هل بدأت الصحوة العربية ضدّ الدين وتطرّفه؟

المستهدف ليس الشيعة فقط بالإرهاب التكفيري السلفي، فهو ضرب تونس السنيّة أمس موقعا 37 ضحية، في يوم ضربه شيعة الكويت، وضرب فرنسا، ويضرب مصر. فالتحريض الطائفي والمذهبي هو جانب واحد من جوانب عدّة لأزمة التطرف الديني المستعرة في بلادنا.

بعد ساعات قليلة على التفجير الانتحاري في مسجد شيعي بالكويت يوم الجمعة الماضي، الذي تبنّاه تنظيم “داعش” وأوقع عشرات القتلى والجرحى، قرّرت وزارة الإعلام وقف بثّ قناة “وصال” الطائفية. واتهمت الكويت القناة بـ”تأجيج الصراع الطائفي في البلاد”، على خلفية تغريدات نشرها الحساب الرسمي للقناة، يطالب فيها “أهل السّنّة بالاعتداء على الشيعة”.

قبلها كانت السعودية قد أقرّت العام الفائت إغلاق مكتب القناة في السعودية، وإيقاف بثّها إضافةً الى التحقيق مع بعض مقدمي البرامج فيها، بتهمة تأييد تنظيم “القاعدة”.

في المقابل هناك محطات فضائية شيعية مثل “البقيع” و”المرجعية” و”الأنوار1″ والأنوار2″ الناطقة بالعربية والفارسية، ولها مكاتب في ايران والكويت وبريطانيا، تبثّ شعائر المذهب الشيعي وتبشّر به خصوصاً أيّام عاشوراء استشهاد الامام الحسين، فتكيل اللعنات على “الأمويين بالجملة”، ومن أهل السنة من يعتبرهم صحابة أجلاء، فتقوم ضغينة بين أنصار المذهبين يستجلب تحدّ وتجييشاً طائفياً.

والحال هذه، فالمستهدف ليس الشيعة فقط بالإرهاب التكفيري السلفي، فهو ضرب تونس السنيّة أمس موقعا 37 ضحية، في يوم ضربه شيعة الكويت، وضرب فرنسا، ويضرب مصر. لأنّ التحريض الطائفي والمذهبي هو جانب واحد من جوانب عدّة لأزمة التطرف الديني المستعرة في بلادنا.

غير أنّ الردّ المصري المستجدّ، على ما تناقلت وسائل اعلام مصرية قبل أيام، بدا أنّه أخذ يلامس كبد الحقيقة ويعي المسؤولية الجسيمة في هذه الاوقات الحرجة من سيادة العنف والتطرف الديني من اجل تطويقه قبل استفحاله وفقدان السيطرة عليه.

فبعدما تصاعدت الاعتداءات والتفجيرات الارهابية التي يقوم بها جهاديون في مصر لتطال العاصمة القاهرة في أكثر من موقع، أُعطيت الاشارة لوزارة الأوقاف المصرية فبدأت حملة تفتيشية على عدد من مساجد القاهرة، صادرت خلالها كتبا لشيوخ التيار السلفي، وفي مقدمتها كتب: محمد بن عبد الوهاب، وابن باز، وابن عثيمين، وابن تيمية، وسعيد عبدالعظيم، وعبداللطيف مشتهري، وأبي إسحاق الحويني، ومحمد حسين يعقوب، ومحمد حسان.

وقالت صحيفة “الوطن” المصرية الخميس الفائت إنّ مصادرة هذه الكتب جاء ضمن حملة صودرت خلالها مئات الكتب والأشرطة و”السيديهات” في مساجد “أمهات المؤمنين” و”التوحيد” برمسيس، و”التوحيد بشبرا.

في الوقت نفسه قرّرت السلطات الأردنية منع “دخول كتب ابن تيمية” إلى الأردن، من دون أن يصدر توضيح حول كتبه الموجودة حالياً في الأردن، أو المواقع الإلكترونية التي تسوّق لها، وعما إذا كانت المملكة الأردنية ستحجبها عن الأردنيين.

أيضاً أعلنت السلطات التونسية إقفال “ثمانين مسجداً تحرّض على العنف”، وقالت رئاسة الحكومة إنّ السبب هو أنّها تستخدم للتحريض الطائفي. كذلك أصدر ملك المغرب قرارا ملكياً حاسماً يمنع رجال الدين من العمل في السياسة.

كلّها إشارات تستهدف العمق الفكري والخلفية الدينية للإرهاب، من أجل محاصرة التطرّف وتجفيف منابعه الفقهية والتربوية والاجتماعية. فبعد تاريخ حافل باعطاء المشايخ والمفتين في بلادنا حريات لا محدودة في التحليل والتحريم الديني، يبدو أن الصحوة العربية قد بدأت على حساب هؤلاء، فتحوّل أخيرا الأمن والقضاء من منفّذ لأوامر تلك الفتاوى الى مراقب لها ومحاصر ومانع، وذلك بعد ان وقع ما كانت تحذّر منه النخب المعارضة لسياسة الانظمة الممالئة للمؤسسات الدينية على مدى العقود الماضية،اذ استشرى بسبب تلك السياسة خطر التطرّف الديني وبلغ مدى من العنف الدموي لا مثيل له في تاريخنا المعاصر وأصبح يهدد وحدة الأوطان وحريّة أبنائها.

السابق
لندن تؤكد مقتل 15 بريطانياً بمجزرة سوسة في تونس
التالي
صحوة مدنية عربية أو ردّة فعل؟