زيارة تيلرسون خلّفت توتّرا لدى حزب الله وخطأ بروتوكوليا في قصر بعبدا

غادر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بيروت التي زارها لساعات أمس في مهمة محدّدة لبحث النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، من دون أن يتخذ قرارا حاسما حول وساطة بلاده المتعقلة بـ"البلوك 9 النفطي"، وخلّفت زيارة تيلرسون توترا لدى حزب الله بعد انتقاد الوزير الزائر لسلاحه وخطورته، كما خلّفت أيضا عدم ارتياح لدى رئيس الجمهورية وفريقه الذي يرأسه الوزير جبران باسيل وانعكس ذلك بخرق بروتوكولي فاضح شغل وسائل الاعلام اللبنانية.

خففت الزيارة الخاطفة التي قام بها أمس وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون لبيروت الأضواء عن أصداء مهرجان الذكرى الـ13 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، بينما كاد “الخرق” البروتوكولي لمحطة تيلرسون في قصر بعبدا بدوره أن يحجب الجوانب الجدية المتصلة بالزيارة الأولى لوزير خارجية أميركي للبنان منذ أربع سنوات. ومع ذلك لم يتأخر رئيس الديبلوماسية الاميركية في اطلاق مواقف اتسمت بأهمية بارزة أعادت الاعتبار بسرعة الى جوهر الوساطة التي تتولاها واشنطن بين لبنان واسرائيل في شأن النزاع الحدودي بينهما براً وبحراً.

ذلك ان ما لم يصرح به تيلرسون ولا الجانب اللبناني، حددته مصادر أميركية مطلعة لمراسل “النهار” في واشنطن بقولها إن التسوية التي طرحتها الولايات المتحدة قبل سنوات لحل الخلاف اللبناني – الاسرائيلي على الحدود المائية، والمعروفة بـ”خط هوف” نسبة الى السفير فريدريك هوف الذي قدمها في مطلع العقد عندما كان مبعوثاً لبلاده، لا تزال الحل الأفضل والموقت للخلاف على ملكية 860 كيلومتراً مربعاً من المياه الاقليمية التي يطالب بها الطرفان للتنقيب عن الغاز الطبيعي فيها. ويقضي خط هوف بإعطاء لبنان 60 في المئة من هذه المياه بعدما تلقت واشنطن مقترحين من الحكومتين اللبنانية والاسرائيلية آنذاك اعتمدا على منهجية اميركية متساوية البعد في تخطيط الحدود المائية بين االبلدين. وأوضحت المصادر الاميركية المطلعة ان كلا الطرفين اعتمد الأسلوب ذاته في تخطيط التضاريس وحضت واشنطن الطرفين في حينه على قبول التسوية وايداعها الأمم المتحدة. وأضافت أن التسوية الأميركيّة هي الأفضل في غياب مفاوضات مباشرة بين البلدين، مرجحة ان يكون الوزير تيلرسون ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد ساترفيلد ماضيين في محاولة اقناع الطرفين بها.

إقرأ ايضًا: باسيل سبب الإشكال البروتوكولي.. وإمتعاض أميركي!

وانتهت الزيارة بحسب “الجمهورية”  الى حصول لبنان على تطمينات لم تبلغ حدود الضمانات، على حدّ قول مطّلعين على نتائجها، مشيرين الى انّ الولايات المتحدة الاميركية تشعر للمرة الاولى أنّ دولة لبنان الصديقة التقليدية لها، زحلت نحو محور عربي ـ إقليمي على اختلاف معها، ولكن على رغم ذلك اكد تيلرسون للمسؤولين اللبنانيين استمرار دعم بلاده لشعب لبنان لكي تبقى الاوضاع فيه مستقرة ومزدهرة.

رافق زيارة تيلرسون السريعة إلى لبنان اختلاف حيال ترتيباتها، إذ أصرّت وزارة الخارجية على ان يزور مقرها في قصر بسترس ويجتمع مع الوزير جبران باسيل، جرياً على عادة كل زيارات وزراء الخارجية الى لبنان.

الّا انّ الجانب الاميركي اعتذر أثناء تحضير الزيارة نظراً لضيق الوقت، ما أدى الى انزعاج تُرجم من خلال ما جرى في القصر الجمهوري، حيث انّ تيلرسون انتظر نحو 5 دقائق وحيداً في صالون القصر قبل ان يدخل باسيل أولاً ويصافحه من دون التقاط صورة تذكارية معه، ثم يدخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويحرص على إجلاس باسيل الى يمينه ويستعيض عن الاجتماع الثنائي بلقاء موسّع حضره مسؤولون وديبلوماسيون وأمنيون من دون ان يكون بينهم قائد الجيش العماد جوزف عون، قائد رئيس المؤسسة التي تحتضنها اميركا وتدعمها. وقد توقف الجانب الاميركي عند هذا الغياب.

