دويلات سورية… ولكن؟!

خريطة تقسيم سوريا

الدولة السورية التي رُسمت حدودها في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، تتجه نحو التفتت، هذه حقيقة لا يمكن نفيها بأي شكلٍ من الأشكال، بل يمكننا القول، إن سوريا التي نعرفها بحدودها المرسومة حين الانتداب الفرنسي غدت شيئا من الماضي، فالكُرد يسيطرون على مناطقهم في شمال – وشمال شرق سوريا – ويتلقون دعماً سياسياً وعسكرياً من الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الروسية، أي أنهم على علاقة وطيدة بالدول العظمى، ويديرون «دويلة» كردية في الداخل السوري على الحدود مع تركيا، التي ترفض ذلك، وإقليم كردستان العراق الّذي تتوتر علاقاته السياسية بين الفينة والأخرى مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يفرض سيطرته على المناطق الكردية السورية منذ منتصف عام 2012، أي قبل إعلانه عن الإدارة الذاتية المدنية بالمشاركة مع أحزاب وتيارات كردية سورية؛ وأخرى عربية؛ ومسيحية آشورية، إلى جانب مشاركة بعض العشائر العربية من منطقة الجزيرة السورية.

اقرأ أيضاً: رأي في الفكر المتطرّف وعدم قبول الرأي الأخر..

يحدّ هذه «الدويلة» الكردية، المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وهي مساحات جغرافية كبيرة من سوريا، تكاد تتجاوز ربع مساحة الأراضي السورية، فالتنظيم يبسط نفوذه على مدينة الرقة، معقله الرئيس، ومساحات أخرى من مدينة دير الزور وريف حمص، إلى جانب سيطرة فصائل عسكرية إسلامية راديكالية على مدنٍ سورية أخرى بالكامل، كما هو الحال في مدينة إدلب شمال غرب البلاد، وكذلك الأمر في أجزاء من ريف حلب وحماة ودرعا في الجنوب السوري، ما يعني وجود «دويلات» إسلامية في مناطق سورية متفرقة، لكن لا يمكننا التأكيد بالمطلق أن تلك الفصائل تمثّل المكون العربي «السني» في سوريا، على الرغم من تبني معظم نخب المعارضة السورية «السنية» لأيديولوجيات هذه الفصائل، وهو ما يبدو واضحاً في بعض تصريحاتهم الصحافية، خشية قيام كيان كردي في سوريا، حتى إن عدداً منهم، يشترط وجود تنظيم الدولة الإسلامية في الشمال السوري، كشرط أساسي لوجود الكُرد في تلك المناطق؛ والعكس صحيح، وفقاً لرأي هؤلاء المعارضين من العرب السنة السوريين.

وإلى جانب تكوين هذه «الدويلات» الإسلامية المتفرقة في سوريا؛ والدويلة الكردية، يسيطر النظام السوري وحلفاؤه من الميلشيات المسلّحة على مساحات كبيرة من سوريا أيضاً، إذ يتحكم النظام بالعاصمة دمشق، بالإضافة لمراكز معظم المحافظات السورية (حلب، حماة، حمص، اللاذقية، وطرطوس) والأخيرتان لم تشهدا إلى الآن أيّة عمليات عسكرية ضخمة كما حصل في المدن السورية الأخرى، وهذا يعني أن إمكانية قيام «دويلة علوية» في الساحل السوري أمر قائم، وممكن في ظل انقسام سوريا جغرافياً؛ وسياسياً؛ وعسكرياً، ناهيك عن الدعم الّذي يتلقاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد من روسيا وإيران، بالإضافة لميليشيات حزب الله اللبناني الّذي يقاتل إلى جانب قواته ضد مقاتلي المعارضة السورية المسلّحة والإسلاميين أيضاً في مناطق سورية عدة.

سوريا

ووفقاً لما سبق من تكوين دويلات كرديّة وإسلامية متطرفة ومتفرقة في آنٍ واحد، بالإضافة لإمكانية قيام دويلة «علوية» في الساحل السوري، فأن فكرة قيام دويلة «درزية» في جبل العرب هو أيضاً أمرٌ معقول، في الوقت الذي تشهد فيه سوريا صراعاتٍ داخلية وخارجية؛ وهي كما تبدو مفككة الآن، وقد يتمكن أحدهم أن يصل بصعوبة من دمشق إلى القامشلي براً، نتيجة مروره في دويلات كثيرة أثناء سفره في تلك المناطق، منها دويلات إسلامية وأخرى تتبع للنظام السوري الّذي لم يجد بعد الفرصة المناسبة لإعلان دويلة علوية، إذ لم يتمكن هذا السوري من السفر جواً.

والسؤال هنا، لمنْ ما يزال يؤمن أو يطالب بوحدة سوريا: كيف تكون سوريا موحدة دون أن يتمكن السوريون أنفسهم من السفر بحرية بين مدينة وأخرى داخل البلاد؟!

وبالتالي، فأن إمكانية العودة لحدود سايكس بيكو؛ أو سوريا ما قبل انطلاقة الاحتجاجات الشعبية في منتصف آذار/ مارس 2011، أمر مستحيل… وإن لم يكن كذلك، فهو كارثيٌ للغاية، ويعني دخول سوريا في حرب أهلية بين مختلف مكوناتها العرقية والدينية، إذ ما عادت الحدود السابقة لسوريا تعني شيئاُ، وهل يتقبل «العلويون» حكم مجموعات إسلامية سنية متطرفة؛ مثل جيش الإسلام الّذي وضع رجالهم في أقفاص حديدية واستخدمهم كدروع بشرية؟ أو هل يتقبل «السنّة» السوريون حكم مجموعات «علويّة» قتلت أطفالهم تحت التعذيب في الأفرع الأمنية؟ والأمر ذاته بالنسبة للكُرد، هل يمكن لهم الرضوخ لحكم إسلامي قام بسبي نسائهم ونحر رجالهم كما حصل في شنكَال/سنجار في إقليم كُردستان العراق، وامتدت عواقب هذا الأمر إلى كُرد سوريا حين تم بيع النساء الكرديات الايزيديات بمدينة الرقة السورية؟!

هذه الأسئلة كلّها، قد تكون بداية إيجابية لمرحلةٍ سورية مقبلة تساهم في بناء دولة اتحادية، يشارك فيها جميع السوريين جنباً إلى جنب، ضمن أقاليم خاصة لكل مكوّن عرقي؛ أو ديني على غرار تجربة الدولة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، فالمناطق الكردية هناك آمنة في الوقت الحالي، وتعد ملجأً رئيساً لمعظم السكان العراقيين الفارين من مناطق سيطرة تنظيم الدولة والحشد الشعبي على الرغم من أن غالبية المعارضين العراقيين من العرب السنّة، يرفضون أيضا قيام إقليم كردي هناك… وإن لم يعد العرب «السنّة» السوريين تجربة أقرانهم في العراق، فأن الوضع السوري القائم سيكون أسوأ مما هو عليه الآن، لتبقى سوريا الجديدة دويلات مفككة تحارب بعضها البعض دون أن تساهم إحداهن في بناء سوريا الاتحادية.

* كاتب وصحافي كًردي

السابق
بلدية فرنسية تلزم «متجرا حلالا» ببيع الخنزير والكحول
التالي
تساؤلات عن معركة حلب: لماذا تضاربت المراحل؟ ولماذا المعارك في نقاط محررة؟!