هكذا عرفتُ الملك سلمان بن عبد العزيز

في الثامنة إلا ربعاً صباحاً وجدته في انتظاري بمكتبه. سألتُ نفسي: ماذا لو كنت ذاهباً إلى مدير عام في بيروت؟ هل كنتُ لأجده في مكتبه في هكذا وقت؟

كان ذلك في العام 2005 حين كان الملك السعودي العتيد، سلمان بن عبد العزيز، لا يزال أميراً للرياض، إضافة إلى مواقعه المختلفة في العائلة المالكة. إتّصل بي يومها الرئيس الراحل كامل الأسعد طالباً مني الحضور لمقابلته . حضرتُ كما طلب دولته، ليخبرني بأنّ ثمّة رسالة يرغب في إبلاغها الى الأمير سلمان بن عبد العزيز، وأشار إليّ بالسفر إلى المملكة لإبلاغ الرسالة الى الامير شخصياً. عبثا حاولتُ الحصول على تأشيرة للسفر بصفة شخصية، وذلك لما للفيزا السعودية من متطلّبات غير ميسّرة.

رجعتُ إلى الرئيس طالبا مساعدته، وشرحتُ له أنّ الدخول الى المملكة يحتاج الى دعوة، فاتصل الرئيس بصديقه الأمير عارضاً المطلوب. في صباح اليوم التالي راجعتُ السفارة لأعلم أنّ التأشيرة قد صدرت بناء لتعليمات وصلت في الليل.

توجهتُ إلى المملكة ونزلتُ في أحد الفنادق القريبة من قصر الحكم، وعند اتصالي بمكتب سمو الأمير طلبوا انتقالي الى الفندق الخاص بضيوف الأمير، وأمّنوا مستلزمات ذلك.

في الثامنة إلا ربعاً وصلت الى قصر الحكم والمفاجأة كانت أنّ أمير الرياض والملك المقبل كان في مكتبه حينها. فاستهجنتُ الأمر واستفسرتُ علّي وقعت في التباس: هل أنا ذاهب لانتظار الأمير أم للقائه؟ الجواب كان من مدير مكتبه أنّ الأمير موجود في المكتب يتابع شؤون الإمارة. فضحكتُ في سرّي وقلت: ماذا لو كنت ذاهباً إلى مدير عام في بيروت؟ هل كنتُ لأجده في مكتبه في هكذا وقت؟

في مكتبه الواسع تقدّم سموّه لاستقبالي باهتمام لافت، مبادراً بالسؤال عن الرئيس الأسعد وصحته وأحواله. وفي تفصيل دقيق، يرفض الأمير أن يتناول القهوة قبل الضيف وفقاً لتقاليد الضيافة العربية.بعد السلام والكلام العام، كان من جملة ما حملتُ من كلام، الإعتذار عن عدم قدوم الرئيس كامل الأسعد شخصيا لتقديم العزاء بوفاة نجل الأمير، واكتفائه بالبرقية، وذلك لدواع صحيّة. “ما هذا الكلام؟”، قال الأمير، “كامل الأسعد أخي وصديقي، إبني إبنه ولا مجاملات بيننا”.

وبعد خلوة قصيرة بعيدة عن مستشاريه وعناصر التشريفات كانت هذه الصورة.
في لقائي مع الأمير السعودي، في طريقة استقباله لي وطريقة حديثه وإصغائه وتوديعه لي، تأكّدت أنّ هناك رجالا تصنعهم مراكزهم، وهناك أيضا رجال يصنعون المراكز ويعطونها من هيبتهم ومكانتهم. كموفد من رئيس أسبق لمجلس النواب ونائب ووزير سابق، مجرّد من كلّ أشكال السلطة والنفوذ، أحسستُ بأنّني أمثل أميراً في حضرة الأمير. وبمناسبة اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة، لا يسعني إلا التأكيد على ما عرفته من الرئيس الراحل كامل الأسعد، من خصال حميدة ومواقف مشرفة في شخصية الملك العتيد، وهذا ما يبشر بمرحلة جيّدة من الاستقرار في المملكة التي لها دور رئيسي في تأمين الاستقرار الإقليمي والدولي.

السابق
الحرب المفتوحة… باسم الله
التالي
وفاة الملك عبدالله تكشف أسرار ظهور «المهدي»!