وما اللقاء الذي انعقد على هامش اجتماع قصر بعبدا بين تيلرسون وباسيل سوى “جبران خاطر”، ولم يصدر نتيجة الاجتماع بيان رئاسي او تصريح من الوزير الاميركي.

ولفتت مصادر سياسية الى “انّ الاجتماع في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيلرسون، والذي كان محدداً بـ 20 دقيقة، دام ساعة ونصف”. وقالت: “انّ هذا الامر يُسقط ذريعة “ضيق الوقت” التي شهرها الجانب الاميركي لكي لا يزور وزارة الخارجية”.

وذكّرت بأنّ الوزير الاميركي “كان زار قبل وصوله الى لبنان كلّاً من مصر والاردن، واجتمع هناك بوزيري خارجية البلدين وعقد معهما مؤتمرين صحافيين”. وسألت: “لماذا استثناء وزارة خارجية لبنان من هذه القاعدة الديبلوماسية الطبيعية؟”.

واعتبرت مصادر مواكبة للزيارة ولتطوّر العلاقات الثنائية هذا الامر “موقفاً سياسياً لباسيل يتكرر للمرة الثانية، إذ انّ الوزير كيري تصرّف كذلك حين زار لبنان في الـ2014 ما حَدا بباسيل آنذاك كما اليوم الى عدم استقباله في مطار بيروت”. وعلى رغم ذلك، أبدَت مصادر اميركية امتعاضها من “الاشكال البروتوكولي مع وزير الخارجية الاميركي، الذي هو في تراتبية الحكم في واشنطن بمثابة الوزير الاول”.

لكن هذا لم يمنع تيلرسون، بعد محادثاته مع عون وبري ورئيس الحكومة سعد الحريري، من ان يطلب من مساعده ديفيد ساترفيلد البقاء في لبنان لمتابعة المفاوضات في شأن عدد من الملفات، وأبرزها الحدود الاسرائيلية المتنازَع حولها بين حدود الهدنة والخط الازرق.

إقرأ ايضًا: لغط إعلامي رافق إنتظار تيلرسون لعون وباسيل في قصر بعبدا

وأشارت الحياة” أن زيارة تيلرسون دامت  زهاء 6 ساعات  والتقى تيلرسون رؤساء الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري، واختلى لعشر دقائق مع نظيره اللبناني جبران باسيل وانتهت الزيارة  بمؤتمر صحافي مع الحريري. وأعلن تيلرسون أن هناك أفكاراً “ابتكارية” جرى بحثها مع الحريري “لتخطي العثرات والمضي قدماً”. وقال: “لن نطلب من أي من الطرفين التخلي عن أي شيء، إنما طلبنا منهما إيجاد حلول، والمحادثات القائمة بناءة”.

وعلمت “الحياة” من مصادر رسمية أن تيلرسون أثار في لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة موضوع سلاح “حزب الله” وتدخله في سورية، ونقلت عن عون قوله له: “إننا ندعو المجتمع الدولي والدول الفاعلة إلى إيجاد حل سريع للحرب السورية وأوضاع المنطقة وتطبيق القرار الدولي الرقم 1701، لأنه يؤدي إلى انتفاء الحاجة إلى السلاح”. ووفق المصادر، قال بري للوزير الأميركي: “قرأت تصريحك عن أن حزب الله جزء من العملية السياسية في لبنان”، فأكد له تيلرسون ما قاله خلال زيارته الأردن، فسأله بري: “كيف تطلبون نزع سلاح الحزب الذي يعود إلى المقاومة في بلد لا تزال إسرائيل تحتل جزءاً من أرضه وترفض ترسيم الحدود وتهدد بوضع يدها على ثروته النفطية في البلوك الرقم 9؟”. وذكرت المصادر أن بري لفت إلى حق أي شعب في مقاومة من يحتل أرضه وهناك إجماع لبناني على تحريرها ومن ضمنها مزارع شبعا. وعندما تتحرر لن تعود هناك حاجة إليه. واعتبر بري أن “الدليل هو أنه حين توافقنا على حل الأزمة في لبنان وفق اتفاق الطائف سلمت الأطراف سلاحها للدولة”.

السابق
غانم: يبدو أن الدفوع الشكلية لا يتم الأخذ بها لعدة اعتبارات
التالي
تحديد جلسة مُحاكمة «جيري ماهر»