جبران المصطفى ونحن المغضوب عليهم

مهند الحاج علي

لم يكن الله في حاجة لإصدار بيان نفي، كما هو اليوم في لبنان حيث يُمثله الساسة أكثر مما يُمثلوننا. حتى يوم أمس، كُنّا نعرف جبران باسيل بصفات عديدة. هو وزير الخارجية اللبناني، ثم رئيس التيار الوطني الحر، وأيضاً صّهر رئيس الجمهورية ميشال عون. لكن بالأمس كشف باسيل عن منصب آخر لم يكن بالحسبان: المختار من الله. في تغريدة على تويتر، أعلن وزير الخارجية اللبناني أن ”الله اختارنا لنحافظ سوياً على هذا البلد“.
ومثل أي ادعاء عن اختيار إلهي، لحق هذا الكلام تصريح شعبوي عن ”العنصرية اللبنانية“ بصفتها حقاً إيجابياً ومهمة مقدسة اسمها الدفاع عن لبنان. وهكذا، فإن لم تكن عنصرياً، أنت فاقد للوطنية. أكثر من ذلك. إذا كان الله اختار جبران والتيار كعنصريين لبنانيين، فإن المؤمنين بالمساواة بين البشر مبدأ يحكم العيش بينهم، كُفّار وخارج ملّة الله.
ويبدو أن جبران يستقي خطابه السياسي الإلهي من حيث تُحقق النجاح تلو الآخر، أي من حلفائه في ”حزب الله“. قبل أيام، وكما يفعل كل عام في اليوم العاشر من مُحرّم، حدد الأمين العام لـ”حزب الله“ هوية يزيد لهذا العام. وهذا تمرين يُشبه مثلاً اختيار مجلة التايم شخصية العام كل سنة منذ عقود.

اقرأ أيضاً: كَذب المنتصرون وإن انتصروا

والواقع أن هذا الكلام ليس مزحة. باسيل يُحرّض علناً على اللاجئين السوريين، وهؤلاء مدنيون عُزّل. بالأمس قال أيضاً إن ”كل أجنبي قابع على أرضنا من غير ارادتنا هو محتل من أي جهة أتى“. لو كان حوله ديبلوماسيون مدرّبون لذكروه بعواقب مثل هذا الكلام، سيما لو وقعت اعتداءات واسعة بحق اللاجئين. لن يبحث المجتمع الدولي بعيداً، أو يضيع في تفاصيل المعتدين، بل سيتطلع الى الأصل، أي الخطاب التحريضي وأصحابه، وبخاصة من يتبوأ منصباً رفيعاً في الدولة والسياسة. لكن من يجرؤ على تقديم النُصُح لمن يتحدث بهذه اللغة؟ سبق أن حوكم عشرات من مُحازبي التيار لمعارضتهم زعيمه الجديد أو مخالفة رأيه، فهل يجرؤ آخرون على تقديم النصيحة؟
وبلادنا اليوم مُقبلة على استحقاقات كبرى ومواجهة مالية واقتصادية مع العالم الخارجية تحت عنوان مكافحة ”حزب الله“ وحلفائه. مع تحول الحزب وحلفائه الى ممثلين لله وإرادته، يستحيل أي نقاش حول هذه المواجهة وعواقبها كُفراً وجريمة بحق المقدسات.
ويبدو أن هناك حاجة ماسة لمثل هذه الاعلانات الإلهية في عهد دخل عامه الثاني من دون أن يُحقق انجازاً يُذكر. حتى المشاريع الناجزة لم يعودوا قادرين على التسريع بها. وزارة الاتصالات ومؤسسة أوجيرو لا تجرؤ حتى على اعلان مهل زمنية لتوفير الانترنت السريع، بل تكتفي بالاعلانات المتتالية عن السرعة الموعودة لكن غير المحققة. يُحكى أن المسؤولين الأوروبيين باتوا يُقهقهون عالياً كلما سمعوا من نظرائهم اللبنانيين عن توفير خدمة الانترنت السريع في لبنان.
المسؤولون اللبنانيون يعيشون على كوكب آخر. تخيلوا أن باسيل بالأمس، وفي سياق خطابه، تطرق الى الاقتصاد بالكلام الآتي: ”كل تركيزنا بوزارة الخارجية ان نعمل في اتجاه زيادة ​الصادرات​ وفتح اسواق لبنان في الخارج. فأسواقنا هي في كل دولة توجد فيها ​جالية لبنانية​ ويجب ان نوصل اليها المنتوجات اللبنانية، وابواب التواصل يجب ان نفتحها امام صادراتنا … الأسبوع المقبل سنزور ​هنغاريا​ لنفتح امامنا السوق الهنغارية والتي يبلغ فيها ​التبادل التجاري​ مع لبنان صفر“. لكن في هنغاريا جالية لبنانية من الأصغر عالمياً، إذ لا يتجاوز عدد أفرادها 200 نسمة. هل يستأهلون زيارة رسمية من هذا النوع؟
نحن اليوم أمام طبقة سياسية لا تملك في رصيدها سوى التحريض ضد اللاجئين، والإدعاء بأنها على صلة مباشرة بالإرادة الإلهية. ولو كان صحيحاً هذا الارتباط، فإننا كمحكومين لا بد أن نكون من المغضوب عليهم.

السابق
Lebanese Shiites form front against Hezbollah
التالي
مصطفى فحص لـ«جنوبية»: حدود لبنان الجنوبية ستكون في مرمى الصواريخ الإيرانية!