هذه معاني تذكير جميل السيد بـ«صرماية» حافظ الأسد

منير الربيع

في أحد المهرجانات الانتخابية للواء جميل السيد، يهتف الجمع بشعارات غابت عن الساحة ولم ينسها اللبنانيون. يتحلّق الجمهور حول السيد هاتفين لرئيس النظام السوري بشار الأسد. يهتفون “لقائدهم” بشعارات ضاعت تحت ركام سوريا، لكنها في لبنان لا تزال حية كـ”قائدنا للأبد بشار حافظ الأسد”، وشعار حزب البعث العربي الاشتراكي الشهير، “أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة”. هذه الشعارات انتهت في سوريا، حتى بعثيو النظام تخلّوا عنها لمصلحة “الأسد أو نحرق البلد”. لكن، في لبنان، ثمة نوستالجيا سياسية للعودة إلى الحقبة السورية.

في المهرجان نفسه، يتوجه السيد إلى الجمع باستذكار حادثة بينه وبين الراحل حافظ الأسد والرئيس السابق اميل لحود. توضح الحادثة متابعة الأسد أحد الملفات اللبنانية، ويمنح توجيهاته للسيد بأن من يعارض توجيهاته في هذا المشروع، يجب وضع “صرماية في فمه”. يضحك السيد، ويضحك الجمع. لكن عملياً، هذه الحادثة تعبّر عن ثقافة “البوط العسكري” التي اجتاحت مخيلة المؤيدين في السنوات الماضية. وبمجرد استعادة هذه المشاهد في مهرجانات السيد الانتخابية، يمكن حدس بعض معالم المرحلة المقبلة.

اقرأ أيضاً: شيعة لبنان أكبر من أن يحتكرهم أحد!

كانت الترشيحات إلى الانتخابات توحي بأن النظام السوري بدأ التفكير بفي العودة إلى لبنان. لبنان سليب من يد النظام، ويجب استرجاعه، وليس دخوله مجدداً سوى تأكيد تجديد النظام السوري مناعته، ولاستعادة دوره. ويبدو أن الأمور تتوسع إلى أكثر من ترشيحات ورفع شعارات. عملية ترحيل نحو 500 لاجئ سوري من شبعا إلى بيت جن قبل أيام، تشير إلى التنسيق اللبناني السوري، وإلى عودة العلاقات. والآن، يجري التنسيق لإعادة نحو 1500 لاجئ في نهاية شهر أيار، وسط انتقادات دولية، وصمت لبناني رسمي.

لا يقوم المجتمع الدولي بأي نشاط لمنع التنسيق بين لبنان والنظام السوري، ولا يوفر ما يجب توفيره لرفع الأعباء عما يتحمّله لبنان من جراء أزمة اللجوء. وكأن هذا الاهمال يدفع اللبنانيين إلى التنسيق مع النظام السوري بشكل موارب. بيان بروكسل الذي اعترض عليه لبنان، لا يمكن وضعه في سياق مختلف. وهو ترك اللبنانيين والسوريين إلى مصيرهم، ومنح اللبنانيين رفع شعار منع التوطين، لدفع السوريين إلى العودة إلى حضن النظام. وهذا باب آخر قد ينفد منه النظام إلى قلب لبنان.

الباب الثالث، يتجدد من خلال قطاع الكهرباء، بحيث مرّ في الجلسة الماضية للحكومة موافقة على استجرار الطاقة من سوريا. وهذا أيضاً يستدعي تنسيقاً وتواصلاً مباشراً مع النظام في دمشق. وليس المجال هنا للدخول في تقييم وضع الكهرباء، بل الهدف هو المقاربة السياسية التي تشير إلى وجود عوامل جديدة لاستعادة العلاقات اللبنانية السورية. وسط صمت مطبق من مدّعي رفض التواصل والعلاقات مع النظام الذي هجّر شعبه وقتله.

