اهتراء منظومة القيم

القيم
يثير التناقض الكبير الذي وقعنا فيه بممارساتنا وحياتنا بين ما هو نظري وما هو سلوكي، حالة مربكة فعلا وتشكل هوة أو فجوة خطيرة في مجتمعنا، وتشكل خطرا عاما، لا نعيره عناية واهتماما كما يجب... ووقعنا في المحظور.

كنت ألتفت إليها لكن لم اعتن أو اتعمق بالنظر اليها طويلاً، موهما نفسي أنّ هناك من يصلح اكثر مني لتشخيص هذا الأمر، وأنّ مجتمعنا فيه من الخبراء ما يفيض عنه، من ولاة وأصحاب شأن. وأنّ ردم هذه الهوة متيسراً،خاصة وأنّ بلادنا مزدحمة بالرهبان والفرسان والحراس والاحزاب والمنظمات، ومنهم من يملك ثروات هائلة تضج بها بيوتهم ومخازنهم ودورهم ودساتيرهم وكتبهم ويملكون حسب ما يدعون الامكانيات الهائلة في الصد والردع والحماية والحل والربط، وفي سد الثغرات والفجوات وردمها خاصة اذا جاورت او اقتحمت مساكنهم ودورهم وباتت تهدد عمارتهم…، وحسبي أيضا أن أحدا من أصحاب الشأن والحرفة ينفع في هندسة ردمها… بعقله المستنير وفطنته الانسانية، أحدا… يلوذ بنا في ابتكار ابداعي، فنكمل الطريق بسلام وأمان، خاصة وان النظر إليها مؤلم، ومربك وقاس ، وعمقها كبير ومخيف، ويقلق القلب، ويوجع العقل، عوضا عما تنتجه من إعاقة وتشويه للصورة او البيئة او المحيط… للمسار والمسير والمصير، والناس في غفلة من أمرهم، او هم يتغافلون، او لا.. هم فعلا يعرفون جيدا ما يقترفون… وباتت هذه الفجوة أو هذه الهوة كبيرة ومعتادون على وجودها، يتعايشون معها، بل اصبحت تقليدا يتكيفون معها، ومشهدا طبيعيا في حياتهم ، ومنهم من يلاحظ هذه الحفرة و يتفنن في تقديم تبريراته الوصفية المبسطة كجرعة تخفيف للمعاناة او ما وصلت اليه حالهم وكأن الامر عابر، والانكى ان الكثير منا يتهاونون بها ولا يستشعرون الخطر الكبير الذي يهددهم ويداهمهم، ومنهم من ينتظر الفرج وكأن يستيقظ يوما فيجد ان الهوة قد ردمت، او ينتظرون من يأتي ويخلصهم وينتشلهم منها، راضخون (للامر الواقع)، …..على كل حال امر مؤلم… رحت أبحث عن كلمة، تصف الحال، وأميز بها المآل، لا تحمل التأويل.. عل الوصف ينبهنا الى الخطر العام المتمثل بالإنحدار الخطير الذي وقعنا فيه او ننجرف اليه مع الوقت حيث تحولت هذه الى مشكلة كبيرة ومهولة في واقعنا الاجتماعي والثقافي وبدأت تتمدد وتتوسع الى كل جوانب حياتنا، مع سقوط وسائل الضبط الاجتماعي وغيرها.. واحترت باختيار الوصف او الكلمة التي تناسب هذه الحالة هو ..”إنزلاق،انهيار، سقوط، إنحراف، إحتقار، إهمال،إغفال، إزدراء، إنقلاب، …”وأنا أبحث بين الكلمات، واذ باحد الاساتذة (يحمل عدة شغله منذ زمن ويعمل بهدوء على قدر ما تسعفه حاله) يرمي إلي بمقال على صفحات جريدة الأهرام المصرية، بعنوان “منظومة القيم”… ويشير الى الخطر العام المتمثل في “اهتراء منظومة القيم موضحا دلالات هذه المفردات (قيمة، منظومة، اهتراء)… واتت فعلا كلمة اهتراء وصفا دالا على ما كنت ابحث عنه… “دلالات المفردات:
1- القيمة، هي كل ما يعتد به ويعد من الفضائل الأساسية في حياة الناس. والقيم الكبرى المعروفة منذ القدم ثلاثة:
– الحق
– الخير
– الجمال.

اقرأ أيضاً: الديمقراطية عندهم إشاعة الفحش الجنسي؟!

وتتفرع عنها قيم أصغر أو أكثر تفصيلية، ترتبط بشكل مباشر بالقيم الثلاثة الكبرى وتتواصل معها على نحو غير مباشر. لكنها لا يمكن أن تبتعد عنها بشكل تام، مثلما هو الحال في قيم من مثل:
( الإخلاص ) في العمل والحب
(الإنتماء) للأسرة والوطن
(الصدق ) في القول والفعل….إلخ
2- منظومة القيم: هي الارتباط العضوي الضروري بين القيم الكبرى والفرعية. فلا يمكن مثلا أن يكون الحق قبيحا، أو الخير ظالما…ويمكن القول إجمالا إنّ منظومة القيم هي التناغم القائم بين الأسس التي تحكم حياة وسلوك الانسان اللائق بصفة الإنسان والشخص الخليق بسمة التحضر البشري.
3- اهتراء منظومة القيم ، هو التناقض الذي يقع فيه الناس أحيانا، بين ما هو نظري وما هو سلوكي، وما نراه في حياتنا اليومية من اعتقاد البعض بأن هذا المسؤول فاسد الذمة ومرتش، لكنه يعطف على الايتام والفقراء والمساكين…

اقرأ أيضاً: قضية «الشيخ سامي الحاج أحمد» تفتح باب رواتب اساتذة دار الفتوى

إذ كيف تتوافق الخيرية وهي من القيم الاجتماعية المهمة، والرشوة وهي نقيض الاحترام والامانة.. لا يمكن لمن كان غير محترم في كسب عيشه، أن يكون في الوقت ذاته إنسانا طيبا وخيرا، فهذا يناقض ذاك، والنقيضان لا يجتمعان حسبما يقول المنطق”.
الصدق قيمة مؤكدة لبقية القيم، لا يمكن أن تصح أي قيمة إلا بالصدق، والا كيف يكون الحق حقا لو كان مشوبا بالكذب، فالكذب نقيض الصدق، ونقيض الحق، والخير هي قيمة لا تصح ولا تقوم الا اذا زينها الصدق، وكذلك فإن الصدق شرطا للجمال، فالجميل لا يكون جميلا وهو كاذب، ولا يمكن للاخلاص أن يكون مرتبطا بالكذب، كما لا يمكن للانتماء أن يكون مبتذلا. فالتناقض الذي نعيشه بين ما هو نظري وما هو سلوكي، يتطلب بل يشترط مراجعة ما نحن عليه اليوم، وتحول المجتمع الى حالة مهولة ومريعة من الانهيار القيمي، ان معدل الانهيار القيمي اصبح متسارعا على نحو يصعب اللحاق به، علما ان انهيار القيم لا يعني فقدان غالبية الناس لها، اذ يكفي أن تتخلى نسبة صغيرة من الناس عنها كي يهترئ الحال العام. فكيف اذا كانت هذه النسبة الصغيرة هي المسيطرة والمتحكمة والمتسلطة، وتدير شؤون الناس وتتحكم برقابهم…

السابق
أقلام ونظارات من الصين تؤكد الرشوة الانتخابية
التالي
رائحة «الرشاوى الانتخابية» تزكم أنوف اللبنانيين… و«هيئة الاشراف» تستنجد!