لافروف.. كلام حق أريد به باطل

ماجد عزام

أقر وزير الخارجية الروسي لافروف سرغي لافروف الثلاثاء الماضي 17 كانون ثاني يناير، أن النظام السوري كان على وشك السقوط لولا التدخل الروسي في سورية، وأضاف وزير الخارجية الروسي أن دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة في يد “الارهابيين” عندما تدخلت روسيا في سورية.

اقرأ أيضاً: سلمان لعون: فتّش عن إيران

كلام لافروف صحيح بالتأكيد حتى لو أريد به باطل لتجميل ولفت الانتباه عن الاحتلال الروسي لسورية والجرائم التي ارتكبتها حكومته بحق الشعب السوري أو السعي لتحقيق مكاسب سياسية اقتصادية واستراتيجية في سورية مع أنها في المقابل انصفت الشعب السوري وقواه الحية وعرت النظام العصابة الدمية وحلفاؤه من الحشد الشعبي الايراني اللبناني العراقي الافغاني الباكستاني، وشذاذ الآفاق الذين اتَى بهم يائساً لحمايته من السقوط الحتمي والنهاية الأكيدة.

بدايةً لابد من تصحيح وتأكيد المفاهيم والمصطلحات، فما يصفه لافروف بالتدخل ليس سوى احتلال موصوف أتى ضد رغبة الشعب السوري وممثليِه الحقيقيين، والنظام او بقايا العصابة الحاكمة وبعدما قتلت مليون سوري وشردت نصف الشعب – قرابة 10 ملايين – ودمرت مقدرات وثروات البلاد لا تمتلك الشرعية الأخلاقية ولا السياسية لطلب التدخل أو الدعم لا من روسيا ، أو غيرها .
التدخل الاحتلال الروسي ارتكب بدوره جرائم حرب موصوفة في سورية لا يمكن تجاهلها، أو سُقوطها بالتقادم ثم حصل على مكاسب عسكرية استراتيجية وقواعد عسكرية مجانية دون مشروعية أوجه حق، وما ينطبق على ” وعد بلفور ” المشؤوم ينطبق هنا ايضا ” من لا يملك أعطى لمن لا يستحق “.

كلام لافروف أنصف من حيثُ لا يدرى ” الشعب السوري ” ، وأكد على أنه كان على وشك اسقاط النظام وتحرير البلد منه رغم أنه تُرك وحيدا ولم ينل الدعم الذى يستحقه، وهو أسقط أولا الدولة المتوحشة التي أقامها الأسد الأب وورثها بشار الصغير عنه وأسقط في السياق أجهزتًها الأمنية البشِعة التي حكمت البلاد وارتكبت كل الجرائم بحق الشعب السوري لِإجباره على الاستسلام والخضوع ، وعندما فشل النظام في تحقيق مأربه استعان اولا بالحشد الشعبي اللبناني -اسمه الحركي حزب الله- الذى تبجح زعيمه قيس الخزعلي -اللبناني- أنه حمى النظام من السُقوط ولولا تدخُله لسيطر التكفيريون – اسمَاهم لافروف إرهابيين- على دمشق كما قال ذات مرة هو شخصيا لنائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانف- صحيفة الحياة 21 حزيران يونيو 2013- وبعدما فشل الحشد الشعبي اللبناني في تحقيق الهدف تمت الاستعانة بحشود شعبية طائفية اُخرى من العراق، باكستان وافغانستان ودائماً بقيادة الحشد الشعبي الايراني وزعيمه قيس الخزعلى – قاسم سليماني- وعندما فشل كل هؤلاء بحماية النظام أو منع سُقوطه جرت الاستعانة او الاستغاثة بروسيا لتحقيق ما عجزت الحشوُد الطائفية المذهبية عن تحقيقهُ.

كلام لافروف عن الإرهابيين مردُود عليه طبعا فحسب اعترافه شخصيا منذ أيام، فاِن الإرهابيين هم فقط، داعش والنصرة والباقيين مُقاتِلين شرعيين اعترف بِهم لافروف فُاوضهم في انقرة وسيفاوضهم في استانة، وجنيف أيضا وهؤلاء هم من واجهوا النظام وكانُوا على وشك اسقاطه وتحرير العاصمة، والإرهابيون هم من قدم لهم لافروف الحماية الجوية أو من جاء لإنقاذهم من هزيمتهم المدوية.

لافروف

النظام تلقى كذلك دعما يبدو سورياليا غير أخلاقي ناهيك عن أنه غير مبرر من قِبل الرئيس الأمريكي المنصرف باراك أوباما، الذى تغاضى عن استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبهُ وحصلت الصفقة اللئيمة والإجرامية عندما جرى تجريده من السلاح الكيماوي مع اعطائه الحق في ارتكاب الجرائم ببقية الأسلحة الاخرى بما في ذلك صواريخ أسكود والبراميل المتفجرة، ثم جرى تقديم حماية سياسية له على مذبح الاتفاق النووي مع ايران – نبقِى لهم رجلهم، أداتهم في الشام – ونحصل على الاتفاق وتنازلهُم عن مشروعهم النووي كما اقر أوباما نفسه.

