هل يجوز للأزهر الشريف أن يكون «داعشياً»؟

حسن البنا

شهد معرض الكتاب العربي في القاهرة، خلال هذا الشهر، حادثة تعتبر نادرة في تاريخه، تمثلت في مصادرة كتب دينية ينتمي أصحابها الى “الأخوان المسلمين”، وخصوصا منهم حسن البنا وسيد قطب ويوسف القرضاوي، وكانت المصادرة بقرار رسمي من السلطات المسؤولة. غرابة الحادثة أن الكتب التي تجري مصادرتها عادةً هي لأصحاب الفكر المتنور والعقلاني، الداعية الى التجديد في الخطاب الديني، سُمح لبعضها وجرى منع بعضها الآخر. من المؤسف ان كتاباً وإعلاميين رحّبوا بمصادرة كتب أقطاب “الأخوان المسلمين” في وقت كان من الواجب الوقوف الى جانب حرية الفكر والتعبير والسماح لجميع الإصدارات بالعرض.
يأتي الاعتراض على مصادرة أيّ مصنّف فكري من موقع مبدئي أولاً وأخيراً، ورفض الأسلوب الأمني في مواجهة الفكر الأصولي الذي يمثله “الأخوان” وأتباعهم. ان السماح بنشر فكر “الأخوان” الى جانب فكر المناهضين له، يشكل أول الطريق في التصدي لفكر الجماعة. دأبت المؤسسة الدينية ومعها السلطة السياسية على مصادرة نتاج كتّاب من مثل علي عبد الرازق وطه حسين ومحمد أحمد خلف الله وسعيد عشماوي وجورج طرابيشي ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وعبد المجيد الشرفي، وغيرهم من المفكرين المناهضين للفكر الأصولي والمجادلين في النص الديني وضرورة تشذيب الفكر الديني والفقه الناجم عنه، الذي يكمن جوهره في تشجيع الإرهاب. تتيح المبارزة الفكرية وحدها تسفيه فكر “الأخوان” وسائر التيارات الأصولية، ونشر ثقافة سياسية وفكرية ودينية لها صلة بالحداثة والعصر، بتقديم الدين الإسلامي في جوهره الأخلاقي والروحي والإنساني. ان اكثر ما تخافه المؤسستان الدينية، الرسمية والسياسية، فتح السجال على مصراعيه وحماية المفكرين الديموقراطيين والعقلانيين من البطش، سواء أتى من متطرفين او من رجال الأمن. تعاطي المؤسسات الدينية مع كتابات نصر أبو زيد وغيره وفرج فوده الذي دفع حياته ثمناً لحرية تفكيره، خير دليل على رفض السلطات الدينية والسياسية إتاحة مثل هذا السجال.
الجانب الآخر في مواجهة “الأخوان المسلمين” يكون بإعادة النظر في فكرهم الذي يغزو الكتب الدينية الجاري تدريسها في المعاهد الرسمية والدينية. فكتب “الأزهر” المعتمدة رسميا تحوي كل أصناف الفكر التكفيري الموروث من ابن تيمية وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب وغيرهم. هذا الفكر يغذي الأجيال المصرية منذ الصغر، ويشحنها بالكراهية والحقد، ويدفع بالشباب الى التطرف والإرهاب. اذا كانت السلطات السياسية والدينية ترى في “الأخوان المسلمين” خطرا، وتعمل الأجهزة الأمنية على التصدي لممارساتهم، فإن مواجهة هذا الخطر يجب أن تعطي الأولوية للتصدي لفكرهم وتفنيد محتوياته وإزالته من المناهج التعليمية وبرامج الدراسات على جميع مستويات التعليم. تلك هي “الثورة” الفعلية التي يمكنها الانتصار على الفكر الأخواني والأصولي. يجب أن تخاض هذه الثورة أولاً داخل المؤسسات الدينية وخصوصاً مؤسسة الأزهر التي تعتبر معاهدها المركز الأول في إنتاج الفكر التكفيري والإرهابي. فهل نرى “الأزهر” وقد بدأ الإصلاح من داخله؟
ينبع التحفظ عن قدرة المؤسسة الدينية الرسمية على إجراء إصلاح داخلها من محاولات تاريخية أجهضت، لعل أبرزها في نهاية القرن التاسع عشر على يد مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده، وبعده على أيدي عدد من مشايخ الأزهر كان نصيبهم الطرد من المؤسسة. يزيد من القلق على استعصاء الإصلاح، ما ورد على لسان شيخ الأزهر من تصريح “داعشي” تعقيباً على إحراق تنظيم الدولة الإسلامية الطيار الأردني، حيث ورد في بيان صادر عنه: “العمل الإرهابي الخسيس الذي أقدم عليه تنظيم داعش الإرهابي الشيطاني من حرق وإعدام الطيار الأردني معين الكساسبة يستوجب العقوبة التي أوردها القرآن الكريم، أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف”. ان أخطر ما في تصريح شيخ الأزهر هو إعلانه صراحةً أن “داعش” يمارس ما يقول به النص الديني من قتل وصلب وإحراق، بما يبرر أعماله. ويُفهمنا كلام الشيخ أن هذا الموروث الديني هو من المقدسات الثابتة على مدى العصور طالما أنه وارد في القرآن. ألا يدري شيخ الأزهر أن إحدى كبرى معضلات المسلمين اليوم هي مع هذا الموروث الديني الذي لا يعترف بأنه من الماضي البعيد المتصل بظروف تاريخية معينة، وان المؤسسة الدينية يجب أن تعلن صراحةً لا شرعيته وتمتنع عن التمثل به؟ كيف سيقتنع المسلمون في العالم بأن الدين الإسلامي بعيد عن الإرهاب فيما يقوم أبرز علمائه باستعادة نصوص العنف والدعوة الى تطبيقها؟ أليس هذا هو منطق “داعش” نفسه الذي يقول صراحة انه يطبق النصوص المقدسة الواردة في القرآن، وإن الممارسة في التاريخ الإسلامي اعتمدت أساليب مشابهة لما يقوم هو به، وانه يتمثل بهذا التاريخ “المجيد”؟ لا بد أن يكون تصريح شيخ الأزهر حافزاً على الإصلاح الديني والفكري في هذه المؤسسة من أجل تخليصها من “الداعشية” المعششة في كثير من رؤوس رجالاتها.

(ملحق النهار)

السابق
حقائق مدوية: يوميات مغترب سوري عاد إلى وطنه
التالي
«مرسيليا» يتعثر و «بوروسيا دورتموند» يواصل انتفاضته