بداية ان حزب النهضة التونسي الذي يتزعمه المفكر الاسلامي البارز الشيخ راشد الغنوشي هو ليس بحال من الأحوال جزءا من هذا “البعبع السلفي التكفيري” الذي عم قتله وتخريبه الأصقاع، فهو ليس كالقاعدة وداعش وجبهة النصرة ، بل إنّ “حزب النهضة”، الخارج من رحم “الإخوان المسلمين”، فيه مسحة علمانية ظاهرة جدا. فهو حافظ على الحريات عندما حكم ولم يمسّ القوانين العلمانية التي كرّست حقوق المرأة. لذلك فهو نقيض للحركات السلفية الجهادية السيئة السمعة، ولأنّ النهضة يؤمن بالديموقراطية، تسلمهذا الحزب السلطة عن طريق أول انتخابات حرة جرت بعد انتصار الثورة قبل ثلاث سنوات، وهو يتنازل الان عن صدارة السلطة ديموقراطيا أيضا بعد ان حلّ ثانيا فلم يهزم هزيمة نكراء بل حصل على 36 بالمئة من البرلمان، وسوف يكون شريكا لـ”نداء تونس” في الحكم، كما تشارك هو بعد انتخابات عام 2011 مع “حزب المؤتمر من أجل الجمهورية” العلماني أيضا والذي حلّ ثانيا حينها، ودعم الغنوشي يومها بقوّة وصول صديقه زعيم “المؤتمر” منصف المرزوقي الى منصب رئاسة الجمهورية.

ويعزو المحللون تراجع حزب النهضة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي تشكّل نكسة للإسلام المعتدل في العالم العربي، إلى تسلّمه السلطة في ظروف تأسيسية قاسية، فحمّله الاعلام العلماني، القوي في بلده، مسؤولية غير مباشرة عن بعض الاحداث الأمنية التي نفذتها مجموعات سلفية متطرفة. منها الاغتيالات التي وقعت وطالت مفكرين علمانيين، وكذلك بعض الاعتداءات المسلحة التي استهدفت مراكز عسكرية، مسقطين ذلك على الفكر الاسلامي ككل دون النظر الى ان حكومة النهضة نجحت في السيطرة على الارهاب والحد منه ثم انهائه، فلم يجرِ تأمين أي حاضنة شعبية لهؤلاء المتطرفين الاسلاميين عندما عمت الفوضى في السنة الاولى التي تلت الثورة، حتى ان قادة الارهابيين هؤلاء ضاقت بهم الأرض ففروا “يجاهدون” في العراق وسوريا وليبيا وغيرها.

ويدرك التوانسة اليوم ان الاسلام ليس هو الحلّ، وان العلمانية ليست هي الحلّ أيضا، انما الحل هو مزيد من التفاعل الديموقراطي بين هذين الفكرين وتماهيهما في منظومة وطنية واحدة.

ولأن نتائج الانتخابات ، أكدت فوز «نداء تونس» بأغلبية غير مطلقة. كما ان خسارة «حزب النهضة» الاسلامي لم تكن قاسية فلم يكسر ظهره وحلّ ثانيا، لذلك يسود الآن شعار “حكومة الوفاق الوطني”.

ويتفاءل الليبراليون بما حدث في تونس ويرون أنّه تجديد لدم “الربيع العربي” الذي افتتحته تونس مع “البوعزيزي” قبل أربع سنوات، وهو الرمز الذي أحرق نفسه فأشعل الثورة في بلاده والعالم العربي، ويقولون ان العلماني الذي تصدر الآن يمكن ان يتخلف في الانتخابات القادمة، والاسلامي يمكن ان يعاود التصدر لاحقا، وهذا أمر مؤقت وغير مهم في مسيرة تحرر المجتمعات الانسانية، فما جرى أبعد ما يكون عن انتصار وهزيمة لأي طرف من الاطراف ، بل هو مزيد من انتصار للفكر الديموقراطي الحديث المنسجم مع حقوق الانسان على أمل ان يعم هذا الفكر بسرعة ويشمل دول الجوار والعالم العربي مجددا، كحركة تصحيحية سلميّة واعادة انتاج لـ”الربيع العربي” من حيث انطلق، هذا الربيع الذي ما زال محاصرا من قبل الحاكم الطاغية في بعض البلدان، ومصادرا من بعض قوى الظلام التكفيري في بلدان أخرى.

السابق
دمشق: سماح تركيا بدخول قوات اجنبية الى عين العرب انتهاك سافر للسيادة
التالي
اهالي العسكريين المخطوفين امهلوا الحكومة حتى السادسة مساء