الإسلام والحريّة (1): توحيد العبادة بالله حرّم عبادة القادة والمتسلطين

صلاة
لطالم صوّر الإسلام على أنه دين معاد لأشكال الحريّة، وأن الواجب فيه يتقدّم على أي شيء. يشرح العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين موقف الدين الحقيقي من الحريّة، ونتناول في هذا الجزء الحرية الفردية التي يحميها الإسلام.

يقول السيّد الأمين بداية إن “موقف الإسلام من الحريّة لعلّه الموقف الأكثر عمقاً وإيغالاً في مخاطبة الكائن الإنساني، بل في تحديد جوهر هذا الكائن الإنساني. وهذا يتبدى في صورة واضحة من خلال إبراز شعار الدين الإسلامي وهو شعار التوحيد “أن لا إله إلاّ الله”.

لا يقتصر معنى الشعار على وحدة الذات الإلهية وتفرّدها في الهيمنة على الكون والإنسان، وعلى المعنى البسيط المتبادر منها إلى الذهن بوجوب هجر عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد. لأن أحداً في هذا العصر لا يعبد وثناً أو حجراً، وحتى في زمن الجاهلية كانت عبادة هذه الأوثان عندهم رمزاً لعبادة الإله من خلالها، فجاء الإسلام ليحرّر الإنسان من الواسطة بينه وبين الله سواء أكانت الواسعة حجراً أو بشراً”.

ما يقصده السيد الأمين أن توحيد العبادة في الله منعت عبادة الأشخاص وحررت بالتالي الإنسان من عبوديته لإنسان آخر. فالله وحده المعبود. وهذا ما حرّم عبادة القادة والمتسلطين.

ويلفت السيّد الأمين إلى أن المسلم الحقيقي يحظى بمناعة ضدّ أشكال الإستعباد الدنيويّة فيقول: “إن كل قبول بالاستعباد لكائن بشري هو شرك بالله وهذا يعني بالضرورة أن الإسلام جاء ليحرّر الكائن الإنساني من أشكال العبوديات لغير الله، ومن هذه العبوديات عبودية الهوى والشهوة والأنانية وحبّ الذات، وتدخل ضمنها أشكال الاستعباد السياسي للفرد أيضا”.

السيد محمد حسن الامين

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: «الإلحاد» قديم.. والصراعات المذهبية أخطر

وعن المسؤولية المواكبة كضابط للحريّة الفرديّة يستطرد السيّد الأمين قائلا: “الحرية للكائن الإنساني، وإن كانت بهذه السّعة والشمول، إلا أنها تستلزم المسؤولية. أي أن الكائن الإنساني مسؤول عن ممارسة حريته واختياراته في الحياة وهذا ما يحدِّد، أو ما يجعل للحريّة حدوداً لا بدّ منها. كما لو أنّ الفرد المؤمن بالإسلام هو حرّ في أن يؤمن أو لا يؤمن، لكن عندما يؤمن يصبح ملتزماً بأوامر الإسلام ونواهيه، وإلاّ فلا يكون هناك معنى للالتزام .وكما نعلم جميعاً فإن الإسلام لا يفرض فرضاً على معتنقيه، والله تعالى يقول: “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، ويخاطب النبي(ص): “فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر”.

بالنسبة إلة التسلّط باسم الدين يقول السيّد الأمين:” ليس كلّ ما يرتكب من جرائم أو مخالفات ضدّ المسلم بحجّة كونه يخالف الشريعة أو بعضها هو إجراء يجيزه الشرع، فللإسلام ككلّ عقيدة نظام يمنع الخروج على القوانين المتبعة والتي هي موضع تسليم وإقرار من قبل المجتمع. فإذا كان الإسلام يحرّم شرب الخمر وهو كذلك، فإن مخالفة هذا الحكم جهرا ضمن المجتمع الإسلامي وعلناً يعتبر تحدّياً للقانون العام، وهذه الحالة من احترام القوانين والإلزام بها موجودة في كل المجتمعات المتقدمة. فالحرية، وإن كانت مقدّسة، فإنها لا تعود كذلك إذا اصطدمت بالقوانين التي يلتزم بها المجتمع والدولة في حال كانت تطبق الشريعة التي اختارها الشعب. أما في حال وجود دولة لا تتبنى الشريعة الإسلامية، فإن هذه العقوبات لا يجوز إيقاعها من قبل أفراد تجاه الشخص الذي يرتكب هذه المخالفات ولو كانت مخالفة لأحكام الشرع”.

إقرأ أيضاً: السيّد الأمين: على السلاح أن يكون في خدمة العقل.. وليس العكس

ويشرح السيّد الأمين في النهاية معنى “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” فيقول: إن ما قلناه لا يعني أن المجتمع وبعض أفراده لا يجوز لهم الالتزام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن الالتزام بهذه الفريضة لا يجيز لهذه الجماعة، أو الأفراد المسنتسبين لها، إيقاع العقوبات المترتبّة على الآخرين. وكما هو معروف فلهذه الفريضة مراتب متعددة. فعندما يرتكب المسلم ما يخالف الشريغة ولم يكن هذا الارتكاب مضراً للمصلحة العامة أو مشيعاً للفحشاء في وسط المجتمع فإنه لا يخضع لعقاب كما في الفروض العباديّة. فلو وجد إنسان مسلم لا يصلّي، فهذا أمرّ أمام الله سبحانه وتعالى، وحسابه عند الله وليس عند الحاكم أو عند القانون إلاّ إذا تحوّل موقفه من الصلاة إلى مهاجمة الصلاة والدعوة إلى تركها. فالعقاب حينئذ يترتب عليه لجهة الدعوة إلى الإخلال بالنظام العام وبعقيدة المجتمع والاستهزاء بقيم مقدسة لدى هذا المجتمع. لذلك فالحرية الشخصية مصانة ما لم تنتهي إلى إيذاء الآخرين”.

السابق
جريحة في حادث سير على البولفار الشرقي في صيدا
التالي
مخاوف خليجيّة: السعودية اعترضت والإمارات رحبت والبقية حذرون