الضربة في سوريا: الحراك السياسي

اطلاق الصواريخ الامريكية على موقع سلاح الجو السوري في حمص ردا على استخدام السلاح الكيميائي ضد السكان المدنيين في ادلب، كان خطوة تكتيكية لها أبعاد محدودة، لكن تأثيرها استراتيجيا بالتأكيد.

أقرأ ايضا: بعد الضربة الأميركيّة على سوريا كيف سيكون الرد الإيراني؟

فيما يتعلق بموضوع سوريا نفسه، أعطيت الولايات المتحدة فرصة أخرى، وهذا أمر نادر في التاريخ، لاصلاح الخلل منذ 2013 عندما استخدمت دمشق السلاح الكيميائي وأمريكا لم تفعل أي شيء. الامر الاكثر اهمية هو أن الخطوة الامريكية أحدثت هزة في طهران وبيونغ يانغ. معظم المراقبون يتفقون الآن على أن عدم وفاء الرئيس السابق اوباما بعهداته القيام بعملية عسكرية ضد نظام الاسد اذا تجاوز “الخطوط الحمراء” التي وضعها اوباما نفسه بخصوص استخدام السلاح الكيميائي، كان السبب المركزي في الحاق الضرر بمصداقية الولايات المتحدة في نظر حلفائها في الشرق الاوسط وفي العالم، ايضا زيادة تدخل روسيا العسكري في سوريا وشعور النظام السوري بالثقة الزائدة. مثلما قال هنري كيسنجر للمراسل جيفري غولدبرغ: “إن مصداقية الدولة هي الضمانة أن تثق الدول الصديقة بتعهداتها واستماع الاعداء لتحذيراتها”.
يبدو أن قادة دمشق اعتقدوا أن ما كان هو الذي سيكون، أي أنهم قادرون على الاستمرار في ظل ادارة ترامب، بما في ذلك في موضوع السلاح الكيميائي. ولكن ترامب غير قواعد اللعب، ورده السريع وضعهم في مكانهم الصحيح.
إن من يشعرون بعدم الراحة في هذه الايام هم مساعدو فلادمير بوتين للشؤون الامريكية الذين لم يفسروا تصريحات ترامب بشكل صحيح، خاصة اثناء معركته الانتخابية، حيث استنتجوا خطأ أنه يريد سياسة انفصالية وعدم التدخل. هم لم يعرفوا كما يبدو أن الرئيس الذي يزيد ميزانية الدفاع لدولته بشكل كبير ويعين اشخاص مثل الجنرال ماتيس، وكيلي وماكماستر في مناصب رفيعة جدا في الجهاز العسكري في الولايات المتحدة، يريد اصلاح مكانة الولايات المتحدة الدولية وعدم الاستمرار في سياسة التراجع، خاصة في الشرق الاوسط. “امريكا أولا” لا تعني امريكا ضعيفة أو تتجاهل محيطها.
اضافة الى كل ذلك، يجب على ادارة ترامب الآن فحص ما خلفته ادارة اوباما فيما يتعلق بالشرق الاوسط بشكل عام، وايران بشكل خاص. صحيح أن ادارة اوباما قد اعتبرت ايران عدوة تهدد المصالح الامريكية، لكن عمليا تم تجاهل دورها كمحركة للارهاب ومهددة لدول اخرى في الشرق الاوسط ولها طموح للسيطرة من خلال الجهاد الشيعي. على العكس، اعتقدت واشنطن اوباما أنه يجب منح طهران دور عملي وشراكة سياسية اقليمية في وجه العالم العربي السني برئاسة السعودية.
ادارة ترامب، ونتيجة الاستمرار الذي ميز احيانا السياسة الخارجية الامريكية، أو لأنه لم تضع لنفسها بعد سياسة واضحة في المواضيع الدولية الحساسة، تبدو الآن تناقض نفسها في بعض الاحيان. فالولايات المتحدة شريكة مع الحكومة العراقية في الحرب ضد داعش، بل تساعد في تدريب وتسليح الجيش العراقي – رغم أن حكومة بغداد وجيشها والمليشيات الشيعية التي تلعب دور هام في المعارك، هي أداة في أيدي طهران من اجل تحقيق الاهداف الاستراتيجية والجيوسياسية.
يضاف الى ذلك أن الشراكة العلنية بين الولايات المتحدة وروسيا في الحرب ضد داعش في سوريا تُمكن حليفة روسيا، ايران، من رفع مستوى دعمها لحزب الله، واقترب قواتها أو القوات التي تعمل تحت إمرتها من الحدود الاسرائيلية والاردنية. ونحن نأمل أن الادارة الامريكية الجديدة ستستعد في الاشهر القادمة بشكل مناسب لمواجهة هذه التحديات. اسرائيل لا تريد تأجيج الصراع بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، أو في أماكن اخرى، بل العكس. ورغم ذلك يجب أن تكون متيقظة لخطورة العلاقة بين موسكو وطهران، وموقف الولايات المتحدة من ذلك.

السابق
صلاة لراحة نفس فرنجية في الجميزة اليوم
التالي
«حزب الله» الشيوعي