الاهتمام الدولي بلبنان يتراجع والانتخابات الرئاسية شأن داخلي

تؤكد العديد من المصادر الدبلوماسية الغربية في بيروت «ان الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني يتراجع في ظل ازدياد الأزمات في المنطقة وانشغال الدول الكبرى والدول الإقليمية بملفات أساسية تأتي في الأولوية مقارنة بالملف اللبناني، ومن هذه الملفات: الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، الأزمة اليمنية، الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا، مواجهة خطر المقاتلين الإسلاميين العائدين من سوريا والعراق، قضية ازدياد الهجرة من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، تنظيم داعش وبوكو حرام والقاعدة…».

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن كل الهم الدولي والإقليمي يتركز حالياً على حماية الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان واستمرار الحوار بين مختلف الأطراف والسعي لحل أزمة الانتخابات الرئاسية، مع التأكيد ان الدول الكبرى لم تعد قادرة على فرض إرادتها على القوى اللبنانية نظراً إلى تشابك الملفات ولعدم وجود آليات واضحة يتم عبرها الضغط على الوضع الداخلي.

 

وقد نقلت بعض الشخصيات السياسية والإعلامية اللبنانية معلومات وأجواء عن بعض الجهات الدبلوماسية الغربية والدولية تؤكد «ان الانتخابات الرئاسية شأن لبناني بالدرجة الأولي وان أكثر ما يمكن ان تقدمه القوى الخارجية اصدار المواقف واعلان التمنيات والآمال بحصول هذه الانتخابات، وان على القوى اللبنانية عامة والقوى المسيحية خصوصاً ان تتفاهم في ما بينها للاتفاق على انتخاب رئيس جديد للبنان وإلا فإن الأزمة ستبقى مستمرة وقد تمتد لفترة طويلة».

فماذا تقول الأوساط الدبلوماسية الغربية والدولية حول الأوضاع في لبنان؟ ولماذا لا تمتلك القوى الخارجية القدرة على حسم ملف الانتخابات الرئاسية؟

 

 

الأجواء الدبلوماسية

بداية ما هي طبيعة الأجواء التي تنقلها شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية عن بعض الأوساط الدبلوماسية الغربية والدولية بشأن الأوضاع في لبنان؟

خلال الأسبوعين الماضيين تقاطعت المعلومات من أكثر من شخصية لبنانية حول الأجواء الدولية وموقف الدول الكبرى والمؤسسات الدولية بشأن الوضع اللبناني وتراجع الاهتمام بالملف اللبناني مقارنة بملفات أخرى أكثر سخونة تنشغل بها القوى الدولية والإقليمية.

فقد نقل زعيم لبناني زار دولة شرقية كبرى خلال الأسبوعين الماضيين عن المسؤولين في هذه الدولة، بأن الملف اللبناني لا يأتي في طليعة الاهتمامات الدولية حالياً، وان القوى الكبرى تركز الآن اهتمامها على الملف النووي الإيراني والأزمات في اليمن والعراق وسوريا وليبيا، ولذلك فإن معظم المباحثات مع المسؤولين في الدول الكبرى لا يأخذ الوضع اللبناني فيها سوى مساحة قليلة.

 

وبموازاة ذلك، قال إعلامي لبناني التقى مؤخراً شخصية دبلوماسية مهمة في دول غربية كبرى، انه عندما سئلت هذه الشخصية عن الوضع اللبناني وكيفية حل أزمة الانتخابات الرئاسية، أجابت هذه الشخصية: «ان المسؤولية تقع على عاتق اللبنانيين وانه ليس من أولوياتنا اليوم الاهتمام بالشأن اللبناني، وان كل همنا حماية الاستقرار الأمني».