عملياً، ليست عودة النظام السوري بقدرته الذاتية، بل هي تمثّل استدعاء من جانب حزب الله ليعود النظام إلى لبنان. ليس للنظام قدرة على العودة بالمعنى الأمني والعسكري والسياسي الكامل. الهدف الاستراتيجي لحزب الله هو إعادة النظام بشكل معين إلى الداخل للاستثمار بهذه العودة. فمثلاً، ترشح جميل السيد وحيداً لا يوفر له نجاحاً، بينما ترشحه على لوائح حزب الله باسم النظام السوري، هو ما يوفر له النجاح. وهذا ما يفسّر بعض تدخلات النظام في العملية الانتخابية، سواء أكان باستقبال السفير السوري وفوداً مؤدية وتوجيهها بشأن الانتخاب، أم عبر متابعة الأسد والمقربين منه مسار الترشيحات وإدارة المعارك الانتخابية.

هي لعبة إنقلاب الأدوار. فسابقاً أدخل النظام السوري الإيرانيين إلى لبنان، واليوم يعمل حزب الله والإيرانيون لإعادة النظام السوري كي يصبح النفوذ السوري في لبنان خاضعاً للوصاية الإيرانية. الدخول السوري ليس دخولاً مستقلاً، بل هو دخول برعاية حزب الله وخاضع لإشراف الإيرانيين. ليس هناك ندية إيرانية- سورية في لبنان. في المقارنة، هي تماماً كما هي الحال بين جميل السيد وحزب الله، كذلك بين النفوذ السوري والنفوذ الإيراني. فليس بإمكان “سوريا الأسد” فعل أي شيء في لبنان، من دون الدعم الإيراني. وهذه العودة تمثّل نفوذاً إيرانياً، على عكس ما كان الوضع قبل الإنسحاب السوري في العام 2005. والهدف من ذلك استمالة إيران النظام السوري، ورهانها الثابت على بشار الأسد في سوريا، وحده دونه غيره. وطالما هو سيبقى موضوع جذب قابل للمساومة مع أي طرف دولي، فلا بد لطهران من منحه أوراقاً تعزز دوره، لكنها تبقيه أسيرها.

الهدف الإيراني الآخر، هو أن طهران لا تريد تحمّل كل الأعباء اللبنانية. الكلام عن العودة السورية، يهدف إلى توفير مطية أخرى لإيران، قادرة على تحمّل مسؤوليات معينة، أو تلقى عليه الاتهامات والمشاكل والقلاقل. ليس هناك مصلحة لإيران وحزب الله بأن يكونا وحيدين في واجهة الأحداث اللبنانية. فالدخول السوري سيكون عاملاً في تقاسم تبادل الاتهامات. تماماً كما حال الوزير السابق ميشال سماحة، بحيث ألقيت التهمة على النظام السوري. وهذا قد يتكرر لاحقاً في عند أي حادث، فبدلاً من اتهام الحزب يجري اتهام النظام السوري.

لم يكن مستبعداً سعي النظام السوري للعودة إلى لبنان، لكن المفاجئ الخطر، هو في دور خصوم النظام، الذين يكتفون بالاستفادة من هذه المشهديات للتجييش الانتخابي فحسب، مقابل غياب أي اهتمام جدّي بما يجري الإعداد له. ولو كان الاهتمام فعلياً، لكانت كل القوى التي تتضرر من عودة النظام إلى لبنان، مجتمعة مع بعضها البعض، وعلى كلمة سواء. لكن ما يظهر هو تفرّق هذه القوى، مقابل استمرار تنسيق أبرزها، كتيار المستقبل مع التيار الوطني الحر، حزب الله وحركة أمل، وتيار المردة. وهذا يعني أن المواجهة الجدية مع النظام السوري وحلفائه قد توقفت. هذا التراجع يدلّ على استسلام خصوم النظام السوري، وعدم مواجهة الأمر، وتركه معلّقاً وفق الرؤية الشهيرة على حبال التطورات الإقليمية، بأن هذه المسألة تحلّ في الإقليم. وهذا يمثّل تناقضاً مع شعارات رفعها هؤلاء سابقاً، بأن مواقفهم السياسية وتحركاتهم الشعبية هي التي أدت إلى إخراج النظام من لبنان، واستدرجت الموقف الدولي والإقليمي إلى ذلك.

السابق
شمص: لو كان هناك أداء سليماً لما كان نصرالله​ مضطراً للحديث عن الإستحقاق الإنتخابي
التالي
المشنوق: أقفلنا كل الثغرات التي ظهرت ونعد اللبنانيين بالنزاهة والشفافية