منتدى «التكامل الإقليمي» في ضيافة مؤسسة الحكيم

سعد محيو
استضاف منتدى الأربعاء في مؤسسة الإمام الحكيم عضو الهيئة التأسيسية في منتدى التكامل الإقليمي الكاتب والباحث "سعد محيو" في لقاء حواري تحت عنوان: "التكامل الإقليمي بين الضرورات والتحديات" بحضور جمع من الشخصيات الدينية والسياسية والدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية..

قدّم اللقاء وأداره المحامي بلال الحسيني. ثم تحدث سعد محيو، ومما قاله: تبدو فكرة عودة الحضارة المشرقية الإسلامية كأنها حلم من الناحية العملية، إلا أنه ثمة معطيات ومؤشرات موضوعية وعلمية تثبت أن لهذه الفكرة ركائز وأرجل متينة جداً، ومنها:

المؤشر الأول والأهم من حيث العلاقات الدولية وتأثيرها على دول العالم الأول والثاني والثالث؛ التحولات الهائلة في النظام العالمي والتي يمكن أن تترك تأثيرات هائلة جداً على القوى الإقليمية والمحلية في العالم.. وأهم هذه التحولات، التمزق المجتمعي الكبير في الغرب والذي تحدث عنه باستفاضة المفكر والفيلسوف “فوكوياما”.. والعامل الأساسي في هذا التمزق هو انهيار مفهوم “الدولة الأمة” في الغرب، والذي كان يشكل العامل الأساس في نشوء وصعود أوروبا إلى الزعامة العالمية، كما أنه العامل الأساس في نشوء وصعود الاستعمار ومن ثم الامبريالية..

كما تحدث “بريجنسكي” في كتابه “رؤيا استراتيجية” عن مخاطر انهيار وانحدار أفول القوى العظمى الأمريكية.. وقال فيه: في الواقع، ثمة تشابهات مقلقة بين الاتحاد السوفياتي في السنوات التي سبقت سقوطه وتهاويه؛ وبين أمريكا في القرن الواحد والعشرين.. ذاكراً بعض الأمثلة على ذلك ومنها، الانفاق العسكري الكثيف والهوة بين الأغنياء والفقراء، وسيطرة القلة القليلة من الرأسمالية على المجتمع الأمريكي، وتحول الاقتصاد الأمريكي لكازينو من المضاربات.. وبالإضافة إلى ذلك، التقطت أمريكا الأمراض الأساسية التي كانت موجودة في الاتحاد السوفياتي.. وأشار إلى أن الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين ثم الأزمة المالية الطاحنة التي نشأت في أمريكا بين عامي 2008 و2009؛ قد هزت ثقة أمريكا بنفسها وبالعدالة الاجتماعية فيها وبأخلاقيات العمل في النظام الأمريكي، كما هزت ثقة العالم بقدرة أمريكا على مواصلة تبوء الزعامة الاقتصادية العالمية..

والنموذج الأساسي لكلام فوكوياما وبريجنسكي، يمثله وصول شخص كـ”ترامب” للسلطة في أمريكا والذي يلخص معان عميقة وكبيرة جداً.. حيث إن كثير من المؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية تتهم “ترامب” بالجنون والطيش، وهذا يذكرنا كثيراً بالفترة الأخيرة من الامبراطورية الرومانية حيث آخر أباطرتها يشبه “ترامب” إلى حد كبير..

وبالتالي، فإنه ثمة تمزقات هائلة في أمريكا والسبب الأساسي فيها “العولمة” التي خلقتها أمريكا بنفسها والتي بدأت تفترس إحدى أهم الأولاد التي انجبتها ألا وهي الولايات المتحدة ويليها دول أوروبا مباشرة، والتي تشهد انحدار كبير وسريع جداً ـ باستنثاء ألمانيا ـ، لدرجة أن الكثير من المفكرين الأوربيين يتحدثون عن غرق أوروبا في قاع المحيط الأطلسي..

كل هذه التطورات تعني ببساطة أن النظام الدولي الغربي يمر في مرحلة تاريخية كبرى، قوامها نزول الغرب تدريجياً عن عرش الزعامة والهيمنة العالميتين اللتين كان يتسنمهما مندوب ناسا منذ معادلة “وستفاليا” وولوجه أزمة تمزق كبرى..

وعلى الرغم من هذا التطور الهائل، إلا أنه لن يعني بأي حال غياب الغرب عن قمرة الزعامة العالمية، إلا أنه بات في حكم المؤكد أن الغرب لم يعد قادراً على أن يكون الثاني (11) بلا شك كما كان طوال 500 سنة، بل سيتعين عليه أن يقبل ـ سواء سلماً أو حرباً ـ بنشوء نظام عالمي جديد متعدد الحضارات بمشاركة حضارات شرقية عربية..

