حقائق مدوية: يوميات مغترب سوري عاد إلى وطنه

هي ليست رواية صحفية او تحقيق استقصائي يسلط الضوء على ما يجري في سوريا، من معارك واشتباكات، باتت ورغيف الخبز في المقام نفسه بالنسبة إلى السوريين، هي معاناة ومشاهدات ينقلها أحد المواطنين السوريين الذي عاد إلى بلاده بعد سنوات من الإغتراب، ليشاهد بأم عينه الأوضاع التي وصلت إليها بلاده، بعدما سئم مشاهدة ما تنقله وسائل الإعلام.
مواطن سوري، إتصل بإدارة موقع عين العرب الإعلامي، رغبة منه في نقل ما شاهده إلى الزملاء، تعهد بتقديم كل ما شاهده وسمعه اثناء جولته التي استمرت عدة ايام، من اجل ايصال صوته، وقد عرّف عن نفسه بأنه سوري لا ينتمي إلى المعارضة، ولا يؤيد النظام، طالبا عدم ذكر إسمه، لسببين أولهما، طريقة دخوله إلى سوريا، وأيضا كي لا تدفع عائلته الموجودة في الداخل الثمن.

ولأن موقع عين العرب، يقدم نفسه على انه موقع لجميع العرب، ينقل ما يحدث بشفافية وصدق ومهنية، فقد إرتأى وبعد دراسة المعلومات التي قدمها المواطن السوري المنحدر من كفرتخاريم بريف إدلب، نشر مشاهداته لتضمنها امورا وحقائق يكشف بعضها للمرة الأولى، وقد مرت عليها وسائل الإعلام المؤيدة لطرفي الصراع في سوريا مرور الكرام.

في معرض شهادته، التي ينشرها موقع عين العرب بشكل حصري، يقول المواطن السوري: هناك من سيتفاجأ بالمعلومات التي اقدمها، فمن سيصدق من المعارضين والموالين على حد سواء، ان مسؤولي حواجز الجيش السوري وجبهة النصرة والجيش الحر في ريف دمشق، يقيمون سهرات شواء مشتركة في الليل، ويتقاتلون في النهار، وايضا من سيصدق ان مواطنا سوريا دفع مبلغ مليون ليرة مناصفة بين حاجزين للجيش السوري وجبهة النصرة للخروج من عربين، وقد يصعق عدد كبير من السوريين عندما يعلمون ان لا احدا يكترث لمعاناتهم سواء اكانت المعارضة ام الموالاة او دول العالم قاطبة.

جرمانا….وجهة المغترب الأولى

يقول المواطن السوري الذي دخل بلاده للمرة الأولى منذ عشر سنوات، “قررت التوجه في بداية الأمر إلى مدينة جرمانا، بحكم سكن ابناء عمومتي فيها، أحد اقاربي يعمل موظفا في قطاع الدولة والآخر (معقب معاملات)، استقليت سيارة اجرة من كاراج السومرية إلى جرمانا، والمفاجأة الأولى كانت في التسعيرة، فقد إضطريت لدفع الف وخمسمئة ليرة”، مضيفا” باتت جرمانا مدينة ذات كثافة سكانية عالية بفعل النزوح اليها من مناطق الصراعات، وعلى مدخل المدينة من الناحية الشرقية يستقبلك حاجز كبير للجيش السوري، ويتوجب الانتظار مدة ساعتين لاجتيازه”.

مجموعة للجيش الحر تحظى برعاية الجيش السوري

أولى الروايات المثيرة التي يقدمها محدثنا، ما سمعه من اقاربه فور وصوله، عن وجود مجموعة تابعة للجيش الحر على تخوم جرمانا يبلغ عديدها حوالي اربعين عنصرا، قامت بعقد هدنة مع الجيش السوري، مضيفا “هؤلاء (مقاتلو الحر) يقطنون اليوم احد الابنية ويحملون السلاح ولكن لا يخوضون المعارك، وقد اجروا اتفاقا مع الجيش ينص على قيام واحدا منهم بشراء الاحتياجات المعيشية للمجموعة، ثم يقوم بتقديم ورقة إلى أحد الحواجز، تتضمن تفصيل بالمواد التي جرى شراؤها من المحال التجارية”.

