وفاة الملك عبدالله تكشف أسرار ظهور «المهدي»!

ما ان اعلن عن وفاة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز أوّل أمس حتى التهبت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن قرب ظهور الامام المهدي أي "المخلّص" حسب العقيدة الشيعية، فما سرّ العلاقة بين تلك الوفاة العادية وهذا الظهور الغيبي الاستثنائي؟ سؤال يجيب عنه سماحة الشيخ محمد دهيني بإسهاب وتوضيح واف .

كثر الحديث اليوم حول أنّ موت الملك عبد الله هو من علامات الظهور? وقد نشر العديد من العلماء تحذيراتٍ حول التسرُّع في إطلاق هكذا تعابير؛ إذ إنّ الروايات لم تصرِّح بكون عبد الله ملكاً للحجاز، بل صرَّحت بأنّه من بني العبّاس. والجديرُ بالذكر أنّ بعض العلماء ـ ومنهم السيد محسن الأمين ـ قالوا: إنّ الأدلّة تفيد بأنّ عبد الله هو المستعصم آخر ملوك بني العبّاس. فما هو قولكم؟ نرجو توضيحه للجميع. وشكراً.

بعض الإخوة المؤمنين، المتحمِّسين لظهور بقيّة الله في أرضه، وحجّته على عباده(عج)، يبادرون إلى التقاط ما يتناهى إلى أسماعهم أو تقع عليه أبصارُهم من عباراتٍ ـ يُقال عنها: إنّها رواياتٌ عن النبيّ(ص) أو أهل بيته(عم)، ثمّ يروِّجون لها على أساس أنها رواياتٌ صادرة عن أعلم هذه الأمّة، والمتَّصلين بالسماء، محمدٍ وآل محمد(عم).

رواياتٌ مشكوك في صدورها

والحقيقةُ أنّ كلَّ هذه (الروايات) مشكوكٌ في صدورها منهم(عم)؛ للأسباب التالية:

كلامٌ عاديّ، لا رواية

1ـ بعضُها ليس روايةً أصلاً، ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة والمعروفة، بل ولا في غيرها، كما في ما ينسبونه إلى النبيّ الأكرم محمدٍ(ص) من أنّه قال: «يحكم الحجاز رجلٌ اسمه اسم حيوان, إذا رأيتَه حسبْتَ في عينَيْه الحَوَل من البعيد, وإذا اقتربتَ منه لا ترى في عينَيْه شيئاً, يخلفه أخٌ له اسمه عبد الله. ويلٌ لشيعتنا منه ـ أعادها ثلاثاً ـ، بشِّروني بموته أُبشِّركم بظهور الحُجّة [المهديّ]».

فهذه الرواية ـ التي رُبَما تكون أوضحَ كلامٍ في انطباق (عبد الله) على ملك السعوديّة الراحل ـ لم نعثر عليها بهذا النصّ في أيِّ مصدرٍ حديثيّ، ما يدعونا إلى التشكيك بصدورها. وهذا حقٌّ لنا يكفله أسلوبُ التحقيق العلميّ.

والكتابُ الوحيد الذي ذكر هذا الكلام هو كتاب «مئتان وخمسون علامة حتّى ظهور الإمام المهدي(عج)»، للسيد محمد علي الطباطبائي الحسني أو الحسيني، في الصفحة 122، وينسبه إلى مسند أحمد بن حنبل.

ولا يوجد لهذا الكلام عينٌ ولا أثر في مسند أحمد بن حنبل!!

روايةٌ ضعيفة ومُجْمَلة

2ـ روى الطوسي في كتاب الغَيْبة: 447، عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن عليّ بن محمد بن قتيبة، عن الفضل [بن شاذان النيشابوري]، عن عثمان بن عيسى، عن درست بن أبي منصور، عن عمّار بن مروان، عن أبي بصير قال: سمعتُ أبا عبد الله(ع) يقول: «مَنْ يضمن لي موتَ عبد الله أضمن له القائم. ثمّ قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحدٍ، ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم، إنْ شاء الله، ويذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام. فقلتُ: يطول ذلك؟ قال: كلاّ».

وهذه الرواية ضعيفةٌ سنداً؛ لا أقلّ بـ (محمد بن سفيان البزوفري)، وهو مجهول الحال؛ و(درست بن أبي منصور الواسطي)، الذي لم تثبت وثاقته.

