طهران لم تكذب

ليس ما تشهده اليمن نصرة من السعودية والتحالف لنظام عبد ربه منصور هادي على الحوثيين، وليس ردا سنيا على شيعية الحوثيين. إنه فعلا حرب عربية على توسع فارسي، يمتد من بغداد إلى صنعاء، لا يمارى ولم تبذل طهران جهدا لتوريته، بل أشهرته، وفاخر به مسؤولوها.

فلم تكن مصادفة أن تتزامن “زلات” قادة ايرانيين عن امتداد هيمنة طهران إلى 4 عواصم عربية، مع تفاؤل المفاوضين “النوويين” الإيرانيين والأميركيين باقتراب ولادة الاتفاق – الإطار. فطهران، وقد اطمأنت إلى الإقرار الدولي بحقوقها النووية، أرادت إشهار دورها الإقليمي الذي غذته منذ الثمانينات، ومن لبنان، تحديدا، يوم عطلت الحل الدولي للأزمة اللبنانية بتفجير مقري “المارينز” الأميركيين، وقوة “دراكار” الفرنسية، لإخراج القوة متعددة الجنسيات التي جاءت الى لبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي ومجزرة صبرا وشاتيلا، تحديدا.
لم تكذب طهران حين زعمت أن المفاوضات في لوزان السويسرية لم تتناول الملف الإقليمي، فهي عمدت، في شأنه، إلى اتباع النهج نفسه الذي اعتمدته في “النووي”: التفاوض انطلاقا من “رصيد” تملكه، لا من أمنيات تسعى إلى تحقيقها.
كذلك لم تخف طهران طموحاتها الإقليمية، ومن لم يفهم أهداف رعايتها لـ”حزب الله” في لبنان، وتسهيلها الاحتلال الأميركي للعراق، وقبله مساهمتها الإستخبارية في الاحتلال الأميركي لأفغانستان، وصولا إلى الحوثيين في اليمن، فذلك لقصور ذاتي لديه، وأمية سياسية، لا تعفيه، قومياً، من مسؤولية تاريخية لن تمحى، خصوصا أن العلاجات الموضعية ليست الحل. فهزيمة الحوثيين تردع “النهم” الإيراني، لكنها لا توقفه، في العراق وسوريا، ولبنان.
كانت طهران “مرّنت” القوى الكبرى على مطامعها الإقليمية نهاية العام 2009، يوم تقدمت بما سمّتها “رزمة” مقترحات، لم تكن سوى قضايا وملفات إقليمية تعتبر نفسها شريكا قادرا على حلها. فهي في نظر أهل نظامها ليست دولة عادية في الإقليم، لها مصالحها المتقاطعة مع مصالح جيرانها، بل هي دولة كبرى أو قوة عظمى كسائر الدول الكبرى.
على رغم الإشارات المتمادية إلى تغلغل المشروع الفارسي، تعاملت الدول العربية (لا سيما من فرضتها الجغرافيا والاقتصاد والقدرة النفطية، في موقع الريادة والقيادة)، بأخلاقية “النبلاء”، وبراءة السذج، لا باستراتيجيات الدول ومصالحها، لا سيما القومية. لقد اعتمدت طهران سياسة زعزعة الجوار، ولعبت دور المخرّب الإقليمي، متلطية بشعار تحرير فلسطين، وراية الإسلام “الموحد”، بينما غذت المذهبية الدينية، بعدما صارت للأصولية دولة مع نظام الملالي. وما تجربة “حزب الله” في لبنان إلا مصغّر للتجربة الايرانية، بدءا بـ”إزالة” الحلفاء، وتهميشهم، ثم التفرد بالقرار، وبعد “ضبط” الداخل، يأتي دور التخريب في الإقليم.
تصرفت ايران كقوة انقلابية مزعزعة في المنطقة، بينما خلد جيرانها إلى حرصهم على الاستقرار والسلم الإقليميين، وتعاموا عن “رسائلها”، حتى انفجر أخطرها عند…”باب المندب”.

(النهار)

السابق
في انتظار نتائج «الإشتباك» السعودي-الإيراني
التالي
شارل حلو.. والتوفيق المستحيل بين «منطق الدولة ومنطق الثورة»