المدينة وأحوال سكانها المعيشية

عن الأحوال المعيشية يقول المواطن المغترب، “تكيف اهل جرمانا مع التقنين الكهربائي، ثلاث ساعات من الكهرباء تُقابل بمثلها من الإنقطاع، أما على صعيد قوارير الغاز فهناك ندرة في هذه المادة، بفعل المحتكرين الذين يبيعون القارورة بـ 4000 الاف، بينما التسعيرة الرسمية التي تضعها الدولة لثمن القارورة لا تتجاوز1600 مع ابتسامة صاحب المحل الذي يبلغك بالسعر الرسمي ملحقا بعبارة (لكنها غير موجودة)، أما سعر صحيفة البنزين فيبلغ خمسة الاف ليرة، يضاف اليها خمسمئة ليرة لعامل المحطة الذي يسهل عليك حياتك، فبدلا من الانتظار طوال النهار، يستطيع تلبية حاجتك بغضون اربع ساعات”.

من العباسيين إلى طرطوس

يتابع محدثنا سرد مشاهداه ويقول،” في اليوم الثالث لوصولي قررت التوجه إلى الساحل السوري، فإستقليت سيارة اجرى من جرمانا الى ساحة العباسيين، والتسعيرة كانت خيالية، سبعمئة ليرة علما بأنها لا تتجاوز المئة ليرة في الايام العادية حسبما اخبرني احد ركاب السيارة،”مضيفا “من العباسيين استقليت حافلة كبيرة متجهة إلى مناطق الساحل، فعبرنا عدة مناطق كحرستا والثنايا والطريق الخارجي للنبك، اتستراد حمص، على طول الطريق استوقفني منظر الحرب التي عصفت ببلادنا، الدمار هائل، وبلدات كاملة سويت في الارض، الجيش السوري ينتشر بكثافة على طول الطريق، اكثر من خمسة عشر حاجزا، ثلاثة منها تخضع المارين لتفتيش دقيق”.

أوروبا سوريا

ويضيف : استمرت الرحلة خمس ساعات كاملة، وطلبت من السائق التوقف على مفرق طرطوس تحت جسر الباسل، كانت طرطوس بالنسبة الي مدينة اخرى، وعالم أخر، باتت بمثابة اوروبا بالنسبة الى السوريين، كل شيء متوفر، والاسعار مغايرة لتلك في دمشق، المدينة تكتظ بالسكان، ومعظم النازحين قدموا من حلب، هنا لا يوجد ازدحام على محطات الوقود، وصفيحة البنزين تباع بـ 2500 ليرة، بينما تجوب سيارات صغيرة الاحياء لبيع قوارير الغاز بـ 1700 ليرة”.

يومان قضيتهما في طرطوس، ثم قررت التوجه إلى بلدتي التي لم ازرها طيلة عقد كامل، فقررت التوجه إلى ادلب، ولكني لم اوفق بالعثور على سيارة اجرة، فالحرب حتمت على الجميع الالتزام بمواعيد معينة للانطلاق والعودة، في اليوم الثاني عاودت الكرة واستغرقت رحلتي حوالي الست ساعات، قطعنا خلالها بلدات ومدن عديدة، ولكن لم يلفت انتباهي سوى نهر البارد وشطحة وجورين واريحا فالمسطومة وادلب، نظرا لذكرياتي في هذه المناطق، والتي لا تزال موجودة في مخيلتي.