هذا فضلاً عن أنّ القسم الثاني منه، الذي فيه تحديدٌ للمدّة الفاصلة بين موت عبد الله وخروج المهديّ بالشهور والأيّام، لا يُحرَز أنّه من كلام المعصوم(ع)؛ إذ لا ندري مَنْ هو الفاعل لقوله: (ثمّ قال)، هل هو الإمام(ع) أو أبو بصير أو غيرهما؟

ويُضاف إلى ذلك أنّ هذه الرواية مجملةٌ، أي ليس فيها علاماتٌ واضحة تبيِّن هويّة هذا الشخص المسمَّى بـ (عبد الله). وقد حصل في ما مضى تطبيقٌ له على بعض الشخصيّات التي حكمَتْ الأمّة الإسلاميّة. فها هو السيد محسن الأمين، في كتابه أعيان الشيعة 2: 73، يقول ـ بعد أن نقل هذه الرواية من كتاب الغَيْبة، للطوسي ـ: «والظاهر أن المراد بـ (عبد الله) هو المستعصم آخر ملوك بني العبّاس. وأكثر هذه الروايات دالٌّ صريحاً أو ظاهراً على أن ذهاب ملك بني العبّاس من العلامات القريبة، بل بعضها صريحٌ بوجود ملكهم عند ظهور السفياني، مع أنه من العلامات البعيدة بعداً كثيراً، فقد مضى على انقراض دولتهم ما ينوف عن سبعمائة سنة، وكذلك اختلاف بني أميّة وذهاب ملكهم كان قبل حدوث دولة بني العبّاس. ويمكن أن يكون للعبّاسيّين في علم الله دولةٌ في آخر الزمان، أو أن ذلك من غير المحتوم. ويحمل ما دلّ على أنه من المحتوم إنْ صحَّ على أن كونَه من العلامات محتومٌ، وكونُه من العلامات القريبة غيرُ محتومٍ، والله أعلم».

رواياتٌ لم يُذكَر فيها اسم (عبد الله)

وما سوى هاتين الروايتين لم يرِدْ فيه ذكرٌ لاسم (عبد الله). وبالتالي فإنّها ـ على فرض صحَّتها، وليست بصحيحةٍ سَنَداً، ما يدعو للتشكيك في صدورها منهم(عم) ـ محضُ تخرُّصاتٍ وظنون، لا تُغْني من الحقّ شيئاً، ومن هذه الروايات:

من علامات الفَرَج حَدَثٌ بين الحَرَمَيْن

أـ روى الطوسي في كتاب الغَيْبة: 448، عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن عليّ بن محمد بن قتيبة، عن الفضل [بن شاذان النيشابوري]، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: «إنّ من علامات الفَرَج حَدَثاً يكون بين الحرمَيْن، قلت: وأيّ شيء (يكون) الحَدَث؟ فقال: عصبيّةٌ تكون بين الحرمَيْن، ويقتل فلانٌ من ولد فلان خمسة عشر كَبْشاً».

وهذه الرواية ضعيفةٌ سنداً لا أقلّ بـ (محمد بن سفيان البزوفري)، وهو مجهول الحال.

كما أنّ في هذه الرواية إشارةٌ إلى حَدَثٍ في الحجاز، فما هو هذا الحَدَث؟! الظاهر أنّه يتضمَّن عمليّة قتل، فأين هي من موت الملك السعوديّ عبد الله بن عبد العزيز؟!

استعراضٌ للناس بالكوفة، ورؤوسٌ تقطع

ب ـ روى الطوسي في كتاب الغَيْبة: 448، عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن عليّ بن محمد بن قتيبة، عن الفضل [بن شاذان النيشابوري]، عن ابن فضّال وابن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع) قال: «لا يذهب مُلْك هؤلاء حتّى يستعرضوا الناس بالكوفة يوم الجمعة، لكأنّي أنظر إلى رؤوس تندر في ما بين المسجد وأصحاب الصابون».

وهذه الرواية ضعيفةٌ سنداً لا أقلّ بـ (محمد بن سفيان البزوفري)، وهو مجهول الحال.

ثمّ مَنْ هُمْ هؤلاء؟! وما هي علاقة الملك عبد الله بن عبد العزيز باستعراض الناس في الكوفة، وقَطْع رؤوسهم، كما هو مفاد الرواية؟!

اختلاف السيفان

ج ـ روى الطوسي في كتاب الغَيْبة: 447 ـ 448، عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن عليّ بن محمد بن قتيبة، عن الفضل [بن شاذان النيشابوري]، عن محمد بن عليّ، عن سلام بن عبد الله، عن أبي بصير، عن بكر بن حرب، عن أبي عبد الله(ع) قال: «لا يكون فساد ملك بني فلان حتّى يختلف سيفا بني فلان، فإذا اختلفا كان عند ذلك فساد ملكهم».

وهذه الرواية ضعيفةٌ سنداً لا أقلّ بـ (محمد بن سفيان البزوفري)، وهو مجهول الحال؛ ومحمد بن عليّ الصيرفي أبي سمينة) وهو كذّابٌ ضعيفٌ جدّاً؛ و(سلام بن عبد الله الهاشمي)؛ و(بكر بن حرب)، وهما مجهولا الحال.