المؤشر الثاني؛ الصعود التاريخي لدول شرق آسيا (الصين، الهند واليابان) إلى قمرة القيادة العالمية.. والسمة الأساسية لهذا الصعود الآسيوي، أننا نشهد صعود مشترك لهذه القوى العملاقة الثلاثة معاً وهذا ما يحدث للمرة الأولى في التاريخ، فدائماً ما كانت واحدة أو اثنين من هذه القوى تشهد صعوداً على حساب القوى الآخرى.. وهذا يذكرنا بالصعود المشترك لألمانيا وفرنسا وبريطانيا والذي كانت نتيجته السيطرة على العالم لمدة 500 سنة على الرغم من التنافس الكبير بين هذه الدول الثلاثة..

وفي ظل الحديث عن أن النظام العالمي يمر بمرحلة انتقالية خطرة جداً قاعدتها الأساسية في بدأ انحدار الوضع الغربي الذي يهتز بشدة الآن؛ إلا أن الواقع هو أن كل هذه الأحاديث والتوقعات والتنبؤات كانت ستكون في عرض البحر لو أن ذلك لا يترافق مع بدأ بروز قوة حضارية منافسة للغرب تستطيع ملأ الفراغات المتوقعة والمحتمة التي سيتركها هذا الانحدار والمتمثلة بدول شرق آسيا.. فطوال الحروب الأهلية التي خاضها الغرب والأوربيين بين بعضهم البعض على مدى أكثر من 200 عاماً؛ لم تكن هناك من قوة بديلة تحل محل قوى الغرب، ولذلك تمكنوا من أن يخوضوا هذه الصراعات الداخلية واستعادة سيطرتهم على العالم مجدداً.. أما في الوقت الحاضر، فإن هناك قوى بديلة تتمثل بدول شرق آسيا والتي بدأت تتحضر لتولي هذه الزعامة..

إقرا ايضا: «منتدى التكامل الاقليمي»: هل سينجح في جمع إيران وتركيا والكرد والعرب؟

المؤشر الثالث؛ عودة تركيا وإيران إلى حضن الحضارة الإسلامية وإلى استراتيجيات المشرق.. وفي حال انضمام مصر إليهما في إطار بديل استراتيجي أوراسي مشترك ـ وهذا ما يتم طرحه في تركيا ومصر بأن يتم تغيير التحالفات والانتقال من التوجه نحو الغرب إلى التوجه نحو دول الصين وروسيا فيما يسمى بـ”الأوراسي” ـ؛ فإنه سيتشكل مثلث استراتيجي يمكن أن يشكل قوة حضارية عالمية فاعلة في حال تمكن من تخطي كل العقبات الكبيرة الموجودة ونجح في بناء نموذج لفكر استراتيجي جديد في المنطقة..

المؤشر الرابع؛ بزوغ النزعة الإقليمية في العالم.. حيث انتهى مفهوم الدولة الأم والدولة القومية، لكنها ستبقى تلعب أدواراً في دول العالم وأصبحت الرأسمالية ـ التي خلقت هذا المفهوم ـ تعتبره العقبة الأساسية أمام سيطرتها وتحويل العالم إلى سوق واحد.. وستكون لهذا الأمر تأثيرات مهمة، تجلت في التطورات التي شهدتها إيران عام 1979 كما التطورات التي شهدتها تركيا منذ عام 1997.. فكلا الدولتين بدأوا بالابتعاد شيئاً فشيئاً عن مفهوم الدولة القومية التي دمرت المنطقة ثم تلاها لاحقاً النزعة العربية القومية والتي دمرت المنطقة أيضاً وخلقت فيها صراعات لم تنتهي حتى الآن ولن تؤدي إلى أي نتيجة سوى الدمار المشترك..

أصبحت النزعة الإقليمية في العالم اليوم قانوناً وليست خيار، كما هو الحال لدى الاتحاد الأوروبي ودول جنوب شرق آسيا وشمال أفريقيا وغيرهم.. ويُقال أن هناك مفاوضات سرية بين اليابان والصين وكوريا الجنوبية لخلق نوع من الاتحاد الأوروبي ليشكل قوة قادرة على موازنة الغرب الأمريكي..

 

وختم محيو بكلمة عن الحلم؛ يقول كارل ماركس” أن تحلم لوحد فهذا هو الحلم، أما أن نحلم جميعاً فهذه بداية تحقق الحلم”.. ويقول المفكر والفليسوف “هولدرن”: “الشخص الذي يحلم فهو إله، والذي يفكر متسول”.. أما “برناتشو” فيقول: دعنا نحلم ونحلم ونحلم ولا بد أن يتحول هذا الحلم إلى حقيقة”.. فدعونا نحلم بأن الحضارة المشرقية والإسلامية ستنهض مرة أخرى، عسى أن يتحقق هذا الحلم..

السابق
الطبع يغلب التطبّع!
التالي
15 نائباً تخلّى عنهم سعد الحريري