حلب لم تسقط.. بل احتلت من جديد

ماجد عزام

حلب لم تسقط بل احتلت من جديد من قبل تتار العصر على اختلاف مسمياتهم وأشكالهم، وتحديد المصطلحات مهم جدّاً، لأنه لا يمكن أن يجري الحديث عن سقوط مدينة بحجم حلب، حلب التاريخ الثقافة الفكر الجيوبوليتيك الاقتصاد والاجتماع، مدينة مثل حلب لا يمكن أن تسقط أي كانت همجية الغزاة. كما لم تسقط من قبل مع التتار الصليبيين والدولة المتوحشة التي أقامها حافظ وورثها عنه بشار الأسد.

اقرأ أيضاً: «ثقافة» الانتصار في حلب وعليها

إضافة إلى تحديد المصطلحات يجب التأكيد على حقيقة أخرى، وهي أن احتلال حلب لا يعني بأي حال من الأحوال أن الثورة هزمت أو انتهت. لا يمكن لنظام أي نظام أن يربح في مواجهة الشعب الثائر، ولا يمكن تعميم الخيار الشيشاني الخيار التدميري على البلد كله. كما جرى في حلب وداريا، والأهم أنه حتى لو حصل ذلك، فإنه لا يعني انتصار النظام العصابة الحاكمة، فلا أحد تحدث عن انتصار من دمروا حلب وحواضرنا الكبرى في الماضي، ولم يتحدث أحد مثلا عن انتصار إسرائيل بعد تدمير بيروت، غزة، وحتى مخيم جنين الصغير مساحة قبل سنوات.

المعطيات السابقة مهمة جداً قبل الحديث عن أسباب احتلال حلب التي يمكن اختصارها أو تركيزها بالأحرى في سببين رئيسين: التدخل الروسي، ومن قبل الميليشيات الإيرانية الموتورة، ميليشيات مالك الأشتر، كما تقول أبواق الحشد الشعبي الإعلامي زوراً وبهتاناً، يمكن الحديث عن أسباب أخرى جانبية وغير رئيسية، ومنها تشتت الثوار، وعدم التوحد تحت لواء قيادة واحدة وغرفة عمليات مشتركة، مع الانتباه إلى أن هذا الأمر لم يمنع لسنوات مواجهة العصابة الحاكمة، وحتى الميليشيات الإيرانية الفارسية الطائفية على اختلاف مسمياتها وأشكالها.

صمد الشعب السوري وقواه الحية على تشتتهم وانقسامهم في مواجهة آلة القتل الأسدي الطائفية، وبقايا الدولة المتوحشة، وحتى عندما تم استقدام الميليشيات الإيرانية والحشد الشعبي الطائفي الإرهابي، والمجرم الذي شارك النظام جرائمه البشعة ضد الإنسانية لم يؤدي ذلك إلا إلى منع سقوط النظام وانهياره بشكل رسمي وعلني بعدما بات ذلك حقيقة واقعة على الأرض ومجرد ميليشيا او عصابة طائفية صغيرة تابعة وخاضعة ولا يمكن أن تستمر في اغتصاب السلطة دون دعم خارجي.

غير أن كل الأمور تغيرت مع الاحتلال الروسي الذي اتبع الخيار الشيشاني خيار الارض المحروقة بقوة جوية موتورة ومجنونة، ومع الانتباه، إلا أنه حتى الاحتلال الروسي وجرائمه الموصوفة ما كان لينقذ النظام العاجز عن استغلال الجرائم الروسية على الأرض أو حتى الاحتفاظ بالمكاسب التي حققها، لولا هذا الاندفاع الموتور من إيران وعصاباتها، خاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني الذي فهمت طهران مغزاه الحقيقي، كما اتفاقها غير المعلن مع أوباما المهووس بدخول التاريخ بهذا الاتفاق، والذى لم يمانع احتلالها لعواصم عربية، وحتى الإبقاء على رجلها واداتها في الشام، مثلما قال شخصياً في سجاله الشهير مع وزير دفاعه المستقيل تشاك هيغل.

يمكن بعد ذلك الحديث عن الانقسام السياسي والعسكري للثوار، وعجز الثوار في الميدان في حلب تحديداً، عن التوحد في قيادة واحدة وغرفة عمليات واحدة، إلا أن ذلك كله ناهيك عن سياقه التاريخ بعد عقود من توحش النظام الانقلابي الاستبدادي لم يسمح بالعصابة وميليشياتها بالانتصار، لولا التدخل الروسي الفظ والهمجي.