ثمّ مَنْ هُم بنو فلان؟! ولماذا يُقتصر في التطبيق على آل سعود؟! ثمّ ما علاقة فساد ملكهم بظهور الحجّة المهديّ(عج)؟! هذا ما لم تتعرَّض له الرواية بتاتاً.

خبر موت خليفةٍ من راكبٍ على ناقة ذِعْلِبَة

د ـ روى محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغَيْبة: 276، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي أبي الحسن، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)، قال: «بينا الناس وقوفٌ بعرفات إذ أتاهم راكبٌ على ناقة ذِعْلِبَة، يخبرهم بموت خليفة، يكون عند موته فرجُ آل محمد(ص)، وفرج الناس جميعاً».

وهذه الرواية ضعيفة السند؛ بـ (أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي أبي الحسن)، الذي لم تثبت وثاقته؛ و(الحسن بن عليّ بن أبي حمزة)؛ و(أبيه عليّ بن أبي حمزة)، اللذين لم تثبت وثاقتهما، بل ربما يُقال بكونهما ضعيفَيْن.

كما أنّها تتحدَّث عن أنّ الناس يكونون في عرفات حين يصلهم خبر موت الخليفة. فأين هُمُ الناس اليوم؟!!

اقتتالٌ بين أبناء الخلفاء ثمّ تطلع الرايات السود

هـ ـ روى محمد بن يزيد القزويني (ابن ماجة) في السنن 2: 1367، عن محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف، عن عبد الرزّاق، عن سفيان الثوري، عن خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، قال: قال رسول الله(ص): «يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحدٍ منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قومٌ». ثم ذكر شيئاً لا أحفظه. فقال: «فإذا رأيتموه فبايعوه، ولو حبواً على الثلج؛ فإنه خليفة الله المهديّ». في الزوائد: هذا إسنادٌ صحيح. رجاله ثقات. ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين.

وفعلاً وَجَدْنا أنّ الحاكم النيسابوري قد رواه في المستدرك على الصحيحين 4: 463 ـ 464، عن أبي عبد الله الصفّار ، عن محمد بن إبراهيم بن أرومة، عن الحسين بن حفص، عن سفيان عن خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان(رض)، قال: قال رسول الله(ص): «يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحدٍ منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقاتلونكم قتالاً لم يقاتله قومٌ، ثم ذكر شيئاً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه، ولو حبواً على الثلج؛ فإنه خليفة الله المهديّ». هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين.

ولكنّ هذا الحديث يتحدَّث عن نزاعٍ وقتال لا يُفْضيان إلى غالبٍ ومغلوب، ثمّ يكون خروجُ الرايات السود من قِبَل المشرق. وهذا لم يحصل منه شيءٌ إلى اليوم. وإنّ غداً لناظره قريب.

موت سفيهٍ من آل العبّاس

و ـ روى الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: 655، عن عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن جدّه أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن إبراهيم بن عقبة، عن زكريّا، عن أبيه، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر(ع) قال: «يموت سفيهٌ من آل العبّاس بالسرّ، يكون سبب موته أنه ينكح خصيّاً، فيقوم فيذبحه، ويكتم موته أربعين يوماً، فإذا سارت الرُّكْبان في طلب الخصيّ لم يرجع أوّل مَنْ يخرج [إلى آخر مَنْ يخرج] حتّى يذهب ملكهم».

وهذه الرواية ضعيفةٌ سنداً لا أقلّ بـ (عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي)؛ و(أبيه أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي) ؛ و(محمد بن خالد البرقي)؛ و(إبراهيم بن عقبة)، و(عمرو بن أبي المقدام)؛ فإنّهم جميعاً لم تثبت وثاقتهم.

ثمّ هل أنّ الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود من آل العبّاس؟ وهل مات بالسرّ؟! وهل ستسير الرُّكْبان في طلب الخصيّ؟!

خلاصة الكلام

ليس في الروايات ما يشير بوضوحٍ إلى أنّ (عبد الله بن عبد العزيز) هو المقصود بـ (عبد الله) الذي سيكون الظهور المبارك لمولانا بقيّة الله الأعظم(عج) بعد موته بشهورٍ وأيّام. هذا كلُّه إذا سلَّمنا أنّ هذه العلامة من العلامات الحتميّة غير القابلة للتبديل، وسلَّمنا أيضاً بصدور تلك (الروايات) من أهل بيت العِصْمة والطهارة، محمدٍ وآله(عم). وهذا ما لم يثبُتْ. والله من وراء القصد، وهو وليُّ الأمر والتدبير.

السابق
هكذا عرفتُ الملك سلمان بن عبد العزيز
التالي
الحوثيون يفرقون بالقوة تظاهرة احتجاجية ضدهم امام جامعة صنعاء