أوباما والشرق الأوسط: مرارة الموروث

إذا كان الشيطان ثالث إثنين إن اجتمعا، فإنه لن يكون الثالث في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. من هذه المسلمة، كيف لنا أن نلحظ مغادرة أميركا لمنطقة الشرق الاوسط، أو أن نستعجل القناعة بأنها قد أغلقت دعمها العسكري والمالي اللامحدود للحفاظ على أمن اسرائيل؟ ألا يستوجب هذا الانسحاب سحب قاعدته العسكرية المتقدمة في الشرق الأوسط إسرائيل؟ أليس بقاؤها تدخلاً عسكرياً أميركياً قائماً بالفعل والنيات على الأجندة الأميركية الى أن يحين رحيلها؟اميركا

الانتصار لمدرسة «إسرائيل أولاً»، أمر «عالق في ثقافة أميركا السياسية»، الأمر الذي لم يشذ عنه أوباما «والتي شكلت فشلاً ذريعاً لسياسته في إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كما وعد» (ص167)، فكان الفيتو الأميركي على قرار محمود عباس الذهاب الى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتهديد بإنهاء الدعم المالي للسلطة، هذا الدعم الذي يذكر جرجس «إنه خمسين مليون دولار بموافقة من نتانياهو لأنه «لتدريب ضباط الشرطة الفلسطينية الذين يعملون على نحو وثيق مع الحكومة الإسرائيلية»(ص197).

إن حماية أمن اسرائيل وحماية تدفق النفط مبدآن ثابتان منذ عقيدة ترومن، وحتى أوباما «الذي غيرت فيه واشنطن أكثر مما غيّر فيها»، على ما يذكر الدكتور فواز جرجس في كتابه الصادر حديثاً عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان «أوباما والشرق الأوسط: نهاية العصر الأميركي»(399 صفحة من بينها 37 صفحة للمراجع والمصادرالمتنوعة).

نخشى كمتابعين أن «نغطس» في الترويج لمقولة نهاية العصر الأميركي في الشرق الأوسط، ليس لعدم توافر الأدلة وإن غير دامغة، فرغم فشل التهور العسكري و»الديموقراطي» لبوش الابن في العراق وأفغانستان والمنطقة العربية، إلا أن اتفاقيات أمنية وعسكرية أبقت على هذا الوجود، يضاف إليها نجاح نتائج ذينك الغزوين في تذرير نسيج البلدين وغالبية الوطن العربي المتخبط بحروبه. أما الأزمة المالية والاقتصادية في أميركا فلا تعني أنها لم تعد «القوة الأكثر نفوذاً اقتصادياً وعسكرياً لعقدين آخرين من الزمن على الأقل»(ص346)، ولأننا نخشى أكثر كمتابعين من الخلط بين أمنياتنا لنهاية عصر أميركي بشع بكثير من المعايير، وبين الواقع العربي الأكثر بشاعة. فما الذي يمكننا الاستفادة منه من تلك النهاية للبناء عليها عربياً؟

يعتقد جرجس في مناقشته لحقبات الرؤساء الأميركيون أن نهاية ما بدأت تأخذ ملامحها في الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط باتجاه منطقة المحيط الهادئ «لأن معاناة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط صارخة اليوم»، مشيراً الى أنها في وضع «مشابه لما كانت عليه بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية حين بدأ عصرها بالأفول عن منطقة الشرق الأوسط، لقد بلغت لحظة الهيمنة الأحادية القصيرة للولايات المتحدة في العلاقات الدولية نهايتها، ويبدو واضحاً أن التوزع الجديد للقوة في العالم قد حدّ من حرية أميركا على المناورة، وأظهر تراجعها النسبي، وقد نشأت بداية النهاية لعصر الهيمنة الأحادية الأميركية في المنطقة من أسباب داخلية وأخرى خارجية، من ضمنها صحوة الرأي العام في المنطقة، وبروز قوى إقليمية جيواستراتيجية وجيو اقتصادية جديدة مع رغبة في تأكيد استقلال سياساتها الخارجية،(ص345)، مشيراً الى تركيا، ولا يستبعد أن تتم تسوية أميركية – ايرانية بالملف النووي ترسم خارطة جيوستراتيجية جديدة في مسرح الخليج والوطن العربي – ص338).