الحماية السياسية الامريكية لم تنقذ النظام، وحتى العسكرية غير المباشرة عبر السكوت عن دعم حلفائه له مع منع تقديم أسلحة فعالة جدية للثوار، كاسرة للتوازن وقادرة على تحييد سلاح الجو للنظام ومواجهته وحشوده في الميدان، وبقاعدة رجل لرجل، ورغم كل ذلك كان الثوار على وشك إسقاطِه بعد اربعةِ أعوام من النضال والصمود الاُسطُوري لولا الاحتلال الروسي كما اقر لافروف بنفسه الثلاثاء الماضي.

من نافل القول أن الامم المتحدة تخلت عن الشعب السوري ولم تقم بواجبها لحمايته ومشاريعها الإنسانية او الإغاثية ذهبت معظمها الى العصابة أو بقايا العصابة الحاكمة ومؤسستها الوهمية، كما أن الأموال الأممية والدولية صبت في النهاية لصالح آلة القتل الوحشية للنظام وميليشياته.

المعطيات السابقة تمثل خلفيات او دلالات كلام لافروف، أما اهدافه أو رسائله تتضمن تهديد النظام أولاً بأنه في وضع لا يسمح له بقول لا للروس او التذاكي في مواجهتهم، وعليه الِانصياع لمواقفهم، و خططهم أو أي تفاهمات واتفاقيات قد يتم التوصل اليها أو يَرونها متطابقة مع مصالحهم.

من هنا، يمكن فهم نشر القوات الخاصة الروسية في حلب بعد احتلالها ومنع بشار الصغير من إلقاء ما يتوهم أنه خطاب الانتصار، لأن إذا ما افترضنا جدلاً أن ثمة رابح ولو بشكل تكتيكي ومؤقت بعد تدمير المدينة وتشريد أهلها فهو الاحتلال الروسي وليس الأداة أو ذيل الكلب بأي حال من الأحوال.

الرسالة الثانية التي أراد لافروف إيصالها هي لحلفاء النظام من ميليشيات الحشد الشعبي على اختلاف مسمياتها واشكالها بما في ذلك الإيرانية طبعاً، ومفادها أن موسكو هي الحاكمة والمتحكمة بمقاليد الأمور وأن حال هذه من حال النظام، وبالتالي هي ليست في وضع يمكنها من التحفظ و المعارضة أو حتى التذاكي في مواجهة الروس كقوة الاحتلال الرئيسية والمركزية والتي حمت النظام من السقوط بعد فشل هؤلاء في حمايته.

ثمة رسالة دولية وخارجية للأمم المتحدة، الغرب، أوروبا والولايات المتحدة تحديداً، مفادها أن روسيا هي المتحكمة بالنظام وحلفاؤه ، والمساومة لابد وأن تكون معها وإذا ما أريد التوصل إلى حل سياسي ، فانه يتم حصرا معها وثمة رسالة ضمنية طبعا مفادها أنها هي من حمت النظام من السقوط ومستعدة للتخلي عنه لحل القضية السورية اذا ما تم الأخذ بمصالحها أو حتى مطالبها الأوسع المتعلقة بأوكرانيا، القرم وتوسيع حلف الناتو شرقا.

آخر طرف يمكن أن توجه الرسالة له هو تركيا كون أنقرة تعي جيدا الواقع في سورية وهى تفهم على نحو مناسب أن موسكو تخشى التورط والغوص أكثر في الوحول السورية وأن من المستحيل أن تكسب الحرب فيها حتى لو ربحت تكتيكيا معركة هنا أو هناك، وهى مستعدة للمساعدة في التوصل إلى حل سياسي عادل وفق إعلان جنيف ، دون تحايُل أو تذاكي ودون أي دور للأسد في مستقبل سورية بعد الجرائم التي ارتكبها ورغم حملة التضليل المكثفة التي يقوم بها الحشد الشعبي الاعلامي لتشويه او النيل من الدور التركي الذى تتطابق أهدافه إلى حد بعيد مع الأهداف المشروعة للشعب السوري في الحرية العدالة الكرامة، وتقرير المصير على كامل التراب الوطني السوري.

عموما وقبل ذلك وبعده فإن الشعب السوري وقواه الحية العسكرية والسياسية هم المعنيون مباشرة بكلام دلالات وخلفيات كلام لافروف، وهم يعوون أصلا أن الاحتلال الروسي هو الحامي للنظام ولكنه لن يستطيع حمايته للأبد، وإذا ما رفض استراتيجية خروج متفق عليها وتسوية عادلة وفق إعلان جنيف دون تذاكي تحايل أو تشاطر ودون الأسد طبعا فعليه مواجهة الشعب العنيد الذى أسقط النظام ولن يعدم الحيلة الصبر أو الصمود لإسقاط ودحر الاحتلال.

السابق
حماة الديار تفتح الطرقات امام اليات الجيش اللبناني
التالي
وفاة الشيخ أسد عاصي رئيس المجلس الاسلامي العلوي