مافيا المخدرات وانتفاضة القضاء

فقرة الصحافي علي الأمين في برنامج "على مسؤوليتي" على صوت لبنان.

قبل ايام كنت والزميلُ وفيق الهواري، في مكتبِ النائبِ العامِ الاستئنافيِّ في جبل لبنانَ القاضي غادة عون، والسببُ هو الاستفسارُ عن بعضِ معلوماتٍ وردت في مجلةِ شؤون جنوبية الفصلية التي اتولى رئاسةَ تحريرِها وكَوني المديرُ المسؤولُ فيها، والمعلوماتُ تتصل بتورطِ بعضُ العناصرِ الامنيةِ وبرتبٍ مختلفةٍ في ترويجِ المخدرات.

ذلك اننا كنا قد اعددنا نحن فريقُ مجلةِ شؤون جنوبية، ملفاً مفصلاً عن المخدراتِ في لبنانَ وصدر في خريفِ العام ٢٠١٧، ملفٌّ تضمن تحقيقاتٍ ميدانيةٍ عن اماكنَ زراعةِ الحشيشةِ، فضلا عن صناعةِ المخدراتِ في لبنانَ وترويجِها والاتجارِ بها، كما عقدنا ندوةً جمعت ممثلي ستُّ جمعياتٍ متخصصةٍ للتوعيةِ عن خطورةِ هذهِ الآفةِ، وسبلُ المعالجةِ والمعوقاتِ امامَ تمددِ حالاتِ التعاطي التي تضاعفت بين العام ٢٠١١ و٢٠١٦ بما يوحي واستنادا الى ارقامٍ رسميةٍ ان عددَ المدمنين والمتعاطين في ازدياد، من دون ان تنجحَ الدولةُ اللبنانيةُ في لجمِه لأسبابٍ تتصلُ كما خلصنا في بحثنا الى غيابِ سياسةٍ رسميةٍ جادةٍ وفاعلةٍ لمواجهة هذه الآفة سواءٌ على المستوى الأمني او الاجتماعي او الاقتصادي.

إقرأ أيضاً: بالأرقام: عدد الموقوفين في جرائم المخدرات يتزايد في لبنان والادمان يرتفع في صفوف الصغار

لا اخفيكم أنني لمستُ اهتماما من القاضي غادة عون بدا لي مفاجئا لأمثالي، ذلك اننا طالما اضأنا من موقعنا الصحافيَّ والمهنيَّ على ملفات فسادٍ وانتهاكاتٍ للقانون، لكن لم نلقَ ايُّ اهتمامٍ او استفسارٍ من جهة قضائيةٍ أو أمنيةٍ اللهم الا اذا كان الأمرَ يتعلق بدعاوى من جهات حزبيةٍ وسياسيةٍ رسميةٍ تحت ادعاءِ القدحِ والذم.

ما اريد قولَه في هذه العجالةِ بأنني لمستُ وزميلي وفيق الهواري، جدية من القضاء في فعل شيءٍ على صعيدِ مواجهةِ اباطرةَ المخدراتِ في لبنان، ذلك ان هذا العالمَ المخيفَ والمدمرَ والقاتلَ، هو عالمٌ تتداخل فيه عناصرَ اجراميةً وأمنيةً وسياسيةً، وانني على يقينٍ ان العديدَ من القضاةِ يتحاشون مواجهتَهُ بسببِ هذه التداخلات. لكن هذا لا يلغي حقيقةَ أن قضاة ًآخرين يدركون ان ادارةَ الظهرِ لمافيا المخدراتِ في لبنانَ هي الطريق السريع لتدميرِ المجتمع.

إقرأ أيضاً: «شؤون جنوبية» أمام القاضية عون وتأكيد على دور الإعلام في مكافحة المخدرات

ولأن لوثةَ المخدراتِ حمايةً وتجارةً وترويجاً، تحظى بحمايةِ سياسيةِ ولا اريدُ ان اقولَ رسميةً ايضاً، اجدني ملزماً بالثناءِ على كل قاضٍ ورجلِ أمنٍ يدركُ أهميةَ عدمِ التهاونِ في مواجهةِ مافيا المخدراتِ، واجدني ملزماً بشكرِ القاضي غادة عون على اصرارِها على القيامِ بواجبِها، وعلى احترامِها لشروطِنا المهنية ولدور الصحافةِ والاعلام كعنصرٍ حيوي في التصدي لترويج المخدراتِ وتجارتِها وانتاجِها.

اعلمُ أننا امامَ ظاهرةٍ تتطلبُ لمكافحتِها اكثرَ من قاضيةٍ جريئةٍ ومخلصةٍ للعدالةِ، تتطلبُ قرارا على مستوى الدولة، لكن ثمّةَ بعضُ الأملِ، بأنَّ في لبنانَ من يصرُّ على اضاءةِ شمعةً في هذا النفقِ المظلمِ مؤمناَ بأن الضوء لا بد ان يبزغُ في نهاية النفقِ.

السابق
نديم قطيش يرد على «الجديد»: هذا ما شكلته أنا وعقاب صقر!
التالي
هيفاء وهبي على قائمة أجمل ٣٠ إمرأة عبر العصور