جرادي حاضر عن نظرة الإسلام لنزوع الإنسان العنفي في اليسوعية

حاضر مدير معهد المعارف الحكمية للشؤن الفلسفية والدينية الدكتور الشيخ شفيق جرادي في الجامعة اليسوعية حول “نظرة الإسلام لنزوع الإنسان العنفي”، في اطار “ثلاثاء الكلية” الذي تنظمه الجامعة حول حوار واديان.

حضر عميد كلية الآداب في الجامعة اليسوعية الأب مارك شيشلك، العميد السابق طوم سيكينغ، البروفوسور جاد حاتم، وعدد من الراهبات واساتذة الجامعة والطلاب.

النشيد الوطني، ثم كلمة ترحيب من منسقة الماستر في العلاقات الاسلامية -المسيحية في كلية العلوم الدينية في الجامعة الدكتورة رلى تلحوق، أشارت فيها الى مؤلفات الشيخ جرادي في مجالات الفلسفة والدين والتي تمت ترجمة بعضها الى لغات اجنبية.

ثم تحدث الشيخ جرادي شاكرا الجامعة اليسوعية هذا الصرح العلمي الكبير، والتي لها اليد المبسوطة في تخريج المتعلمين وإثارة الموضوعات التي تهم مجتمعاتنا، داعيا الى التمييز في مناقشة الامور بين اللغة المستخدمة اليوم والقائمة على مزاجية تكثيف الشعار المتفقد الى النقاش، وبين اللغة الجدية في تناول الامور.

وتساءل في مستهل كلمته قائلا: هل يتحمل دين ما يطلق على نفسه اسم دين الرحمة مسؤولية العنف أو الظلم والقتل الذي يمارسه أتباعه؟

ثم أليس في تولد العنف عنه فيه بعض من التناقض أو الادعاء الممجوج حيث يقدم نفسه دين الرحمة والسلام؟

قبل أن نجيب عن مثل هذه التساؤلات، من المفيد أن نبين الفارق بين العنف واستخدام القوة من حيث البعد الأخلاقي للمسألة، كما وجود الفارق الأخلاقي بين فوضى استخدام القوة والمرتكز القانوني له، إذ العنف، بحسب المدلول الذي نعنيه للكلمة، هو عبارة عن تعنيف يتجاوز حدود التبرير الإنساني، أو الأخلاقي، أو القانوني، بينما استخدام القوة قد يأتي في سياق رد أمواج العنف، ولا يتحد المصطلحان في مدلولهما إلا عندما يكون السياق مرتبطا بالاستخدام الفوضوي للقوة. حينها نكون مع عنف القوة. وهما بذلك والظلم أو القهر على حد سواء..

أما الاستخدام القانوني للقوة فهو الذي قد نصطلح عليه بالقصاص والتجريم، أو التعزير وإقامة الحد… أي استخدام للقوة بغية وضع حد لعنف الجريمة المادية منها أو المعنوية. وبهذا المعنى، فإن استخدام القوة يصبح بابا من أبواب الرحمة التي تقفل منافذ العنف والفوضى بما هما تعد لا يحده إلا الاقتصاص.

وأضاف: نعم، ليس الدين ولا التشريع ولا العقائد هي من أسس مدرسة فرض الذات بالعنف، بل هي شركات إنتاج الخيال والطبع والمزاج الهوليودية صاحبة الامتياز في كل ذلك، أما التوظيف العقيدي فهو فرع ذاك الأصل.. وهذا الذي يسميه الإسلام بمدرسة الرأي أوالهوى المحرم في نهج الهداية والرحمة الإسلامية.

إن الفارق بين الدين وتوظيف الدين هو كالفارق بين الدين والجاهلية التي تقتل فيها القبيلة القبيلة وتوئد الأطفال بمن فيهم الذين لم يبلغوا الحلم.. من هنا، فإن التهمة الأولى التي توجه لمدارس فوضى العنف وفقهاء الجريمة أنهم حكموا التفسير بالرأي على التفسير العلمي والعقيدي. حتى بات التحليل السياسي هو الحافز والدافع نحو هذا الموقف الفقهي عندهم أو ذاك..
يبقى أن نسأل حول جملة أمور منها:
الأمر الأول: هل هذا يعني أن الإسلام يرفض استخدام القوة؟ بصدق أقول لكم: لا، لكن الإسلام في نصوصه وضع ضابطتين:
الضابطة الأولى: منع الشروع والبدء بالقتال أو الحرب، وأن الجهاد أمر مسموح فيه إذا كان في حالة دفاعية، وحتى لو وسع البعض مفهوم الدفاع ليتحدث عن الحروب الاستباقية. أما الضابطة الثانية: إن كل جهاد أو مقاومة عسكرية لا تستند إلى هدف واضح ومحدد هو “منع الفتنة”، يصبح عملا إجراميا متهورا، ومن نماذج الفتنة: إزهاق أرواح العباد، وتخريب البلاد، وتدمير القيم الكبرى.. بل أعظم صنوف الفتنة احتلال الأرض والطغيان الذي يولد الخروج عن دائرة السعي لطلب الوئام والخير على طريق عبادة الله سبحانه وتعالى، وعندما تخرج بعض الجماعات من هاتين الضابطتين نصبح مع إسلام مسلمين، بلا، دين…

وقال: “لعل النموذج المقاوم والذي ينطلق من مضمون الاجتهاد العلمي في الإسلام هو الوحيد الذي التقط هذه الحقيقة ودخل معركة وجودية مع هذا الكيان. في الوقت الذي غرق فيه تيار مدرسة الرأي التكفيري في متاهة العبثية واختلال الوزن وفقدان بوصلة الاتجاه. لترتسم مدرسة الاجتهاد بحركة مقاومة.

وأسف لأن التعميم السياسي والتثقيفي العالمي يعمل على تغييب صورة الإسلام الاجتهادي على حساب إبراز صورة الإسلام التكفيري، الذي أكثر من يكتوي بناره هم المسلمون أنفسهم…

السابق
مجزرة تشابيل هيل: الاعلام الغربي كان محقا في تجاهلها
التالي
دفنا متعانقين قبل ستة الاف سنة…