بدءاً من سياسة أميركا في الشرق الأوسط منذ المأساة الفلسطينية «ورفض الكونغرس نتائج تقرير كينغ – كراين»، وميراث الحرب الباردة الدائرة في الشرق الأوسط وليس في أوروبا، ومؤامرة السي آي إي للإطاحة بحكومة محمد مصدق في عهد شاه إيران، الى التبني المطلق لإسرائيل، ومواجهتها القومية العربية، ودعم غزوها لبنان العام 82، الخ، يتوقف جرجس أمام سياسة بوش الإبن» الذي قرر والمحافظون الجدد إعادة هندسة الشرق الأوسط اجتماعياً وفق رغباتهم»، فكان أن جلب المحافظون الجدد من الضرر أكثر مما جلبوا من الخير لمطلب نشر الحرية والديموقراطية في المنطقة».

من هذا الإرث المر كما يصفه، أخذ أوباما يرسم سياسته الخاصة تجاه المنطقة، «فأصبحت المصالح الأمنية المشتركة والشراكات، والتعددية في العلاقات الدولية هي مبادئ سياسته الخارجية، إذ آمن اوباما بأن هذه المبادئ سوف تسمح لأميركا بأن تخرج من مستنقعات 11 ايلول»(ص130)، وأطلق سلسلة من التعهدات كإيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ما لبث أن تكسّر أمام وحدة موقف الكونغرس بشقيه الجمهوري والديموقراطي «لأننا نتكلم بصوت واحد في هذا الصراع» كما قالت له رئيسة كتلة الديموقراطيين في الكونغرس نانسي بيلوسي، إضافة الى تعهده بنهاية للحرب على الإرهاب وقوله بوهن تنظيم القاعدة ما لبثت أيضاً أن اصطدمت بقراره «إقفال سفارات أميركية بسبب تهديدات إرهابية». وهنا لا بد من سؤال جرجس عن كتابه «صعود وأفول القاعدة» فهل كان سليماً في توقعه أم أنه أتى في سياق بروباغاندا إعلامية رافقت مرحلة ما بعد اغتيال بن لادن؟.

في سياق مناقشته سياسة أوباما يأخذ عليه جرجس عدم دعمه الانتفاضات العربية على النظم الديكتاتورية» فوفرت الانتفاضات العربية أدلة صارخة على بداية نهاية العصر الأميركي» (ص151) الأمر الذي يبرز تناقضاً لدى المؤلف، فمن جهة يتحدث عن نهاية عصر أميركي في الشرق الأوسط، ومن جهة يريد له التدخل لدعم هذه الانتفاضات.

بالمناسبة، فإن ثمة أسئلة لا بد منها: لماذا اقتصرت نتائج هذه الانتفاضات على بلدين، في حين أنها تجمدت في دول أخرى، واندلعت لهيباً في بعضها الآخر، ولم تطأ بشعاراتها غير دولة، وماذا عن جدية الموقف الأميركي باتخاذه مسافة من هذه الانتفاضات ومن نتائجها ولهيبها المستعر في أكثر من ساحة، ومن أين أتت «داعش» ودعم حلفاء أميركا لها، قبل السؤال عن معنى عودة الأميركي بمحاربتها عبر التحالف الدولي؟

في الكتاب الشهير لأحد فلاسفة الصين ما قبل الميلاد صن تزو وعنوانه «فن الحرب» يقول» قد تعرف السبيل الى قهر عدوك من دون أن تكون قادراً بالضرورة على تحقيق ذلك»، ربما تفسح لنا هذه المقولة التوقع بنهاية العصر الأميركي لسبب واحد يحمل من السخرية أكثر مما هو في الواقع، إذ يشير جرجس وبشيء من السخرية طبعاً الى فوبيا الإسلام المسيطرة على الإعلام الاميركي وعلى سياسييه وإمكانية تهديد القاعدة باقتناء قنبلة نووية مما أدخل الخوف في نفوس الشعب الأميركي، فتمركز 100 الف جندي اميركي في باكستان وأفغانستان بمواجهة 300 عنصر من تنظيم القاعدة (ص308)، وحذّر غينغريتش من»ان الشريعة الإسلامية على وشك احتلال أميركا»(ص318) مع العلم أن عدد سكان أميركا 300 مليون من بينهم 7 ملايين مسلم ثلثهم من اصل أفريقي(ص317).

إذا صحت هذه المخاوف تكون نهاية العصر الأميركي قد بدأت من داخل أميركا وليس من «خناجرنا» المرفوعة فوق رقابنا.

 

السابق
بروك: تبدّل النظرة الأوروبية لـ«حزب الله» رهن بتغيير سياسته
التالي
ما بين جبل عامل وسوريا (10/6)