لماذ لن تقع الحرب بين اسرائيل وحزب الله لا في سوريا ولا في لبنان؟

الأصوات المرتفعة في اسرائيل حيال تنامي مخاطر النفوذ الايراني على إسرائيل، توحي بأنّ الحرب على الأبواب، فيما يتفنن المعلقون الصحفيون الإسرائيليون في رسم سيناريوهات الحرب المقبلة شمال اسرائيل، ويرمي قادة الكيان الإسرائيلي المزيد من الرسائل التهديدية في سوق التداول الاعلامي التي تنطوي على حرب سوريالية يمكن ان تحصل وتحرق الأخضر واليابس في شمال اسرائيل.

ما يعزز من المخاوف المتبادلة هو الزيارات التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى ثلاث عواصم دول كبرى محورية في مسار الصراع في سوريا وفي المنطقة، واشنطن وموسكو  وبكين، والملف الأبرز الذي حمله هو ملف النفوذ الإيراني على الحدود الإسرائيلية وفي سوريا على وجه التحديد. فيما طرحت ردّة الفعل السورية على الضربات الإسرائيلية الروتينية لمواقع حزب الله في سوريا، من خلال إطلاق صاروخ س 200 إثر إغارة الطيران الإسرائيلي في تدمر الجمعة الماضية، تساؤلات حول هل هذه بداية في تغيير قواعد الإشتباك في سوريا، الأمين العام لحزب الله تجنب الإشارة في خطابه الأخير لهذه الغارة ولما تلاها، فيما اسرائيل أعادت الكرة بقصف مراكز الرادار في جبل قاسيون في دمشق، واستهدفت سيارة مدنية بطائرة موجهة تردد أنّها عملية اغتيال لمسؤول في الدفاع الجوي السوري، ولم تقم سوريا ولا أيّ طرف على الأراضي السورية بأيّ عملية رد.

في المقابل استدعت روسيا السفير الإسرائيلي، ووجهت رسالة إلى تل أبيب بأنّ المطلوب المزيد من التنسيق بين الدولتين في سوريا منعاً لحصول تطور غير محسوب أو خطأ غير مقصود يجر الأوضاع إلى حيث لا تريد اسرائيل ولا روسيا.

يبقى أنّ ما رفع من منسوب الحديث عن مواجهة بين اسرائيل والأذرع الإيرانية في سوريا، لا سيما حزب الله، أمران، الأول إعلان الرئيس الاميركي أولوية تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة وسوريا تحديداً، والأمر الثاني والأهم، هو مؤشرات نهاية تنظيم داعش من خلال سقوط دولة الخلافة في العراق وبدء الاستعداد لإنهائها في الرقة السورية. هذان التطوران فتحا ملف النفوذ الإيراني وأمن اسرائيل، ذلك أنّه طيلة السنوات الست الماضية لم تتعامل اسرائيل مع التطورات العسكرية في سوريا بما فيها تدخل حزب الله، على أنّه مصدر تهديد لأمنها كما تبدو اليوم، فهل فعلاً يمكن أن تقع الحرب بين الطرفين اليوم رغم التناغم أو الهدنة التي حكمت العلاقة بين الطرفين؟ مع حفظ حق اسرائيل بضرب ما تراه يهدد أمنها في سوريا ولا سيما ما تعتبره سلاحاً كاسراً للتوازن يمتلكه حزب الله في سوريا أو ينقله الى لبنان.

الراجح في لعبة التهديدات المتبادلة ولا سيما عبر المنابر الإعلامية، تنطوي في العمق على رغبة الطرفين أي إيران واسرائيل على عدم حصول حرب أو مواجهة لا في سوريا ولا في لبنان، فإيران تدرك بعد غرقها بالدماء السورية أنّ أيّ حرب مع اسرائيل ستعني كارثة استراتيجية على إيران التي لن تجد من يدافع عن نفوذها لا في لبنان ولا في سوريا، بالطبع مع استثناء أذرعها الشيعية ولا سيما حزب الله. في المقابل إسرائيل التي تنعم باستقرار غير مسبوق منذ نشأتها على الحدود الشمالية، لا تنقصها القوة والقدرة على تحمل صواريخ إيران التي ستتساقط على أرضها، في مقابل توجيه ضربة قاسمة لحزب الله، المشكلة الإسرائيلية ليست في أيام الحرب أو أسابيعها، بل في اليوم الذي سيلي الحرب، من هي القوة التي يمكن أن تملأ فراغ حزب الله على حدودها؟ هذه القوة غير متوفرة وإذا توفرت فهي إما غير كفوءة أو غير مأمونة الجانب. وبالتالي فإنّ وجود عدو عاقل كإيران أو حزب الله، هو أفضل لإسرائيل من أيّ خيار آخر غير واضح وغير مجرب.

إقرأ أيضاً: قرار الحرب عند «حزب الله»؟

تدرك إيران وذراعها الإستراتيجي حزب الله قوة المعادلة على الحدود الإسرائيلية الشمالية، وهي معادلة توفر لإيران فرصة المساومة على نفوذها في سوريا، ولإسرائيل في المقابل تثبيت الأمن على حدودها، لكن عبر السعي إلى تهذيب القوة الإيرانية، بحيث أنّ إسرائيل في المدى المنظور لا تجد خطراً جدياً من إيران ولا حزب الله، ولكن لن تتساهل في تقليم أظافر إيران في سوريا لكي تبقى قوة إيران وحزب الله قوة ناشطة في مواجهة السوريين لا الإسرائيليين.

حدود الخلاف الإيراني الإسرائيلي لن يصل إلى كسر معادلة الاستقرار على الحدود الشمالية، في مقابل ضمان أن يشكل النفوذ الإيراني حول دمشق وفي المثلث السوري اللبناني السوري، عنصر ضبط منعاً للفوضى التي يمكن أن تنشأ على حدود الجولان، لا شكّ أنّ البعض سيقول أنّ الجماعات التكفيرية كما يسميها حزب الله تتلقى دعماً من إسرائيل، قد يصح ذلك وقد لا يكون، لكن مع افتراض حصول هذا التعاون على حدود الجولان، فإنّ اسرائيل تعرف أنّ هذه الجماعات يصعب ضبطها أو الإطمئنان إليها، لا سيما أنّ التجارب أثبتت أنّ هذه التنظيمات ولا سيما المصنفة إرهابية عصية على الضبط ويصعب توقع أفعالها في ظروف مختلفة.

إقرأ أيضاً: التصعيد ضد اسرائيل من قبل حزب الله سيناريو خطابي لن يولد حرباً

الحرب لن تقع لأنّ اسرائيل لا تريدها ولا إيران ولا حزب الله، قصارى ما يمكن أن نشهده عملية تشذيب إسرائيلية وضربات محددة تشعر اسرائيل أنّها صاحبة المبادرة وأنّها تحظى باحترام لشروط أمنها في الجولان وعلى حدود لبنان، فيما تصعيد اللهجات العدائية ضدها من قبل أذرع ايران، سيبقى كما هو اليوم قوة دعم لمعادلة الاستقرار على الحدود الاسرائيلية الشمالية، فالتجارب الإسرائيلية لحماية حدودها أثبتت أنّ أكثر من ينجح في حماية الاستقرار على حدودها هو الأكثر تحدثا بخطب العداء ضدها. والتاريخ يحكي من نظام الممانعة في سوريا، إلى ايديولوجيا المقاومة في لبنان. 

السابق
بريطانيا تمنع الاجهزة الالكترونية في مطار بيروت
التالي
اشتباك بين حزب الله والنظام السوري في محيط مطار دمشق