وخلال لقاء شخصية دينية لبنانية مع مسؤولة دبلوماسية دولية، أكدت هذه المسؤولة «ان الدول الكبرى تريد المساعدة في حل الأزمة الرئاسية، لكن المشكلة ان اللبنانيين أنفسهم لا يسعون بشكل جدي لحل هذه المسألة، واننا غير قادرين على فرض إرادتنا عليهم، واننا نهتم حالياً بمعالجة أزمة اللاجئين السوريين وضمان وصول المساعدات لهم، وان اللبنانيين قادرون على إدارة بلدهم رغم عدم حصول الانتخابات الرئاسية وهذه ميزة لبنانية، ونحن نركز حالياً على الجوانب الاجتماعية وأوضاع السوريين والفلسطينيين وحماية الاستقرار الداخلي».

 

الانتخابات الرئاسية بين الداخل والخارج

 

لكن لماذا لا تستطيع اليوم القوى الخارجية التأثير في ملف الانتخابات الرئاسية، وما هو دور القوى اللبنانية في هذا الملف؟

 

تقول مصادر سياسية لبنانية: ان الدول الكبرى والدول الإقليمية وبعض الدول العربية كان لها دور أساسي وفاعل في الانتخابات الرئاسية منذ تأسيس الكيان اللبناني ونيل لبنان استقلاله عام 1943، ففرنسا وبريطانيا لعبتا دوراً مهماً في الانتخابات الرئاسية التي جرت في السنوات الأولى بعد الاستقلال وحتى الثورة على الرئيس بشارة الخوري والتي أدت إلى وصول كميل شمعون إلى الرئاسة، وبعد ثورة عام 1958 لعبت أميركا ومصر عبد الناصر دوراً مهماً في وصول العماد فؤاد شهاب إلى الرئاسة الأولى من خلال الاتفاق الشهير الذي جمع شهاب بعبد الناصر في خيمة على الحدود اللبنانية – السورية.

وتضيف المصادر: ولاحقاً بدأت تتداخل أدوار القوى المحلية مع القوى الدولية والعربية في التأثير على الانتخابات، ففي مرحلة الستينات والسبعينات لعب ما سُمي الحلف الثلاثي (حزب الكتائب، حزب الوطنيين الأحرار، حزب الكتلة الوطنية) دوراً مهماً في الانتخابات الرئاسية والنيابية، لما كان لزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط تأثير كبير في الاستحقاقات الرئاسية وخصوصاً في عام 1970، التي أدت إلى إنهاء الحكم الشهابي ووصول الرئيس سليمان فرنجية.

 

وتتابع: وبعد اندلاع الحرب اللبنانية بدأ ازدياد دور سوريا والسعودية اضافة إلى الدور الأميركي في الانتخابات الرئاسية، لكن الأميركيين فشلوا عام 1988 في ايصال المرشح مخايل الضاهر رغم التدخل المباشر للمبعوث الأميركي ريتشارد مورفي، وأسهمت القوات اللبنانية بتعطيل الانتخابات الرئاسية آنذاك، وبعد اتفاق الطائف عاد الدور السوري المدعوم سعودياً ودولياً ليكون هو العنصر الأقوى في حسم المعركة الرئاسية، لكن بعد صدور القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج السوريين من لبنان تقدم الدور السعودي – المصري – القطري، وساهم اتفاق الدوحة في وصول العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية.

 

وتختم المصادر السياسية بالقول: اما اليوم فإن القوى الداخلية وخصوصاً التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الله وحلفاءهم يشكلون القوة الأساسية في حصول الانتخابات الرئاسية، والدول الكبرى اضافة إلى القوى الإقليمية والدول العربية فإنها غير قادرة على فرض مرشح معين، وان كانت بعض هذه القوى قد تمتلك حق الفيتو على مرشح ما، وإذا لم يصل اللبنانيون الى تسوية داخلية، فإنه لا يمكن إجراء الانتخابات الرئاسية في الأفق المنظور، خصوصاً أن القوى الدولية والإقليمية مشغولة اليوم بملفات أخرى وكل همها حماية الاستقرار اللبناني، ولذا على اللبنانيين تعزيز الحوار في ما بينهم للوصول إلى اتفاق رئاسي، وإلا فإن الأزمة قد تطول، في ظل عدم وجود تسويات حاسمة للملفات الأساسية في المنطقة.

(الامان)

السابق
مصر أمام منعطف خطير
التالي
هل ارتفعت أسعار المسابح لهذا الموسم؟