في مسألة احتلال حلب من جديد، لا بد من التطرق إلى تركيا ودورها في حلب، كما في القضية السورية بشكل عام. أولاً يجب التأكيد على أن معادلة الباب لم تطرح، ولم تكن موجودة أصلاً، إلا في خيال البعض من كارهي تركيا، أو من غضّوا الطرف عن مساعدتها ودورها في استضافة اللاجئين، وتضميد جراحهم ببساطة، الباب لم تكن عند روسيا، إنما عند واشنطن بشكل أساسي، وحتى طهران كانت مجرد لاعب صغير ومشاكس فقط، وحلب لم تكن عند تركيا، لأن الحصار حصل منذ شهور، ولأن قضيتها والملف السوري بشكل عام كان لأكثر من سنة أسير المساومة، أو الابتزاز الأمريكي الروسي، ولم تتدخل تركيا إلا في اللحظات الأخيرة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح، وتخفيف العذابات. وبعدما فشلت محاولات التسوية الأمريكية الروسية أو بالأحرى اللهاث الأمريكي خلف الغطرسة والإجرام الروسي غير المتناهي.

حلب

أما معركة درع الفرات فقد بدأت بعد شهرين تقريباً على حصار حلب، ولم يشارك فيها في البداية غير 1500 عنصراً مع وجود مهم للمقاتلين السوريين التركمان، وعدد محدود منهم جاء من منطقة حلب، وهي لم تؤثر عسكرياً بشكل جوهري على معركة حلب، ناهيك عن فوائدها الاستراتيجية، من قبيل اقامة المنطقة الامنة وعودة اللاجئين بأمن وسلام، واجهاض كيان بي بي كا السوري الشمولي المتماهى مع النظام، تلك الفوائد التي تصب أساساً في مصلحة الشعب السوري وقضيته العادلة.

ما العمل الآن؟ سياسياً تنظيمياً مؤسساتياً وعسكرياً وميدانياً عربياً وإسلامياً، لابد من اعادة ترتيب صفوف الثوار سياسياً وعسكرياً ، اعادة تشكيل الهيئات السياسية في الائتلاف تحديداً خاصة مع الاداء المعقول جداً للهيئة التفاوضية، والتي باتت بمثابة المعبر عن الشعب السوري وقواه الحية سياسياً وميدانياً ، وقبل ذلك وبعده لابد من توحيد كل القوى المقاتلة بقيادة ضابط عسكري ذو خبرة ميدانية واسعة مع بلورة استراتيجية قتالية جديدة ومختلفة، اعادة توحيدها طبعا تحت اطار الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض ، وليس وفق اجندة القاعدة ، وعلى أساس برنامج متفق عليه لإسقاط النظام الاستبدادي واقامة الدولة المدنية الديموقراطية العادلة لكل مواطنيها، والتي سيحدد الشعب السوري بعد ذلك طبيعة النظام السياسي والإداري للدولة العادلة المنفتحة على نفسها وعلى جوارها العربي الإسلامي .

عربياً اسلامياً دولياً يجب أن تستمر التظاهرات والفعاليات للتضامن مع حلب والقضية السورية العادلة، يجب أن تكون مفوضيات أو ممثليات مجتمعية متصلة بالائتلاف بشكل او بآخر، لتنظيم الأمر والتأكد من ديمومته والاستفادة من التعاطف الكبير مع الحلبيين والسوريين بشكل عام لرفع الغطاء عن المنخرطين في جرائم الحرب ضده كما القوى الداعمة للنظام ولو سياسياً وإعلامياً.

يجب الانتباه الى أن ايران وميليشياتها التي حمت النظام من السقوط العلني والرسمي- بعدما سقط وطنياً ومعنوياً – بضوء أخضر أو برتقالي امريكي من قبل إدارة أوباما وزير خارجيته جون كيري ، هذا الامر سيتغير حتماً مع إدارة ترامب التي ستتعاطى بعداء شديد مع طهران وانفلاتها الإقليمي المهووس، يمكن التعويل هنا على تنسيق أكبر بين أنقرة والرياض والدوحة ليس فقط لملاقاة التوجهات الجديدة لترامب فيما يخص المنطقة الآمنة في سورية، والتي ستكون مسمار في سقوط النظام رسمياً وبقعة امنة للثوار واللاجئين ، وانما للتأكيد على أن الحل السياسي العادل والمستدام متاح فقط في الية وروحية جنيف، التي تخلت عنها واشنطن-لموسكو- لصالح الية وروحية فيينا وأن لا مكان للأسد ونظامه في مستقبل سورية، وإذا ما أرادت روسيا الذهاب إلى تهدئة وتسوية في عموم سورية ، فوفق قاعدة جنيف ودون تذاكي او تشاطر، وإلا فالغرق في الوحول السورية ومواجهة حرب استنزاف ، لا يمكن ولا أمل فيها بالانتصار إلا للشعب المدافع عن ارضه وحقه في الحرية وتقرير المصير.

السابق
مناكفة التسلّم والتسليم بين ريفي وجريصاتي سياسية أم قانونية؟
التالي
صحيفة روسية: جيش الأسد ضعيف وفاسد وحزب الله وإيران يفشلان العمليات