«جمهورية خوف» تركها «داعش» في الموصل

لم تأت العملية التي نفذها تنظيم «داعش» الإرهابي قبل ثلاثة أيام في الجانب الأيمن من مدينة الموصل في سياق تعزيز مواقعه في المدينة خلال الهجوم عليه، إنما كانت أقرب إلى قتال اليائس، على رغم أهمية الاختراق الذي نفذه انتحاريوه في هذه العملية، وتمكنهم من الالتفاف على القوات العراقية من الخلف.

النصر العسكري مستحيل على عناصر التنظيم المحاصرين بما تبقى من أحياء الموصل القديمة، لكن ذلك لا يعني أن المعركة أيضاً ستكون سهلة. «قتال اليائس ليس بالأمر اليسير، وعلى الجميع أن يتوقع وثبات إلى الأمام»، هذا ما قاله ضابط عراقي في أعقاب وثبة «داعش» على حي التنك. وحقيقة أن هذا الحي يقع على الطريق إلى الحدود مع سورية لا تكفي للاستنتاج أن التنظيم كان يحاول فتح ثغرة لانسحاب عناصره إلى الصحراء المؤدية إلى مدينة تلعفر ومن ثم إلى سورية، ذاك أن مسافات هائلة تفصله عن هذه الحدود، ويتطلب قطعها الاصطدام بوحدات الحشد الشعبي الموجودة هناك.

اقرأ أيضاً : حين طاف «داعش» على وجوهنا بعد أن سقطت دولته

أن يحقق «داعش» تقدماً في الموصل القديمة قد يبدو أمراً مستحيلاً بحسب المؤشرات الميدانية، لكن بموازاة هذه الاستحالة بدأت الموصل تشعر بأن التنظيم باشر عملية تحول في بنيته، تتيح له نوعاً آخر من المواجهات. سكان الموصل يتحدثون عن «الخلايا النائمة». وقبل أيام نفذ التنظيم عمليات انتحارية في الجانب الأيسر من المدينة استهدف فيها رجال شرطة ومدنيين. وتحدث السكان عن عمليات اغتيال متعاونين مع الحكومة، لكن هذه الأخبار لم يتسنَّ التحقق منها.

النصر العسكري الشامل على التنظيم في الموصل ليس وشيكاً، لكنه سيتحقق في النهاية. كثافة النيران التي تشهدها المواجهة هناك هائلة، وحجم الدمار في الأحياء القديمة يفوق التصور. أما السكان الذين لم يتمكنوا من مغادرة الأحياء التي ما زالت تحت سلطة «داعش»، وتُقدر أعدادهم بعشرات الآلاف فأوضاعهم مأسوية، ومن حاول منهم الفرار كان عرضة لرصاص قناصي التنظيم.

يقول سكان من المدينة أن المناطق المحررة في الجانب الأيمن أكثر أماناً من الجانب الأيسر، على رغم أن المعارك تحصل في الأول. ففي الأيسر، تمكن التنظيم من إعادة هيكلة بعض خلاياه استعداداً لاستئناف حرب من نوع آخر، أما في الأيمن فالأحياء خالية وحجم الدمار فيها لا يتيح ل أهلها العودة، وبالتالي يصعب على التنظيم بناء حضوره فيها.

اقرأ أيضاً : نهاية التراجيديا الشيعية

ولعل عملية الاختراق الأخيرة في حي التنك تكشف مخاوف السكان، لعدم ثقتهم بالنصر النهائي، ففي أعقاب العملية شهدت المدينة عملية نزوح، لكنها انطوت على شكوك ما زالت تراود السكان. فـ «داعش» بحسبهم لا يمكن توقع قوته ومقدرته على الاختراق، هو احتل الموصل كلها في يوم واحد، وتمكن مئات من مسلحيه من إلحاق هزيمة بالآلاف الجنود العراقييين. هذه التجربة ماثلة في وعي سكان المدينة، وفي وعي أهل الجوار. وما حصل في حي التنك كان تمريناً على ذلك، وربما هدف التنظيم من خلاله إلى زعزعة بعض الثقة في الجيش، تلك التي استعادها الأخير في الأشهر الثمانية الماضية.

«داعش» استعان دائماً بالخوف لبث نفوذه وسلطته خلال حكمه الموصل في الأعوام الثلاثة الماضية. وهو مستمر في ما يبدو في الحضور في المدينة عبر هذا الخوف. هو انهزم من الأحياء إلا أنه يمارس سلطة ما فيها. كثيرون هنا يتجنبون تناوله بأحاديثهم، ومن زار هذه المناطق في الأسابيع الأولى لتحريرها من «داعش» وعاد اليوم ليزورها، سيلاحظ أن التنظيم أعاد خلال أشهر غيابه المباشر عنها بناء منظومة خوف، تمكن عبرها من أن يشارك الجيش نفوذه فيها.

السابق
تفاصيل قانون الانتخابات وخلفية قضية أصالة والمخدرات في «علم وخبر»
التالي
جريمة احتيال لصالح الأسد بطلها روسي قتل مسموماً!