سوريا: خدعة روسية إيرانية

ساطع نورالدين

لم يسبق لحرب كبرى مثل الحرب السورية ان إحتوت على هذا القدر من النفاق العلني والخداع المكشوف. ليس ثمة مؤامرة، ولا مباغتة، ولا حتى عملية تمويه، بل مستوى متدنٍ فقط من التعامل مع الجمهور، مع الاعلام، ومع الذات، وهو يعري الروس ويفضح الايرانيين، ولا يثير غير السخرية.

اقرأ أيضاً: دولة الرقّة – الموصل – الأكراد مسؤولية إيران وروسيا؟

التعاون العسكري الروسي الايراني، كان وسيبقى أهم عناصر الحرب السورية، وأحد عوامل تحولها الى “حرب كونية” على غالبية الشعب السوري المعارضة لنظام بشار الاسد، يمكن أن ينضم اليها الصينيون، ولن يوقفها الاميركيون والاوروبيون. هذا التعاون بلغ مرحلة متقدمة قبل أسبوع مع الاعلان عن فتح قاعدة همدان الايرانية امام القاذفات الروسية الاستراتيجية، لاختصار مدى طيرانها وزيادة حمولتها من القذائف المدمرة للاهداف السورية. قبلها كان أيضا الاعلان عن السماح بتحليق الصواريخ الروسية العابرة للقارات في الاجواء الايرانية لضرب أهدافها في سوريا. وقد سقط بعضها كما هو معروف في داخل الاراضي الايرانية نفسها نتيجة خلل تقني.
وبناء على هذا التعاون الاستراتيجي المتصاعد، لم يبق في الترسانة العسكرية الروسية سوى السلاح النووي خارج الحرب السورية، وإن كان لا يستبعد ان يلجأ الروس يوماً ما الى استخدموا الصواريخ المزودة برؤوس حربية من اليورانيوم المستنفذ، على غرار ما فعل الاميركيون في العراق، إن لم يكن قد استخدموها بالفعل. ولم يبق في الترسانة السياسية الايرانية سوى الاعلان عن تحويل إيران الى قاعدة مفتوحة امام الجيش الروسي بكامل اسلحته الجوية والبرية وربما البحرية أيضاً. فالحرب في سوريا تشتد ضراوة والمعارك تزداد حساسية يوماً بعد يوم..
لكن، مهلاً. ثمة ما طرأ فجأة على هذا الحلف الاستراتيجي. فقد تنبهت إيران بالامس الى أن موسكو حليف غير موثوق، لا في الملف النووي ولا في الملفات الاقليمية، السورية والعراقية والخليجية عموما. لذلك قررت إقفال قاعدة همدان في وجه القاذفات الروسية المتجهة الى سوريا.. وحجتها ان موسكو كشفت بل وتفاخرت بفتح تلك القاعدة، ما أحرج القيادة الايرانية أمام جمهورها، الذي ما كان يجب ان يعلم بتلك الخطوة المهمة، وما كان يفترض ان يتدخل في النقاش الداخلي، الذي دار حول مسؤولية المرشد علي خامنئي ومجلس الدفاع الاعلى، ووراءهما حكومة الرئيس حسن روحاني ومجلس النواب الذي خرج من صفوفه 30 نائباً وجهوا سؤالاً الى الحكومة حول استخدام الروس لقاعدة همدان.

سوريا
هي إذا مسؤولية الروس ولسانهم الطويل. فالقيادة الايرانية تثق على الارجح في انها كانت قادرة على اخفاء هذا التحول الاستراتيجي عن أعين شعبها وعن الاقمار الصناعية وأجهزة الرصد الجوي والرادار المنتشرة في محيط ايران، وتظن ان الدول التي أبلغتها موسكو سلفاً بفتح قاعدة همدان أمام قاذفاتها الاستراتيجية، وعلى رأسها أميركا وإسرائيل، عدا عن بلدان أخرى معنية بحركة الطيران في الاجواء الايرانية، لن تنبس ببنت شفة وستلتزم الكتمان على الامر، ولن تفاخر هي الاخرى بان الروس أبلغوها مسبقاً بالمسار الجديد لقاذفاتهم البعيدة المدى.
المهم، أن إيران سجلت حرصها الشديد على سيادتها الوطنية وحساسيتها الخاصة تجاه أي قوة عسكرية أجنبية تستخدم أراضيها او مجالها الجوي، لكنها عادت، وعلى لسان كبار المسؤولين الايرانيين، الى التأكيد على ان التعاون مع الروس في مكافحة الارهاب مستمر وعلى مختلف الصعد. وكذلك فعل الروس الذين احترموا الارادة الايرانية، لكنهم اوضحوا ان التسهيلات العسكرية التي قدمتها طهران ما زالت قائمة، ويمكن ان تستخدم في أي وقت، بما فيها قاعدة همدان بالذات.
وهكذا إنشغل العالم على مدى اسبوع مضى في جدل حول تطور التعاون العسكري الروسي الايراني، وملامسته، بل ربما إختباره فكرة إقامة قاعدة جوية دائمة للقاذفات الروسية على الاراضي الايرانية.. تماما مثلما إنشغل العالم في شهر آذار مارس الماضي، بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بويتن سحب الوحدات الجوية والفضائية الروسية من سوريا، والذي تبين أنه كذب مفضوح، وبلا أي غرض.
الثابت هو التعاون الروسي الايراني في سوريا باقٍ ويتمدد، وهو يعتمد الان نمطاً جديداً من الخداع.. للروس والايرانيين وحدهم، قبل سواهم.

(المدن)

السابق
وئام وهاب يرد على فيديو «انا رح قاتل تركيا»
التالي
لا مبادرة سياسية بل ضرب جديد من فن التقيّة