إدلب…إدارات الدولة تعمل بشكل طبيعي

يقول محدثنا “الجيش السوري ينتشر على كامل هذه الطريق، والاوضاع في ادلب لا تبشر بالخير، ندرة في المياه والكهرباء والمحروقات، لكن ادارات الدولة تعمل بشكل طبيعي، والوجود الريفي في المدينة يقتصر على انصار السلطات خصوصا من اهالي العسكريين، الذين نزحوا من اماكن وجود مقاتلي المعارضة في الريف، ولكن للإشارة فإن جميع موظفي الدولة المتواجدين في الارياف يأتون كل شهر لقبض مخصصاتهم من ادلب، ثم يعودون ادراجهم.

جبهة النصرة ترحب بكم…تفييش وتفتيش صارم

من إدلب الى كفرتخاريم، التواجد الأخير للجيش السوري على حاجز الكونسروة، وعلى بعد سبعة كيلومترات تبدأ جبهة النصرة بالظهور، والبداية على حاجز ضخم اسمه المهنية وكان يعرف سابقا بسجن المهنية، يخضع الجميع لتفتيش دقيق كما يتم تفييش الاسماء ويخضع لامرة رجل سعودي، ويتوجب على المتوجهين إلى بلدات الريف الإنتظار 3 ساعات على هذا الحاجز.

كفرتخاريم…لا حياة فيها بعد اليوم

بعد عبور الحاجز مررنا بشمارون، فملس، ارمناز، كفرتخاريم التي دفعت ثمن الحرب بشكل كبير، دمار هائل، النصرة تفرض سيطرتها على البلدة، ومراكزها معروفة كما هي الحال في المناطق الخاضعة لها، ولكن الطيران السوري لا يقصفها، لغاية لا احد يعلمها، بعض من اقاربي لا يزال حيا، وآخرون سقطوا ضحية الحرب رغم ان لا ناقة لهم ولا جمل، الوضع كارثي جدا في المدينة، ولذلك لم أقو على البقاء أكثر من يوم واحد، وقررت العودة إلى العاصمة قبل انتقالي الأخير إلى خارج البلاد”.

اثناء العودة إلى اللاذقية، يخبرني السائق انه من غير الممكن سلك طريق جبورين البارد، وذلك بسبب وجود عصابات تمتهن التشليح في الليل، وتدعي انها تابعة للجيش او القوى الرديفة له، وهذا ما يضطرنا إلى اتخاذ طرقات يستوجب عبورها ساعات اضافية”.

ريف دمشق…وتجارة الحرب المربحة

بعد عودتي إلى جرمانا، وقعت عيني على رجل يصطحب عائلته معه في احد الشواريع، علامات الإنهاك بادية على وجهه، استفسر مني عن امكانية وجود مراكز لمساعدة النازحين، فأخبرته باني غريب عن المنطقة، ويبدو ان الرجل رأي في عيني تعاطفا مع الحالة التي يمر بها، فتوجه إلي بالقول: لعنة الله على الحرب، كان بحوزتي مبلغ مليون ليرة، ولدي منزل في عربين، ويوجد حاجزين واحد للنصرة وآخر للجيش السوري يبعدان عن بعضهما مسافة خمسمئة متر، وبعد عزمي على الخروج إضطريت إلى دفع المبلغ الذي كان بحوزتي مناصفة بين الحاجزين لتسهيل مروري.

وينقل محدثنا عن الرجل العربيني قوله، ” الصراع في سوريا ليس سياسيا ولا حتى دينيا، انه صراع مصالح، وتجاذبات قوى كبرى، ويقسم بالله قائلا :عدد من قادة ومسؤولي الحاجزين المذكورين (النصرة والجيش) لا يتقاتلان فيما بينهما ابدا، بل ان المسؤولين يقيمون حفلات الشواء كل ليلة، ثم يعودون إلى مواقعهم في اليوم التالي”.

(عين العرب)

السابق
قوى الامن: توقيف مطلوبين في رياق وبريتال
التالي
هل يجوز للأزهر الشريف أن يكون «داعشياً»؟