هشام دبسي: دفع اليرموك ثمن النّأي بالنَّفس

برهن الموقف الفلسطيني الرسمي، المتعلق بأزمات الدول العربية، عن ثبات وصلابة في أكثر من أزمة، واستند الى التزام سياسة النأي بالنفس عن الصراع الداخلي في أي بلد مضيف للاجئين، على قاعدة الاعتراف بالشرعية السياسية القائمة، والطلب إلى تلك "الشرعية"، عدم استخدام وتوظيف الفلسطينيين في الصراعات الداخلية لتلك الدول.

ولكنّ النظام السوري لجأ إلى دفع أتباعه من التنظيمات الفلسطينية وجيش التحرير العامل تحت أمرته، لممارسة مهام عسكرية وأمنية واستخبارية. ضد قوى المعارضة السورية، ما أسفر عن رد فعل غاضب ادى إلى اشتباك سياسي وتحول لاحقاً إلى اشتباك عسكري. بهذا السلوك انهى النظام السوري، بحسب دبسي، أي مساحة للتحييد على قاعدة مطالبة الفلسطينيين بموقف: “إما معي أو ضدي”.

التوزع العام للمهجرين الفلسطينيين القادمين من سوريا على المناطق اللبنانية (4078 عائلة في صيدا مقابل 2411 في بيروت 2060 في البقاع و1975 في الشمال و2019 في صور

لذا انهارت السياسة الفلسطينية، سياسة “النأي بالنفس” لعدم توفر الركن الآخر المتعلّق بالنظام أي “عدم استخدام الفلسطينيين في الصراع”. الأمر الذي صعّد الاشتباك المسلّح إلى نهايته الفاصلة حيث قصف المخيم بطائرات الميغ والصواريخ المتوسطة والمدفعية الثقيلة وهكذا تشكّل في وعي الفلسطينيين يوم نكبة جديد، يوم الأحد 16/ 12 / 2012 اسمه (نكبة مخيم اليرموك) وتبع ذلك مخيمات أخرى على الأراضي السورية. والله أعلم لمن دُفعت تلك الفاتورة في سبيل بقاء واستمرار النظام.
… وتشتّت اليرموك
تقول احصاءات بعض مراكز الأبحاث أن نحو 80% من الفلسطينيين البالغ عددهم 530 ألف في سورية قد اضطروا إلى النزوح من أماكن سكنهم الأصلية إلى أماكن أخرى. وبلغ عدد الفلسطينيين المهجّرين قسراً من سوريا إلى لبنان ذروته في بداية العام 2013 حيث شارف هذا العدد على الثمانين ألف مهجّر، ثم انخفض هذا الرقم، بحسب إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى نحو 55409 بداية حزيران 2014، ليتراجع إلى نحو 44431 مهجراً في تشرين الثاني من العام نفسه. وتظهر جملة من الأسباب المفسّرة لهذا التراجع أهمها قرار الحكومة اللبنانية بإقفال الحدود أمام هؤلاء المهجرين والضيق الذي وجد المهجرون أنفسهم حياله في لبنان.

شكّل قرار الحكومة اللبنانية ورقة النزوح: 24 تشرين الأول 2014 سبباً لتشتت عائلات المهجّرين، كما وجد الفلسطينييون الذي اضطروا للذهاب المؤقت إلى سوريا أنفسهم حيال عدم إمكانية العودة إلى لبنان، مثلما توسّل بعض المهجّرين لبنان كمحطة لينتقل منه إلى البلدان العربية والأوروبية.

فلسطينيو سوريّة في لبنان
في توزّع المهجرين على المناطق اللبنانية يظهر أن 49.83 % من هؤلاء قد أقاموا داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، و51.17 % أقاموا في مختلف المناطق اللبنانية. ونالت المخيمات الفلسطينية في مدينة صيدا (وخصوصاً عين الحلوة) الحصة الأكبر من استيعاب المهجرين تليها وبفارق كبير المخيمات

الفلسطينية الأخرى وذلك ينسجم مع التوزع العام للمهجرين الفلسطينيين القادمين من سوريا على المناطق اللبنانية (4078 عائلة في صيدا مقابل 2411 في بيروت 2060 في البقاع و1975 في الشمال و2019 في صور).

