أين نصرالله من التمايز الأخير لعون وجنبلاط عن الحريري؟

احمد عياش

لم تعد خافية على أحد الإستدارة الكاملة التي قام به كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط في التعامل مع قضية احد النواب السنّة الستة المحسوبين على “حزب الله”. فمن تأييد كامل لعدم هذا التوزير عبّر عنه مباشرة الرئيس عون وجنبلاط، إنقلب الموقف عند الاخيريّن الى تأييد لتوزير أحد هؤلاء النواب. فما هو سرّ هذا الانقلاب الذي ترك الرئيس المكلف سعد الحريري وحيدا في مواجهة الامين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي ما زال يضع كل ثقله لتحقيق مطلب توزير أحد نوابه السنّة؟
قبل وضع المعطيات التي حصلت عليها “النهار” من مصادر سياسية بارزة على طاولة البحث، لا بد من التوقف عند التحوّل الذي طرأ في الساعات الماضية على المشهد الداخلي والذي تميّز بإندفاع “التيار الوطني الحر” الى ممارسة الضغوط مباشرة على الرئيس الحريري كيّ يعود عن موقفه الرافض لقبول حيثية نواب “حزب الله” السنّة سياسيا ما يمهد لتوزير أحدهم. فهذا التيار الذي يعود سياسيا الى الرئيس عون وتنظيميا الى الوزير جبران باسيل ،لجأ الى أصوات نيابية مثل النائب زياد أسود كي تقول ما لا يستطيع عون وباسيل قوله: “نفّذ طلب نصرالله أو أعتذر!”. أما النائب السابق جنبلاط ،فقد إستدار فجأة 180 درجة كيّ يؤيد توزير أحد نواب سنّة نصرالله تحت عنوان “موازين القوى ‏لصالحهم، فليتم تعيين وزير منهم وتنتهي القصة”!

اقرأ أيضاً: حزب الله.. حارة حريك حلّت مكان عنجر

من قبيل تبسيط الامور القول، ان كل من عون وجبنلاط قد غيّر موقفه بناء على مراجعة حساباته.ووفق معلومات “النهار” المستقاة من المصادر السياسية المشار اليها آنفا، ان شخصية رسمية تحظى بإحترام داخلي وخارجي على السواء، أبلغت عددا من المراجع إلتقت بها قبل ايام بعيدا عن الاضواء،” ان الاستقرار الداخلي يمكن أن يستمر طوال السنة المقبلة بالرغم من أزمة تشكيل الحكومة إذا لم تحلّ”. لكن هذه الشخصية إستدركت قائلة: “ان إستقرار لبنان يمكن ان يتداعى إذا ما وقع حادث إغتيال كبير” من دون إعطاء تفاصيل حول “حادث الاغتيال الكبير” هذا!
من المتفق عليه بين المراقبين منذ فترة غير قصيرة، ان القادة السياسيين يعيشون هاجس الاغتيال الذي عصف بالبلاد منذ جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. وعلى رغم ان مسلسل الاغتيالات هدأ في الاعوام الماضية ، لكن أحدا من هؤلاء القادة لم يتخل عن حذره في التعامل مع إحتمال وقوع محاولة إغتيال تستهدفه. لذلك، بقيت الاجراءات المتخذة لحماية السياسيين وغيرهم من القيادات الامنية والروحية على حالها من التشدد كما كانت في زمن الاغتيالات في العقد الماضي.علما ان العاميّن الماضيين اللذيّن أعقبا إنتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية شهد إسترخاء أمنيا ملحوظا ما سمح بإجراء الانتخابات النيابية في ايار الماضي من دون مخاوف. وهذا ما سمح للرئيس الحريري ان يقوم بجولات ميدانية غير مسبوقة على إمتداد لبنان.
ما اوردته المصادر السياسية حول إحتمال وقوع “حادث الاغتيال الكبير”، يشير في مكان ما الى ان “فترة السماح” للبنان كي ينعم بفترة أمنية خالية من مسلسل الاغتيالات قد إنتهت .ومن هنا لا بد من تقصي الاسباب التي أدت الى هذا التطور الذي سيرسم مسارا جديدا لإوضاع لبنان في المستقبل المنظور.وتقول مصادر وزارية في حكومة تصريف الاعمال لـ”النهار” ان” مروحة المخاطر التي تتهدد لبنان تمتد من إسرائيل التي تهب فيها رياح التشدد مجددا ،الى إيران التي تقاتل بشدة حفاظا على النظام الذي يقف الان في مهب إعصار العقوبات الاميركية”.
في وسائل الاعلام الاسرائيلية صدر أخيرا نبأ المناورات الاسرائيلية التي تتحدث عن تدريبات على عمليات كوماندوس في داخل لبنان لمواجهة “حزب الله” في حال نشوب نزاع بين الجانبيّن. وتمت قراءة هذا النبأ في اوساط الحزب انه ينطوي على تهديد بإستهداف الامين العام للحزب شخصيا.في المقابل، تقول اوساط شيعية معارضة للحزب ان الاخير لن يتأخر عن تصفية من ينشقون عن التحالف معه ، وفي مقدمهم “التيار الوطني الحر”، إذا ما أدى هذا الانشقاق الى تغيير في ميزان القوى الداخلي الذي يتمسك “حزب الله” برجحانه لمصلحته!
بالعودة الى التغيير الذي طرأ على موقف كل عون وجنبلاط ، لا يسقط المراقبون من حساباتهم إحتمال الخوف من عودة مسلسل الاغتيالات التي كان “حزب الله” بطلها الرئيسي، إنطلاقا مما توصلت اليه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لكن هذا الاحتمال يطرح سؤالا حول واقع الرئيس الحريري الذي ما زال مثابرا على رفض الامتثال لمطلب نصرالله الحكومي. فهل يتمتع الرئيس المكلّف بحصانة تقيه شر المسلسل الاسود الذي حصد منذ 13 عاما زعماء ونواب وسياسيين وصحفيين وغيرهم؟
لا جواب على هذا السؤال الخطير .لكن هناك ملاحظات من المفيد إيرادها تتعلق بهذا العنوان وابرزها ان الحريري لا يدين لـ”حزب الله” بشيء على كل المستويات تقريبا، في حين ان الاخير هو من إستفاد من الحريري عندما قرر رئيس الحكومة إعتماد سياسة “ربط النزاع” ما سمح له التعايش مع “حزب الله” في حكومة عام 2016، والذهاب الى مشروع حكومة لم تولد بعد يعطي الحزب مشاركة وازنة في عز العقوبات الاميركية على الحزب وطهران معا.
حى إشعار آخر يبدو ان رئيس الجمهورية لديه ما يخشاه من “حزب الله” وهو الذي نال الكثير من دعم الحزب له. وكذلك حال جنبلاط الذي ابرم صفقة مع العهد تتصل بالحكومة الجديدة عن طريق وسيط بارز قريب من الحزب. هنا يصبح الجواب واضحا أين يقف نصرالله من إنقلاب عون وجنبلاط على دعم موقف الحريري من مطلب نصرالله. في موازاة ذلك، يبدو ان للحريري اسبابه التي تجعله صامدا في وجه الانقلاب الحاصل تحت الضغط الايراني بوجهه اللبناني.

السابق
الفقيه إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد
التالي
لبنان المُصاب بـ«انعدامِ الجاذبية» لم يَعُدْ يسْعفه شراء الوقت