ما هي صفة “اللاّجئ الفلسطيني”؟
السلطة اللبنانية التي لم توقع اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، لا تمتلك أي نص قانوني لبناني يحدد صفة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين قسراً من سورية إلى لبنان. وبالتالي تم التعاطي معهم بصفتهم أجانب يدخلون إلى لبنان ويحصلون على سمة دخول لمدة أسبوع قابلة للتجديد وفق الشروط القانونية المنصوص عليها. وبالتالي تم التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين بصفتهم سيّاح دخلوا لبنان.

وقد صدرت قرارات عدة من المديرية العامة للأمن العام تقضي بالتجديد لإقاماتهم لكنها قرارات غير دورية مما جعل اقامة معظم اللاجئين غير قانونية. مع العلم ان التجديد للاقامة الشرعية لا يتعدى الثلاثة أشهر، ويتفاوت الوقت المطلوب لتجديد الاقامة لتصل في بعض الأحيان إلى شهر ونصف وتخضع لمزاجية مسؤولي مراكز التجديد التابعة للأمن العام.

530 ألف فلسطيني في سورية اضطروا إلى النزوح من أماكن سكنهم الأصلية إلى أماكن أخرى

كيف يجدّد الفلسطيني إقامتُه في لبنان؟
ويفيد الاستبيان الذي أجراه مركز تطوير خلال شهر آذار 2015 إلى أن نحو 98% من اللاجئين قد صار وجودهم غير قانوني، أي أن اقاماتهم قد انتهى مفعولها، ولا يعرفون في ظل غياب سياسة لبنانية محددة تجاههم كيف ستجري آلية التجديد، فمنهم من ينتظر أن يفتح الأمن العام اللبناني باب التجديد حتى يباشر بتجديد اقاماته، وبالتالي يعاني من عدم حرية التنقل ما يعرّض البعض للتوقيف من قبل الأجهزة الأمنية ثم يفرج عنهم بعد التوقيع على ضرورة تجديد إقاماتهم. وبسبب عدم وجود تجديد آلي للإقامة فإن أحد أهم احتياجاتهم تجديد اقاماتهم القانونية.

مخيم اليرموك في سوريا

لذلك يعاني اللاجئون الفلسطينيون الهاربون من نيران الحرب السورية من انكشافٍ قانوني في أوضاعهم، ولم يقتصر الأمر على قرار الحكومة اللبنانية إغلاق الحدود أمام هؤلاء وإعادتهم القسرية إلى سوريا منذ منتصف العام 2014 وذلك في مخالفة واضحة للاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بوضع اللاجئين، بل إن الإجراءات التي تتخذها السلطات اللبنانية تعيق إمكانية منح هؤلاء اللاجئين الوضع القانوني المطلوب ما يؤثّر على حقهم في التنقل. ومنذ صدور قرار عن الأمن العام اللبناني بتاريخ 25/9/2014 يتيح للاجئين الفلسطينين القادمين من سوريا تسوية أوضاعهم مجاناً ولمرة واحدة، بات التعامل مع اللاجئين لا يأخذ بالأسباب القسرية التي دفعتهم للتهجير، وإنما يتم وفق شروط بالغة التعقيد، وينظر إلى وجودهم وكأنه وجود عادي يستوجب الكثير من الشروط الخاصة والتعجيزية. وبذلك، وفي ظل عدم قدرة اللاجئين على الإيفاء بالشروط المطلوبة، باتت تنتهي تباعاً صلاحية الإقامات المؤقتة الممنوحة لهم.
وطالب دبسي في ختام كلامه بتخفيف القيود المفروضة على السكن والتنقل؛ فمفاعيل الحرب المتمادية تقتضي أن تترافق مع جهود متواصلة للتخفيف من وطأتها وآثارها السلبية المتمادية.
هشام دبسي هو مدير مركز تطوير للدراسات ونُشر هذا الموضوع سابقًا في مجلة شؤون جنوبية.

السابق
سايكس بيكو وجدلية حزب الله
التالي
مدرسة التّوريث السوريّة في لبنان